بقلم د.علاء بسيوني
يؤمن الفكر الاقتصادي الإسلامي بكل من الملكية الخاصة والعامة وفقاً لمبدأ الاستخلاف على نحو يحقق التوازن بينهما، ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من الملكية مثل الملكية التكافلية وملكية الدولة، ولكل نوع من هذه الأنواع مجاله الخاص الذي يعمل فيه، وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه، كما أن القاعدة العامة للملكية في الاقتصاد الإسلامي هي ملكية الاستخلاف التي ينبثق عنها باقي أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي، ويمكن عرض أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي على النحو التالي:
<!--ملكية الاستخلاف: يقوم توزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي على أساس مبدأ الاستخلاف والذي يعني أن الأرض والسموات بما فيها وما عليها ملك لله تعالى الذي خلق الكون وهو القادر على التصرف فيه سواء بالإيجاد والعدم، أو الإحياء والإماتة أو غير ذلك،(<!--) أما ملكية البشر فهي ملكية استخلاف مشتقة من تفويض الله تعالى للإنسان بخلافته على الأرض وإطلاق يده في هذا الوجود تنعُّماً واستهلاكاً لكفاية ذاته وإحرازاً لوجوده،(<!--) وينقسم الاستخلاف إلى قسمين هما:
<!--استخلاف عام: للبشر كلهم في الأرض بدأ منذ أن هبط آدم عليه السلام وزوجته إلى الأرض، وهو ليس خاصاً بفئة دون أخرى. فالأصل اشتراك البشر جميعاً في الانتفاع بما أوجد الله في الأرض من خيرات وطيبات، فهم على حدٍ سواء فيها، إلا إذا كان هناك استخلاف خاص سواء للدول أو الأفراد.(<!--)
<!--استخلاف خاص: وهو أن تستقل أمة من الأمم أو فرد من الأفراد في ملكية شيء من الأشياء، بأن تستقل أمة من الأمم بإقليم من الأرض تُحَكِمْ فيه نفسها ويكون لها سلطان يحمي مصالحها ويدبر شئونها، وهذا النوع من الاستخلاف قائم على الاستخلاف العام. أما استخلاف الأفراد فهو استقلال الفرد في ملكية ما تحت يده من الأموال سواء كانت أموال ثابتة أو منقولة، فهو مستخلف فيها استخلافاً خاصاً، ومصدر هذا النوع من الاستخلاف يرجع إلى أحد أمرين هما:
<!--الاستخلاف العام: وذلك في حالة كون مصدر ملكية الفرد لهذا الشيء مباشراً من الموارد غير المستغلة المملوكة للمجتمع ملكية استخلاف كإحراز بعض المباحات والصيد، أو من إنتاج الفرد نفسه عن طريق استعماله وتفعيله لبعض المواد في الأرض كالزراعة والصناعة ونحوهما، فالأفراد وفقاً لمبدأ الاستخلاف العام قد جعل الله لهم سلطاناً مباشراً على ما في الأرض من خيرات وطيبات، ومكَّن لهم الانتفاع منها بما أعطاهم ووهبهم من القوى العقلية والجسمية.
<!--الاستخلاف الخاص: وذلك إذا كان مصدر ملكية الفرد للشيء من مالك سابق عليه كالإرث أو الوصية أو من عقد يترتب عليه انتقال الملكية، فيكون حل محل المستخلف السابق عليه فيما استُخلِف فيه.(<!--)
<!--الملكية الخاصة: هي نوع من الملكية الثابتة والمستقرة وفقاً لمبدأ الإستخلاف، وتعنى اختصاص المالك (أفراد أو مؤسسات) بما يقع تحت يده من الموارد الاقتصادية التي يجوز ملكها وتملكها، وثبوت حق الاستعمال والاستغلال والتصرف له في الأشياء المملوكة، بشرط الحصول عليها بطرق مشروعة، واستخدمها وفقاً لمراد المالك الأصلي لها وهو الله تعالى، وعدم وجود مانع شرعي يحول بين صاحب هذا الحق والتمتع بهذه الحقوق كالجنون والسفه.
