يتميز الاقتصاد الإسلامي بعدة خصائص تميزه عن غيره من النظم الأخرى، ويمكن تصنيفها كما يلي:
<!--أنه اقتصاد رباني من حيث المصدر والهدف:
<!--ربانية المصدر: الاقتصاد الإسلامي ليس كالاقتصاد الرأسمالي أو الاشتراكي مستمد من الفكر الوضعي للاقتصاديين أمثال آدم سميث أو كينز أو كارل ماركس أو غيره، حتى لو اتفق معهم على بعض النقاط فهو يتميز بكونه رباني المصدر، فهو مستمد من مصادر الشريعة المختلفة وهي القرآن الكريم والسنة المطهرة ثم الاجتهاد.
<!--ربانية الهدف: حيث يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق مراد الله تعالى بعمارة الأرض، وسد الحاجات الدنيوية وتوفير حد الكفاية المعيشية للإفراد والمجتمعات، طبقاً لشرع الله الذي استخلف الإنسان في التصرف في المال والانتفاع به، فالمسلم يدرك أن المال ملكاً لله تعالى فيكون إرضاء مالك المال هدفاً يسعى إليه المسلمون في نشاطهم الاقتصادي.
<!--أنه اقتصاد أخلاقي:
حيث أنه لا يفصل بين الأخلاق والاقتصاد كما في الأنظمة الوضعية الأخرى التي تؤكد على الفصل بين النشاط الاقتصاد والأخلاق، فرجل الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي لا يعنيه أن يكون النشاط الاقتصادي أخلاقياً أو غير أخلاقي، حلالاً أم حراماً، عدلاً أم ظلماً (مع الأخذ في الاعتبار أن النظم الوضعية لا تقر الجوانب غير الأخلاقية. أما الاقتصاد الإسلامي فإنه يقرن بين الاقتصاد والقيم الأخلاقية، فالنشاط الاقتصادي يجب أن يكون مشروعاً ومتوافقاً مع الأولويات الإسلامية واحتياجات المجتمع، كما يلتزم المسلم في نشاطه الاقتصادي بالصدق والأمانة وعدم الغش والغبن والقصد والاعتدال في الأمور كلها مثل الإنتاج والاستهلاك والتداول، بالإضافة إلى التشريعات الاقتصادية الإسلامية التي تضفي عنصر الأخلاق على الاقتصاد مثل الزكاة والوقف والصدقة والتي تؤدي إلى العدالة في توزيع الدخل والثروة لصالح الطبقات الفقيرة.
<!--أنه اقتصاد يتصف بالتوازن:
سواء كان التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، أو التوازن بين الروح والمادة، أو التوازن في عملية الرقابة، وفيما يلي توضيح لأهم صور التوازن في الاقتصاد الإسلامي:
<!--التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة:
حيث أن لكل إنسان دوافعه ورغباته الخاصة فإن ما يراه محققاً لمصلحته الخاصة قد يتعارض مع مصالحة الجماعة، وتتفاوت الاقتصادات الوضعية في موقفها من هاتين المصلحتين، أما الاقتصاد الإسلامي: فإنه يعترف بكل من الملكية الخاصة أو الفردية، والملكية العامة أو الجماعية على شكل يحقق التوازن بينهما، ويحدد وظائف كل منها وموارده حتى لا يطغى أي منهما على الأخر، وبذلك فإنه يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، كما أنه في تنظيمه للعلاقة بين العامل ورب العمل يحقق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وصاحب رأس المال وصاحب العمل، ويوازن بين المنتج والمستهلك، ويوازن بين الفئات الاجتماعية على شكل غير متوفر في الأنظمة الوضعية.
<!--التوازن بين الروح والمادة:
الإنسان له احتياجاته المادية والروحية، ويكون سعيداً بتلبيته هذه الاحتياجات تلبية متوازنة، وفي الاقتصادات الوضعية يختل التوازن بين هذه الاحتياجات لعدم وجود عنصر الأخلاق وسيادة الانحلال والنزعة الاستهلاكية في التصرفات البشرية، والحرص الشديد على الحصول على السلع المادية وعدم الاهتمام بالجانب الروحي. أما الاقتصاد الإسلامي فانه يوازن بين الجانب الروحي والجانب المادي، حيث أنه في الجانب الأول منع التفرغ للعبادة وجمع بين العبادة والعمل، وجعل العمل عبادة حيث أن المسلم وهو يعمل يكون متجها إلى الله مخلصاً، يقول تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة الجمعة: الآية: 10)، كما يقيم النشاط الاقتصادي على أساس من الدين ويتخذ من الدين سنداً للأفراد والدولة عند ممارستهم للنشاط الاقتصادي. وفي الجانب الثاني حيث تعد المادة وسيلة من وسائل الإشباع الروحي وخادمة ومسخرة للفرد والمجتمع، فالإسلام يدعوا إلى زيادة النشاط الاقتصادي والسعي في الأرض بشرط عدم الإفساد، يقول سبحانه تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (سورة القصص: الآية: 77).
