د.علاء البسيوني

يهتم الموقع بنشر الثقافة العلمية خاصة في مجال العلوم الاقتصادية والاجتماعية، والاقتصاد الإسلامي.

    بقلم د.علاء بسيوني

يهدف هذا الفصل إلى التعرف على فكرة فائض القيمة وصاحب الاستحقاق فيها دراسة مقارنة بين الفكر الوضعي والإسلامي، وذلك من خلال النقاط التالية:

أولاً: فائض القيمة في الفكر الوضعي:

تعد فكرة فائض القيمة هي أساس الصراع بين الفكر الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي، ففي حين تجاهل الفكر الرأسمالي هذه الفكرة وركز منظروه مثل (ريكاردو) في بحث القيمة على كيفية توزيع العائد المتولد من العملية الإنتاجية على عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية، كان منظر الفكر الاشتراكي (ماركس) يهدف من بحثه في القيمة إلى تحديد خالق فائض القيمة، ليوجد أساس الصراع بينه وبين من يسرق منه نتائج عمله، وخلص إلى أن فائض القيمة هو الربح الذي يزيد عن قيمة الأجور المدفوعة إلى العمال  والذي يذهب إلى جيوب الرأسماليين، وهو بتعبير آخر  الفرق بين الأجر الذي يدفع إلى العامل منتج السلعة وبين الثمن الذي تباع به، ـوهو ما يجب أن يكون لصالح الطبقة العاملة، ولكن الواقع يشير إلى العكس حيث  لا تظفر به الطبقة العاملة، ويسلبه منها أصحاب رؤوس الأموال الذين يعيشون عالة على الطبقة الكادحة. إذن، ففائض القيمة هو عبارة عن تملك الطبقة المسيطرة جزءً من إنتاج المجتمع وأخذه بدون مقابل. وقد اعتبر ماركس أن أخذ فائض القيمة هو السبب الرئيس في تناقضات المجتمع وشقائه، والمصدر الوحيد لقيام الطبقية في المجتمع، وتضخم الأموال عند البرجوازيين، الأمر الذي تتكون منه الرأسمالية التي شن عليها الحرب ودعا إلى تحطيمها.

ولتوضيح المقصود بفائض القيمة نأخذ المثال التالي:

بافتراض قيام أحد المنتجين بالجمع بين عناصر الإنتاج (الأرض، العمل، رأس المال، التنظيم) من أجل القيام بإنتاج سلعة ما وبيعها في السوق بمبلغ 100 جنيه، فإنه يحصل على ثمن هذه السلعة ويقوم بتوزيعه على عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية على حسب مساهمة كل منها في العملية الإنتاجية، وبافتراض أن ذلك يكون على النحو التالي:

عنصر الإنتاج

نصيبه من العملية الإنتاجية

ما يحصل عليه في النظام الرأسمالي

ما يجب أن يحصل عليه في النظام الاشتراكي

الأرض

الريع أو الإيجار

25

25

العمل

الأجر

25

25

رأس المال

الأجرة أو سعر الفائدة

15

15

التنظيم

الربح أو الخسارة

35

15

المجموع

100

80

فائض القيمة

--

20

يتضح من المثال في الجدول السابق أنه وفقاً للفكر الاقتصادي الرأسمالي لا يوجد هناك مجال لفائض القيمة، حيث يقوم المنظم (رجل الأعمال) بدفع أنصبة باقي عناصر الإنتاج نظير مساهمتها في العملية الإنتاجية والباقي يكون من نصيبه هو نظير القيام بالعملية التنظيمية. أما الفكر الاقتصادي الاشتراكي فيرى أنه بافتراض حصول عنصر التنظيم على أجر المثل نظير مساهمته في العملية الإنتاجية وهو ما افترضنا أنه 15 جنيه بالمثال، فإنه يظهر لنا فائض القيمة وهو 20 جنيه بالمثال، وهو ما يمثل الفرق بين سعر بيع السلعة 100 جنيه وتكلفة عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية 80 جنيه، وبالتالي تكون هناك مشكلة في التعرف على صاحب الاستحقاق لهذا الفائض، وهو ما نظر له الفكر الاشتراكي بأنه من حق العمال لينشئ أساس الصراع بين الفكر الرأسمالي والاشتراكي.