والمال بطبيعته قابل للتملك، وقد يوجد ما يجعله غير قابل لذلك أحيانًا مثل: الأشياء التي لا يجوز تملكها أو تمليكها بأي حال من الأحوال كالأشياء التي خصصت للمصلحة العامة والنفع العام؛ كالطرق العامة، والحصون، والأنهار، ونحوها، فإذا زالت عنها صفة التخصيص عادت لحالتها الأصلية وأمكن تملكها.(<!--) وما لا يقبل التملك إلا بمسوغ شرعي؛ كالأموال الموقوفة، وأملاك بيت المال، وأموال الدولة، فكل ذلك لا يجوز بيعه ولا هبته إلا لمصلحة راجحة اقتضت ذلك.(<!--) وتتميز الملكية الخاصة في الإسلام بمجموعة من الخصائص من أهمها:
<!--الملكية الخاصة في الإسلام ملكية ثابتة ومستقرة ولا يجوز إلغاؤها أو التعدي عليها دون سند شرعي أو قانوني لتحقيق مصلحة عامة راجحة، حيث أن إقرار الملكية الخاصة أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومترتب عليه العديد من التكاليف والنفقات والعقود الشرعية.(<!--)
<!--الملكية الخاصة حق كامل يشتمل على جميع الأعيان والحقوق والمنافع والمزايا التي تمنحها الشريعة لصاحبها: فهي تمكِّن صاحبها من التصرف فيما يمتلكه كيف ما يشاء وعلى أي نحوٍ يريده سواء كان بيعاً أو شراءً أو هبةً أو غير ذلك، ما لم يكن تصرفه ممنوعاً شرعاً كالإضرار بالغير أو الإنفاق على محرم.(<!--)
<!--أنه لا يوجد حد أو سقف معين لما يتملكه الإنسان ملكية خاصة في الإسلام: مادام يتملكه من خلال الوسائل المشروعة وفقاً للشريعة الإسلامية.
<!--الملكية الخاصة في الإسلام حقاً دائماً لصاحبهاً: لا تزول عنه بحال من الأحوال إلا برضاه ما لم يكن هناك مصلحة راجحة معتبرة شرعاً، كشفعة أو نزع الملكية للمصلحة العامة.
<!--الملكية الخاصة في الإسلام تعمل على تحقيق النمو الاقتصادي، حيث تدفع صاحبها إلى تنمية أمواله حرصاً على عدم تآكلها بفعل الزكاة على الأموال المكتنزة، ودون خوف أو حذر من مصادرة أمواله، أو غير ذلك.
هذا ويتم اكتساب الملكية الخاصة إما عن طريق الاستفادة من الاستخلاف العام؛ كإحراز المباحات والصيد، وإحياء الموات، والانتفاع بما أوجد الله في الأرض من خيرات وطيبات. أو الاستخلاف الخاص؛ بالحصول على ملكية الشيء من ملك سابق عليه كالإرث أو الوصية أو من عقد يترتب عليه انتقال الملكية من شخص إلى أخر.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس لولي الأمر أن يمنع التملك عن طريق إحياء الموات لأن الأرض الموات (غير المستغلة) ليست ملكاً لبيت المال، وإن كانت بحكم الولاية العامة في وضع يده، مما يستوجب إذنه منعاً للتزاحم، كما أن ولى الأمر إن منع الإحياء أو اشترط ثمناً للأرض الموات فإنه يعد بذلك معطلاً لأحكام الشريعة الإسلامية.(<!--)
هذا وتكمن أهمية إقرار الملكية الخاصة في الإسلام في تحقيق ما يلي:
<!--تحقيق حاجة الإنسان، وما تتطلبه الحياة الكريمة: حيث يعمل الإقرار بالملكية الخاصة وما يصاحبها من غريزة حب التملك على تحفيز الإنسان ودفعه في اتجاه العمل والإنتاج وطلب الرزق من أجل توفير احتياجاته الأساسية وما تتطلبه الحياة الكريمة.
