د.علاء البسيوني

يهتم الموقع بنشر الثقافة العلمية خاصة في مجال العلوم الاقتصادية والاجتماعية، والاقتصاد الإسلامي.

    بقلم د.علاء بسيوني

يقصد بمصادر الاقتصاد الإسلامي مراجعه، وأصوله التي يستمد منها، ويستند إليها، ولما كان الاقتصاد الإسلامي جزءً من الشريعة فهو يستمد قواعده وأحكامه من مصادرها. وتنقسم مصادره إلى قسمين:

<!--مصادر أصلية: وهي المصادر التي اتفق العلماء على الاحتجاج بها، والرجوع إليها لمعرفة حكم من أحكام الشرعية، وهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس.

<!--مصادر تبعية: وهي التي اختلف العلماء في حجيتها، وجواز الرجوع إليها عند استنباط الأحكام الفقهية المتعلقة بالفروع الاقتصادية... ولكنها في الجملة ترجع إلى المصادر الأصلية، وهي: الاستحسان، والاستصحاب، والمصالح المرسلة، والعرف، وشرع من قبلنا، ومذهب الصحابي، وسد الذرائع... الخ.

هذا وسوف تركز الدراسة على المصادر الأصلية باعتبارها أهم مصادر البحث في الاقتصاد الإسلامي. وبذلك يمكن عرض مصادر البحث في الاقتصاد الإسلامي على النحو التالي:

<!--القرآن الكريم:

وهو المصدر الأول والرئيسي للقواعد والمبادئ الاقتصادية، فقد وضع القرآن الكريم قواعد عامة وثابتة في المجال الاقتصادي، تتسم بالثبات، والاستمرار، وتَرَك التفصيل فيها للسنة، أو الاجتهاد، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة : الآية: 275) فهذه الآية نصت على إباحة البيع بشكل عام، وحرمت الربا كذلك، ولم تفصل في أنواع البيوع أو الربا. وقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ (النساء: الآية: 29). فقد نصت الآية على حرمة أكل أموال الناس بدون وجه حق، وأجازت الحصول عليها عن طريق التجارة المشروعة المبنية على التراضي. وقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: الآية:1) فقد أوجبت الوفاء بالعقود والعهود بشكل عام ولم تبين أنواعها، إنما تركت التفصيل للسنة والاجتهاد.

ويلاحظ أن القرآن الكريم وضع بعض القواعد التفصيلية لأحكام اقتصادية جزئية، لا يجوز الاجتهاد فيها، مثل آيات المواريث التي فصلت أنصبة الورثة تفصيلاً دقيقاً، ولم تترك ذلك لتفصيل المجتهدين، قال سبحانه وتعالى:﴿ يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ...﴾ ( النساء: الآية: 11)، وهذا يعني أن المشرع سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قد وضع بعض الإحكام الجزئية التي لا يجوز تغييرها أو الاجتهاد فيها بصورة تفصيلية وهي التي تتعلق بالحقوق والمواريث، واكتفي بذكر الخطوط العريضة للتشريع في غالبية الأحكام المتعلقة بالاقتصاد، وهو ما يعطي مرونة في التشريع، ويفتح باب الاجتهاد في هذا المجال، وبالتالي عدم تقييد الأجيال القادمة بالقوانين والتشريعات التي قد لا تتناسب مع ظروف المكان والزمان.

<!--السنة النبوية:

وهي كل ما ثبت عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير. وهي المصدر الثاني من مصادر الاقتصاد الإسلامي، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر: الآية: 7) وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ (النساء: الآية: 65)، والسنة إما أن تكون مؤكدة لما ورد في القرآن، أو مفصلة لما جاء فيه، أو تأتي بأحكام جديدة لم ينص عليها القرآن الكريم. وقد جاءت بكثير من العقود والمعاملات التي تتعلق بالمعاملات المالية، مثل: البيع، والرهن، والشركات، والإجارة، وجاءت بكثير من الأحكام التي نظمت فروع النشاط الاقتصادي: كالإنتاج، والتبادل، والاستهلاك .. الخ.