فالفكر الاشتراكي يرى أن فائض القيمة من حق الطبقة العاملة الذين استغلهم رجال الأعمال بالحصول على خدماتهم الإنتاجية بأقل من قيمتها في السوق، أو يرجع لمهارة العمال في الإنتاج، والتي لم يحصلوا على المقابل الحقيقي لها. ومن ثم فإن فكرة فائض القيمة أسست للصراع بين صاحب الاستحقاق الطبقة العاملة ومن يسرق منه فائض عمله رجال الأعمال (الطبقة البرجوازية)، وهذا ما دعي أصحاب التوجه الاشتراكي إلى فكرة التأميم وتحويل الملكيات الخاصة إلى العامة.

ثانياً: فائض القيمة في الاقتصاد الإسلامي:

يعترف الفكر الاقتصادي الإسلامي بوجود فائض القيمة، ولكنه يرى أنه ينبع من مصدرين هما:

المصدر الأول؛ الموارد الاقتصادية التي خلقها الله تعالى وتدخل في العملية الإنتاجية دون دفع مقابل لها، وهي المصدر الرئيسي لفائض القيمة وتدخل في إنتاج غالبية السلع، فالإنسان الذي يزرع مساحة من الأرض على سبيل المثال يدفع مقابل استخدامها الإيجار أو نسبة من المحصول، ويدفع أجور العمال، وأجرة الآلات التي يستخدمها، ويأخذ مقابل عمله، ولكنه في الحقيقة يستفيد من موارد اقتصادية عديدة لها تأثير كبير على مستوى الإنتاجية ولا يدفع مقابل استخدامها مثل؛ الشمس، والمناخ المناسب، والموقع الجغرافي وهذه العوامل لاشك أن لها تأثير كبير على مستوى الإنتاجية ومن ثم فائض القيمة.

المصدر الثاني؛ مهارة العمال واتقانهم لعملهم فوق المستوى المتوسط؛ وهذا إن وجد إنما ينعكس في صورة زيادة فائض القيمة، وهي الصورة الوحيدة لمشاركة عنصر العمل في إنتاج فائض القيمة، والعامل لا يقصد من وراء إتقانه في العمل المشاركة في الحصول على جزء من الفائض، وإنما يقصد الحصول على ثواب الله تعالى الذي يشكر له إخلاصه وعطاءه، فقد ورد أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ "(<!--).

أما الاستغلال – إذا وقع على العمال – فلن يكون مصدراً لفائض القيمة وإنما يبقى مقابله حقاً للعمال في ذمة صاحب العمل، وهو مطالب بدفع قيمة هذا العمل (الاستغلال) سواء كان راضياً أو بإجباره من ولي الأمر، ولن تبرأ ذمته منه حتى يؤديه إليهم، ومن حقهم أن يخاصموه إلى ولى الأمر، ومن واجب ولى الأمر أن يعيده إليهم، وإذا لم يحدث هذا في الدنيا فالله تعالى سيقوم بمخاصمة هذا المستغل يوم القيامة يقول (قَالَ اللَّهُ تعالى ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أَجْرَهُ)(<!--).

يستنتج مما سبق أن موقف الفكر الإسلامي من فائض القيمة؛ أن هناك فائض قيمة عن مجموع الجهود الإنسانية المبذولة، وليس هناك فائض قيمة من الناحية الحقيقية المتعلقة بذات الشيء وما دخل في تكوينه، فالمنتجات الجديدة إنما تحمل قيمة مكوناتها، بيد أن بعض هذه المكونات لم يبذل فيها جهد إنساني ما، وإنما تفضل الله تعالى به على الإنسان عندما أباح له الانتفاع بالسلع التي أوجدها سبحانه صالحة للإسهام في إتمام العمليات الإنتاجية دون أن يكون للعمل الإنساني دخل في صلاحيتها هذه.