<!--عمارة الأرض واستغلال مواردها: حيث أن عمارة الأرض واستغلال مواردها مرهون بزيادة العمل والإنتاج، ويعمل الإقرار بالملكية الخاصة على دفع أعضاء المجتمع إلى ذلك، وهو ما يحقق الهدف والمهمة التي أمرنا الله تعالى بها وهي عمارة الأرض واستغلال مواردها.
<!--إعداد القوة: حيث يعد المال من أهم مصادر القوة للإفراد والجماعات والمجتمعات، وفي إقرار الملكية الخاصة توجيه نحو السعي والزيادة في الرزق والذي ينعكس على قوة وقدرة المجتمع المسلم الداخلية والخارجية، ويندرج تحت بند الإعداد المأمور به في قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) ( الأنفال : الآية 60).
<!--البذل والإنفاق في أوجه البر: إن التعبد والتقرب لله تعالي بالإنفاق في سبله تطوعا مرهون بقدرة الفرد المالية على الإنفاق والكسب، وبذلك فإن الملكية الخاصة تتيح للأفراد الحصول على الأموال التي تمكنهم من الإنفاق في سبيل الله تعالى.
<!--تحقيق التفاوت في الرزق: إن الإقرار بالملكية العامة وحدها لا يحقق التفاوت في الرزق الذي أشار الله تعالى إليه في قوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ( الأنعام : الآية 165) وقوله ( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) ( النحل: الآية 71) وفي هذا التفضيل والتفاوت في الرزق الكثير من المصالح والفوائد في الحياة الدنيا خاصة في مجال الاقتصاد، والكثير من الابتلاءات والاختبارات التي تعمل على تمحيص الناس وتمايزهم في الآخرة.
<!--الملكية العامة: هي الملكية التي يكون صاحبها مجموع الأمة أو الجماعة منها، دون النظر لأشخاص أفرادها على التعين، بحيث يكون الانتفاع بالأموال التي تتعلق بها لهم جميعاً، دون اختصاص أحد بها، فهي أموال محجوزة عن التداول،(<!--) توكل إدارتها للدولة وتشرف عليها بموجب ما تقتضيه المصلحة العامة، حيث تختص الدولة بإدارة وتنظيم كل ما لا يعرف له مالك أو لم يتعين له مالك، ولا يجوز للدولة أو الأفراد التصرف برقبتها أو الاستفراد بمنفعتها، ويشترك فيها عموم الناس شراكة إباحة،(<!--) ويدخل في هذا النوع من الملكية المباحات العامة من الثروات الطبيعية التي يجوز لجميع أفراد المجتمع التمتع بها وبخيراتها دون تمييز.(<!--) وتتميز الملكية العامة في النظام الاقتصادي الإسلامي بمجموعة من الخصائص من أهمها:
<!--الملكية العامة ملكية دائمة ومستقرة بدوام واستقرار مصلحة عموم المسلمين، والحق فيها مستقر للجماعة باعتبارها مؤلفة من أفراد المجتمع، وعلاقتها مع مصالح عموم المسلمين (المجتمع) وحاجاتهم كعلاقة العلة بالحكم فمتى وجدت العلة وهي المصلحة العامة وجد الحكم وهو الملكية العامة.
<!--الملكية العامة مقررة وفق ما شرعه الله تعالى ووضحته سنة رسوله ﷺ ولا يملك أحد التصرف فيها أو إلغاءها.