<!--الاجتهاد:

وهو من المصادر يلجأ إليها العلماء لأخذ الأحكام المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والفقهية عند عدم النص عليها في القرآن أو السنة النبوية المطهرة. ولما كانت الأصول الاقتصادية العامة المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية ثابتة، وغير قابلة للإلغاء فإنها كانت أساساً يُستند إليه في استخراج الأحكام الاجتهادية التي يتوصل إليها المجتهدون من العلماء المسلمين تطبيقاً لتلك المبادئ والأصول.

<!--الكتب الإسلامية (كتب التراث):

   تعالج الكتب الإسلامية بموضوعاتها المختلفة الكثير من القضايا الاقتصادية سواء كانت متعلقة بالفقه الاقتصادي أو بالأفكار الاقتصادية، وذلك إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويمكن تصنيف كتب الفقه الإسلامي إلى:

<!--كتب الفقه العامة:

وهي التي تبحث في جميع أبواب الفقه التي يمكن الإفادة منها بمسائل أو قضايا الفقه الاقتصادي بخاصة، والأفكار الاقتصادية بعامة. وتجب الإشارة إلى أن الموضوعات الداخلة في فقه الاقتصاد الإسلامي قد تكون أيضا موضوعات في فقه علم آخر من العلوم الإسلامية، مثل القضاء أو السياسة، كما أن اعتبار موضوع ما من فقه الاقتصاد الإسلامي لا يستلزم عدم اعتباره من فقه علم آخر من العلوم الإسلام، بل إن اعتبار موضوع ما من فقه فرع محدد في الاقتصاد الإسلامي لا يمنع أن يكون فقها لفرع آخر من فروع هذا الاقتصاد، كما أن إبعاد أي موضوع في الفقه من أن يكون فقها للاقتصاد الإسلامي عملية قد تبدو في ظاهرها عملية تعسفية أو غير صحيحة، فكل موضوع في الفقه يمكن أن يكون فيه عناصر تعمل في الاقتصاد الإسلامي، فإذا أخذنا مثلا موضوع الوضوء فإنه قد يبدوا ليس له علاقة بالاقتصاد الإسلامي، ولكن عندما ندرس ترشيد الإسلام للاستهلاك نجد فيه بعض القواعد التي تدخل في ترشيد الاستهلاك، فقد ورد أن النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ، قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ.(<!--) وفي هذا نهى عن الإسراف وأمر بترشيد الاستهلاك في الماء حتى لو كان المسلم يتوضأ على شاطئ نهر.

وإذا نظرنا إلى المؤلفات الفقهية المختلفة فإننا نجد الكثير من الموضوعات الاقتصادية التي تندرج تحت أبواب العبادات؛ كالزكاة، والصيام (الفدية، صدقة الفطر)، والحج (الفدية، الهدي)، والنذور، والأضحية، والكفارات، والنفقات... الخ أو المعاوضات، والمعاملات: كالبيوع، والربا، والصرف، والسلم، والإجازة، والهبة، والرهن، والوكالة، والكفالة، والوديعة، والقرض، والشركات بأنواعها. أو الملكية ومصادرها: مثل: إحياء الأرض الموات، والوقف، والميراث، والوصايا، والغصب، والعشور، والخراج، والجزية...الخ.

<!--كتب الفقه المتخصصة:

وهي ذلك النوع من الكتب الذي خصص لبحث موضوع واحد من موضوعات الفقه، مثل: كتاب الخراج لأبي يوسف، والأموال لأبي عبيد، وأحكام السوق للفقيه يحي بن عمر، والحسبة لشيخ الإسلام بن تيمية ... الخ. وتجب الإشارة إلى أن هذا النوع من الكتب لا يمكن حصره، حيث أنها كثيرة والفكر الإسلامي ثري ثراءً واسعاً في هذا النوع من المعرفة الفقهية.