<!--التوازن في الرقابة (الرقابة المزدوجة):
لضبط أداء أي نظام اقتصادي، لا بد من وجود نوع من الرقابة على أفعال الناس وتصرفاتهم الاقتصادية، فإذا لم يوجد أي نوع من الرقابة غالباً ما ينفلت الناس، وفي الأنظمة الاقتصادية الوضعية لا يوجد سوى نوع واحد من الرقابة وهو الرقابة البشرية من خلال السلطة التنفيذية، إما في النظام الإسلامي فإنه يوجد ما يعرف بالرقابة المزدوجة: رقابة الحكام على المحكومين، ورقابة ذاتية نابعة من العنصر الإيماني والثقافي للأفراد في هذا النظام، وفيما يلي بيان لمشروعية هذه الأنواع من الرقابة في النظام الإسلامي:
<!--الرقابة البشرية (رقابة السلطة التنفيذية): وقد أسس لها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي رقابة من جانب أولى الأمر على الأسواق وعلى النشاط الاقتصادي بطريقة واضحة، حيث كان ﷺ يراقب أسواق المدينة المنورة ونشاطها الاقتصادي بنفسه، كما عين من يفعل ذلك في أسواق مكة بعد فتحها .. وذلك ما اصطلح عليه بوظيفة المحتسب، وتختص هذه الوظيفة بمراقبة الموازين والمكاييل والصحة والنظافة والنهي عن المحرمات كالربا والغش والتطفيف وعدم الاتجار في الخمر والخنزير، وفض المنازعات بين المتعاملين في الأسواق. ويمارس المحتسب عمله على درجات مختلفة؛ تبدأ بالتعريف بالمخالفة، ثم الوعظ والتخويف بالله، ثم التعنيف بالقول دون فحش، ثم التغيير باليد، ثم التهديد بإلحاق الأذى، ثم مباشرة التوبيخ، ثم الضرب والتعزير.
<!--الرقابة الذاتية: وهذا النوع من الرقابة أشد من رقابة السلطة التنفيذية وأكثر فاعلية وهي الضمير، ويرتبط هذا النوع من الرقابة في الغالب بدرجة التدين والالتزام، فالمسلم يجب أن يتصف بالرقابة الذاتية على تصرفاته وأفعاله ومنها التصرفات الاقتصادية، ولقد رسخ لهذا المفهوم في كثير من الآيات والأحاديث، حيث يقول سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: الآية:1)، وعند ذكر منزلة الإحسان قال عليه السلام :" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فأنه يراك" و "مَن غشَّنا فليس منَّا والمكرُ والخداعُ في النَّارِ" وأحاديث كثيرة لتعظيم أمر الرقابة الذاتية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الرقابة غير موجود في الأنظمة الوضعية، حيث أنها انفصلت تماماً عن الدين، وليس للدين عندهم أي تأثير على النشاط الاقتصادي أو غيره، وهو ما يكسب الاقتصاد الإسلامي ميزة في هذا المجال، ويجعل الرقابة فيه متوازنة وأشد تأثيراً.
<!--أنه يجمع بين الثبات والمرونة (الملائمة):
يوجد في الاقتصاد الإسلامي أمور ثابتة لا تتغير مهما اختلفت ظروف الزمان والمكان، وهي تلك التي جاء بها نص ثابت وقاطع في أي من مصادر الاقتصاد الإسلامي، مثل إيجاب الزكاة وتحريم الربا وجواز البيع ... الخ، وهذا ما يضفي على الاقتصاد الإسلامي قدراً من الثبات في القواعد والتشريع. كما أنه يوجد في التشريع الاقتصاد الإسلامي متسع لاستيعاب باقي المستجدات الزمنية والمكانية حيث اتسمت قواعد الاقتصاد الإسلامي بالعموم الذي لا يصل إلى الفرع، ورسمها للخطوط العريضة دون الدخول في تفاصيل مقيدة مما يترك فسحة للاجتهاد والتطوير، حيث ينطلق الاجتهاد في الاقتصاد الإسلامي من قاعدة: أن الأصل في العبادات الحظر على ما جاء به الشارع سبحانه وتعالى، أما المعاملات فإن الأصل فيها الإباحة إلا ما جاء فيه نص يقيده، وهذا ما يضفي على التشريع للاقتصاد الإسلامي قدراً كبيراً من المرونة. فنجد الإسلام قد اتسع ليشمل كل ما يجد من معاملات طالما خلت من الربا والميسر والغرر الفاحش. وهناك أمثلة كثيرة على تغير الفتاوى واختلافها حسب ظروف الزمان والمكان، فيقال هذا اختلاف زمان ومكان وليس اختلاف حجة وبرهان. وبالتالي، فإن النظام الإسلامي به من الشرع ما يتلائم مع مستجدات كل عصر.