<!--ملكية الدولة: هي الملكية التي تكون للدولة، ومواردها لبيت مال المسلمين، يتصرف فيها ولي أمر المسلمين بموجب ما تقتضيه المصلحة العامة، ويجـوز للإمـام التصرف فيها بالإنفاق والبيع والإجارة وغيرهـا كالأموال الخاصة في يد أصحابـها.(<!--) فقد جعل الشرع ملكية بعض الموارد الاقتصادية ملكاً لعموم المسلمين عين بعضها على جهات معينة تصرف عليها كالزكاة، وترك بعضها لم يعين مصارفها يتصرف فيها ولى الأمر وفق اجتهاده مثل الفيء والخراج والجزية .. الخ.(<!--) وحيث أن الدولة من وجهة النظر الإسلامية هي المسئولة عن إدارة كل من الملكية العامة وملكية الدولة ينبغي التفرقة بينهما، وهو ما يقوم به البحث على النحو التالي:
<!--أن الملك في الملكية العامة يعود للأمة أما في ملكية الدولة يعود لمنصب الذي يباشر حكم الأمة.
<!--أن ملك الدولة يتمثل في المنشآت والأموال الخاصة بالدولة مثل العقارات والمباني والمؤسسات الحكومية والمصانع التي تنشئها، والتي يحق لولي الأمر التصرف في رقبتها بصفته وفقاً لما تمليه عليه المصلحة العامة، بناء على السلطات المخولة له من الجماعة. أما الملكية العامة فتشمل مختلف الأموال التي ينتفع بها كل أفراد المجتمع مثل المرافق العامة التي تخول مسؤولية إدارتها إلى الدولة دون منح الحق لولي الأمر بالتصرف في رقبتها.(<!--) وينعكس اختلاف الملكيتين في العناصر التالية:
<!--طريقة استثمار كل من الملكيتين والدور الذي تؤديه في بناء المجتمع المسلم: فالأراضي والموارد والثروات التي تمتلك ملكية عامة للأمة يجب على ولي الأمر استثمارها في إشباع الحاجات العامة والأساسية للمجتمع المسلم، وتحقيق المصالح العامة المرتبطة بالمجتمع ككل مثل؛ إنشاء الطرق والجسور، وحفر الترع، والمؤسسات الاجتماعية العامة، ولا يجوز استخدامها في تحقيق مصلحة جزء معين من الأمة ما لم ترتبط مصالحه بمصالح المجموع، كما لا يسمح بالصرف من ريع الملكية العامة على النواحي التي يعتبر ولي الأمر مسؤولاً عنها من حياة المواطنين في المجتمع المسلم. أما أملاك الدولة فيمكن استثمارها في مجال المصالح العامة للأمة أو لمصلحة معينة لفئة من فئات المجتمع أو لمصلحة أخرى يكون ولي الأمر مسؤولاً عنها.(<!--)
<!--الملكية العامة لا تسمح بظهور حق خاص للأفراد: فالموارد المملوكة ملكية عامة للأمة لا يكتسب الفرد فيها حقاً خاصاً حتى لو مارس عليها عملية الإحياء، أما ملكية الدولة فيمكن أن يكتسب الفرد فيها حقاً خاصاً على أساس العمل بمقدار ما تسمح به الدولة (بإذن الإمام) حتى وإن لم يمتلك رقبتها وظلت ملكاً للدولة.(<!--)
<!--أن ما يدخل في نطاق الملكية العامة للأمة لا يجوز لولي الأمر التصرف فيه ونقل ملكيته إلى الأفراد سواء بالبيع أو الهبة، بخلاف ملكية الدولة التي يجوز فيها ذلك وفقاً لما يقدره الإمام من المصلحة العامة.(<!--)
<!--الملكية التكافلية: ويقصد بها الموارد الاقتصادية التي تحولت أو تتحول طبيعتها إلى شكل خاص من الملكية تخرج به من إطار الملكية الخاصة أو ملكية الدولة إلى نوع من الملكية العامة ذات الطبيعة الخاصة، سواء لعموم المسلمين أو لصالح فئة معينة من فئات المجتمع تعبداً لله تعالى، وإحساساً بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع أو الأمة الإسلامية، ويهدف هذا النوع من الملكية إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين أعضاء المجتمع المسلم، ويدخل في هذا النوع من الملكية الوقف والصدقات الجارية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الملكية يعد ملكية تراكمية مؤبدة عبر الزمن، وهذا ما جعل نصيب هذه الملكية من الأراضي الزراعية في مصر والعديد من الدول يقدر بحوالي ثلث الأراضي الزراعية، حيث قدر حجم الأراضي الزراعية الموقوفة في مصر عام 1812م بـ 600 ألف فدان،(<!