أما كتب علوم القرآن والتفسير، وأحكام القرآن، وعلوم الحديث وشروحه، وأصول الفقه والتوحيد، والرقائق، والتزكية، والزهد... فيستفاد منها أيضاً في استنباط الأفكار الاقتصادية، أو تأصيلها. وهناك كتب مختصة في الفقه المالي والاقتصادي، ودور الدولة، وتدخلها في الاقتصاد، ويمكن أن نشير إلى بعضها باختصار: كتاب (الاكتساب في الرزق المستطاب) لمحمد بن الحسن الشيباني، و(الأحكام السلطانية والولايات الدينية) للماوردي، و(أحكام السوق) ليحيى بن عمر، و(التيسير في أحكام التسعير) للمجيلدي و(الخراج) لأبي يوسف، و(الطرق الحكمية) لابن قيم الجوزية، و(الحسبة) لابن تيمية... الخ.

وهناك كتب أخرى كالكتب الفلسفية مثل: كتابات الفارابي، وابن سينا، والغزالي، والتاريخية التي عالجت بعض الأحداث التاريخية التي أكدت أهمية العامل الاقتصادي، مثل: كتابات المقريزي، وابن خلدون، والتي نفيد منها أيضاً بما يسمى بالتاريخ الاقتصادي. أو تاريخ الأفكار الاقتصادية. والتراجم والسير التي يمكن استنباط بعض الأفكار الاقتصادية منها لبعض الأعلام.

        وتجدر الإشارة إلى ما يلي:

<!--أن ظهور كتب متخصصة ومستقلة في الفقه المالي والاقتصادي جاء مع بدايات التدوين في الفقه بصفة عامة؛ وهذا يعني أن الفقه المالي والاقتصادي كان واحداً من الموضوعات التي أولاها المسلمون الأوائل أهمية بالغة ترتفع إلى أهمية الموضوع نفسه، كما أن هذه الكتابات وهي تعكس طبيعة التشريع الإسلامي، قد واكبها واقع تطبيقي تطلب هذا النوع من الكتابة، وهذا يقدم دليلاً على أن الواقع الإسلامي في هذا التاريخ حكم بالاقتصاد الإسلامي، وهو ما يقدم دليلاً على وجود النظام الاقتصادي الإسلامي.

<!--أن بعض الكتب الفقهية المتخصصة كتبت بطلب من ولي الأمر في الدولة الإسلامية؛ مثل كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف الذي كتب بناء على طلب من الخليفة العباسي هارون الرشيد، أو كتبها بعضا ممن تولى مسئوليات تشابه الوزارة مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وهذا يعني أن هذه الكتب لم تكن تنظيراً للفقه المالي والاقتصادي فحسب بل كانت تمثل سياسات وبرامج مالية اقتصادية للدولة الإسلامية.

<!--أنه إذا كان التدوين في الفقه المالي والاقتصادي قد بدأ مع التدوين في الفقه العام فإنه قد تطور وازدهر معه أيضاً.

<!--أنه حتى في الفترات التي يقال إن الاجتهاد في الفقه قد توقف فيها فإن التدوين في كتب الفقه المالي والاقتصادي قد استمر؛ بدليل ظهور بعض الكتب في هذا الفرع مثل كتاب التيسير في أحكام التسعير لمؤلفه أحمد سعيد المجليدي.

<!--أن الكتابة في الفقه المالي والاقتصادي قد اتسعت أفقياً بحيث أنها تغطي كل فروع الاقتصاد المعروفة، ورأسياً حيث أن بعضها تخصص تخصصاً دقيقاً.

<!--أن الكتب المتخصصة في الفقه المالي والاقتصادي قد ظهرت في جميع المذاهب الفقهية المعروفة، وجميع الأقطار الإسلامية مما يعكس أهميتها.

<!--الخبرات الإنسانية النافعة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية:

     يمكن الاستفادة من الخبرات والأفكار التي قدمها المفكرون في مذاهبهم الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وتوظيفها في خدمة الاقتصاد الإسلامي، بشرط ألا تتعارض هذه الأفكار والخبرات مع الشريعة الإسلامية ويمكن الاستناد لمشروعية الاستفادة من تلك الخبرات فالْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

<!--))  محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها، مرجع سابق، ج 7، ص860.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 928 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2019 بواسطة dralaabasuony

dralaabasuony

dralaabasuony
يهدف هذا الموقع إلى تنشيط الثقافة العلمية وفتح المجال المناقشات العلمية البناءة من أجل إثراء المعرفة والعلمية وخدمة المجتمع، وذلك من خلال مناقشة العديد من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,478