أما عن صاحب الاستحقاق لفائض القيمة في الاقتصاد الإسلامي: فإن مصدر وطبيعة فائض القيمة وصاحب الاستحقاق فيه في الاقتصاد الإسلامي تختلف تماماً عن الفكر الماركسي، ويتضح ذلك من فلسفة توزيع العائد في الشريعة الإسلامية، والتي تقوم على أن الله تعالى هو الذي خلق الأرض بما فيها من موارد اقتصادية وأباح للإنسان الانتفاع بها وفقاً لمفهوم الاستخلاف، ومنها الموارد التي أوجدها الله سبحانه صالحة للإسهام في العملية الإنتاجية دون أن يكون للإنسان دخل في هذه الصلاحية، ومن ثم فإن الله تعالى هو صاحب الاستحقاق الأصلي في هذه الموارد وما ينتج عنها من فائض القيمة، وحيث أن الإنسان هو خليفته في أرضه، وأنه يجب على المُسْتَخْلَفْ وهو الإنسان أن يعمل وفق إرادة المُسْتَخْلِفْ وهو الله تعالى، يجب أن يتم التصرف في هذا الفائض وفق مراد الله تعالى، الذي أمرنا بالتصرف فيه على النحو التالي:

<!--في حالة انفرد عنصر إنتاجي واحد بالإنتاج فإنه لا يوجد خلاف على أن من حقه الحصول على كل الناتج، وليس ذلك إلا لعنصر العمل، وذلك بشرط أداء حق الله فيها الذي هو صالح المجتمع وهو الزكاة.

<!--في حالة اشترك أكثر من عنصر إنتاجي في العملية الإنتاجية، وهذا هو القائم في معظم عمليات الإنتاج، حيث يقوم شخص ما (المنظم أو رجل الأعمال) بالتأليف بين هذه العناصر من أجل إتمام العملية الإنتاجية، ومن ثم تبدأ عملية توزيع العائد كما تحددها الشريعة الإسلامية بأن يقوم المنظم بدفع مكافآت عناصر الإنتاج التي ساعدته في العملية الإنتاجية، متمثلة في: أجور العمال، الإيجار أو الريع مقابل استخدام الأرض، والأجرة مقابل استخدام رأس المال العيني، وبذلك تكون كل العناصر السابقة قد حصلت على المكافآت التي تتعادل مع جهودها في إنشاء القيمة.

هذا وبعد حصول كل مكون من مكونات القيمة على نصيبه العادل منها، يجب على المنظم التصرف في الجزء المتبقي وفائض القيمة وفق مراد الله تعالى فيه وهو الذي أمر بالبدء بالصرف منه على بند الزكاة التي هي حق الله وصالح المجتمع، والتي فرضها الله تعالى لتصرف على فئات معينه حددها في القرآن، ولكن الزكاة نسبة صغيرة ولا تستغرق فائض القيمة كله، لذلك جعل الله تعالى باقي فائض القيمة من حق (المنظم) صاحب المبادرة في العملية الإنتاجية، وهو الشخص الذي طلب فضل الله تعالى (الفائض) وسعى إليه وطلبه بوسائله، وتعرض للاستفادة من فضل الله تعالى، فهو من حق صاحب المبادرة التي أدت إلى إيجاد السلعة التي تحمل في جوفها أكثر مما دخل فيها من قيم مدفوعة المقابل، وليس ذلك إلا لرب العمل.


<!--[endif]-->

<!--)) عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، مرجع سابق، برقم: 1855.

<!--))  محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، برقم: 2227.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 507 مشاهدة

dralaabasuony

dralaabasuony
يهدف هذا الموقع إلى تنشيط الثقافة العلمية وفتح المجال المناقشات العلمية البناءة من أجل إثراء المعرفة والعلمية وخدمة المجتمع، وذلك من خلال مناقشة العديد من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,446