--) وصلت إلى 700 ألف فدان وفقاً لإحصاء سنة 1935م، ثم نقصت إلى 582.950 بعد صدور قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م وفقاً لإحصاء سنة 1952م.(<!--) هذا بالإضافة إلى العديد من آلاف العقارات والمباني والأراضي الموقوفة، وهذا ما يدل على كبر حجم هذا النوع من الملكية ودوره المؤثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ويرى البحث أن الفرق بين الملكية التكافلية في الاقتصاد الإسلامي والملكية التعاونية في الاقتصاد الاشتراكي يمكن توضيحه من خلال ما يلي:
<!--الملكية التكافلية حق أصيل في الاقتصاد الإسلامي ولا يملك أحد وفقاً للشريعة الإسلامية إلغاؤها أو النيل منها، أما الملكية التعاونية فهي محكومة بالقوانين الاشتراكية التي تحدد حجمها ومدى السماح بها، حيث تسمح الدولة ببعض الملكيات الكبيرة للأفراد في شكل جمعيات تعاونية يشترك فيها الأفراد في الإنتاج والاستغلال واقتسام العائد بناء على مبدأ المساواة الاشتراكي، والتخطيط المركزي الإلزامي، وعادة ما يكون هؤلاء الأفراد ملزمين بتسليم منتجاتهم إلى الدولة.(<!--)
<!--الباعث في الملكية التكافلية باعث ديني أخلاقي، والغرض منها تعبدي لله تعالي، وتهدف إلى تحقيق التكافل الاقتصادي وتأمين حد الكفاية لجميع أعضاء المجتمع. أما في الملكية التعاونية فهو باعث اقتصادي، يهدف إلى الحصول على بعض الموارد الاقتصادية غير المسموح بتملكها نتيجة القوانين الاشتراكية.
<!--الملكية التكافلية في الإسلام تراكمية ولها أثارها الاقتصادية والاجتماعية المتعددة، وتكون شاملة إما للمجتمع بأثره أو لفئة معينة. أما الملكية التعاونية فهي محدودة التأثير، حيث أنها لا تشمل سوى الأفراد المشاركين فيها.
ملاحظات عامة حول نمط وتوزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي:
<!--الحرية المقيدة: فالإسلام يقر حرية الأفراد والجماعات في التملك والإنتاج والاستهلاك غير أن هذه الحرية مقيدة بما يتفق مع مصلحة الفرد نفسه ومصلحة المجتمع، فالحرية الاقتصادية من وجهة النظر الإسلامية حق يقابله واجبات والتزامات تجاه المجتمع تتمثل في الالتزام بالواجبات الشرعية، وعدم التصرف في المال الخاص تصرفاً يؤذي الغير.(<!--)
<!--لكل نوع من أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي هدفه الخاص ومجاله الذي يعمل فيه: فملكية الاستخلاف تعمل على تحديد الإطار العام لامتلاك الموارد الاقتصادية والثروة داخل المجتمع، ورسم العلاقة بين المالك الأصلي لهذه الموارد وهو الله تعالى ومن استخلف لعمارة الأرض وإدارة الموارد الاقتصادية والثروة الموجودة بها، كما تعمل على فتح المجال أمام الراغبين في الاستفادة من فضل الله تعالى والحصول على نصيب من الموارد الاقتصادية المتاحة في المجتمع، مما يعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية. أما الملكية الخاصة فتهدف إلى تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية من خلال فتح المجال أمام الحافز الاقتصادي. والملكية العامة تهدف إلى تأمين الاحتياجات الأساسية لجميع أفراد المجتمع، بينما تعمل هي وملكية الدولة على تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع. أما الملكية التكافلية فتهدف إلى إعادة التوزيع وتحقيق العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية، وتوفير حد الكفاية لجميع أعضاء المجتمع عن طريق تحقيق التكافل والتوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أعضائه.