وقد تميز الاقتصاد الإسلامي عن غيره بالجمع بين الثبات والمرونة، بما لديه من ثوابت، وما يتميز به من مرونة في التشريع، على عكس المناهج الأخرى التي ليس لديها ثوابت، بل هي نفسها تتغير! فلقد رأينا كيف تزحف الملكية العامة في الدول الرأسمالية، والملكية الخاصة في النظم الاشتراكية الماركسية .. مخالفين بذلك الأسس والمبادئ والفلسفة التي قامت عليها هذه النظم.
<!--الحرية المقيدة:
تعد الحرية الاقتصادية مناطاً كبيراً للخلاف في الفلسفة الاقتصادية بين النظام الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي والاقتصاد الإسلامي، وهذا ما يمكن توضيحه من خلال ما يلي:
<!--الحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي:
تعد الحرية الاقتصادية المطلقة من أبرز معالم النظام الاقتصادي الرأسمالي، الذي يأخذ بمبدأ الملكية الخاصة بشكل غير محدود، فالاقتصاد الرأسمالي يكفل للفرد الحرية الاقتصادية المطلقة في أن يزاول ما يشاء من أعمال وبالأسلوب الذي يختاره في ضوء مصلحته الشخصية فقط، وطبقاً لما تهدف إليه الرأسمالية من وراء مبدأ الحرية الاقتصادية: أن تجعل الفرد هو العامل الوحيد في الحركة الاقتصادية، حيث أنه ما من أحد أعرف منه بمصلحته الشخصية، ولا أقدر منه على اكتسابها، وعلى هذا الأساس تؤمن الرأسمالية بحرية التملك لعناصر الإنتاج، كما تسمح للأفراد باستغلال ممتلكاتهم على الوجه الذي يروق لهم، ولقد أدت هذه الحرية المطلقة إلى بروز عدة مساوئ للنظام الاقتصادي الرأسمالي.
<!-- الحرية الاقتصادية وموقف النظام الاشتراكي منها:
يؤمن النظام الاشتراكي بالملكية العامة ويقف من الحرية الاقتصادية موقف العداء ويرى أنها سبب البلاء وأم الفساد، لذلك يرى ضرورة إلغائها ومصادرتها، فالدولة يجب أن تمتلك كل أدوات الإنتاج كما أنها تقوم بعملية التوزيع، وبذلك يكون الاقتصاد الاشتراكي قد أخذ من مبدأ الحرية الاقتصادية موقفاً يناقض موقف النظام الرأسمالي.
وبالتالي فإن هذا النظام يكون قد قتل في الإنسان الحافز على الإنتاج، وحطم فيه كل دافع على العمل والتنمية، حيث أنه حكم بالإعدام على غريزة حب التملك التي هي من أقوى الغرائز الإنسانية التي تدفع بالإنسان إلى العمل الجاد.
<!--الحرية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي:
الإسلام يقر الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة وحرية الأفراد والجماعات في التملك والإنتاج والاستهلاك غير أن هذه الحرية مقيدة بما يتفق مع مصلحة الفرد نفسه ومصلحة المجتمع، فالحرية الاقتصادية من وجهة النظر الإسلامية حق يقابله واجبات والتزامات تجاه المجتمع تتمثل في الالتزام بالواجبات الشرعية، وعدم التصرف في المال الخاص تصرفاً يؤذي الغير. فالملكية الخاصة في الإسلام مقيدة بالضوابط الشرعية وهذا ما يتفق مع مصلحة الفرد، والفطرة الإنسانية، وطبيعة النفس البشرية وحب التملك، مما يحفز عملية التنمية ويحقق العدالة بين الجهد والجزاء، وكذلك يتفق مع مصلحة المجتمع من خلال تحفيز عملية التنمية وكبح جماح رغبات الأفراد وميولهم في الحدود التي لا تضر بالمجتمع، من خلال:
<!--مراعاة أحكام الإسلام في الحلال والحرام.
<!--الالتزام بالواجبات الشرعية: كالزكاة، والنفقة على الزوجة والأبوين والأبناء، الإنفاق في سبيل الله.
<!--عدم التصرف في المال تصرفاً يؤذي الغير.