<!--يحدد النمط العام لتوزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي لكل نوع من أنواع الملكية إطاره ونطاقه الخاص ومجاله الذي يعمل فيه، مما يحد من التعارض أو التضارب بينها في تحقيق الأهداف، وهذا ما يعمل على تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي، ويساهم في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية.
<!--يقدم الاقتصاد الإسلامي المصلحة العامة للمجتمع على المصلحة الخاصة عند التضارب: وعدم إمكانية التوفيق بينهما.(<!--)
<!--يتحدد نصيب كل نوع من أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي من الموارد الاقتصادية بتلقائية تامة: بناء على دوره الذي يقوم به في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكفاءته في استخدام الموارد الاقتصادية لتحقيق أهدافه التي يسعى إليها.
<!--يحدد نمط الملكية في الاقتصاد الإسلامي مسئولية ولى الأمر أو الحكومة ومواردها وأهدافها الاقتصادية، ويحد من تدخلها وسيطرتها على الموارد الاقتصادية الأخرى، مما يعد تحجيماً لدور الحكومة في النشاط الاقتصادي. وبالتالي فإن دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي لا يخضع للظروف والملابسات ولا للأهواء والتوجهات، ويتغير هذا الدور تلقائياً من حين لآخر تبعاً لأوضاع المجتمع خاصة من حيث الحجم والقوة، حيث أن مهمة الدولة في الإسلام تتجسد في أمر واحد هو رعاية المجتمع.(<!--)
<!--ملكية الاستخلاف متاحة للجميع ويزداد نصيب أي من الملكيات الأخرى بالاستفادة منها: وادخال أي كمية من الموارد الاقتصادية غير المستغلة (المملوكة للمجتمع ملكية الإستخلاف) تحت مظلته من خلال إدخال هذه الموارد في حلبة الإنتاج وتحويلها من موارد غير مستغلة إلى موارد مستغلة ومنتجة.
هذا ويمكن تصور توزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي في الشكل البياني التالي:
يتضح من الشكل؛ أن ملكية الاستخلاف هي القاعدة العامة للملكية في النظام الإسلامي، حيث أن المالك الأصلي لكل الموجودات هو الله تعالى وهو الذي كلف البشر بأمانة الاستخلاف وعمارة الأرض، أما الملكية الخاصة فتهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، ويسمح بها النظام الإسلامي في حدود قدرة الفرد على إدارة وعمارة ما تحت يده من موارد اقتصادية، وقضاء ما عليها من تكاليف شرعية، بشرط الحصول على هذه الملكية بوسائل معتبرة شرعاً، والإنفاق منها والتصرف فيها وفقاً للشريعة الإسلامية وإرادة الخالق تبارك وتعالى، فالملكية الخاصة في الإسلام يتمتع صاحبها بالحرية الاقتصادية المنضبطة بالتكاليف الشرعية. أما الملكية العامة في الاقتصاد الإسلامي فتهدف إلى تأمين الاحتياجات الأساسية لجميع أعضاء المجتمع، وتشمل الموارد الاقتصادية التي يشترك فيها عموم الناس شراكة إباحة، ويدخل فيها المباحات العامة من الثروات الطبيعية التي يجوز لجميع أفراد المجتمع التمتع بها وبخيراتها دون تمييز، وتوكل إدارتها للدولة وتشرف عليها بموجب ما تقتضيه المصلحة العامة، ولا يحق لولي الأمر التصرف في رقبتها. أما ملكية الدولة فتهدف إلى توفير موارد مالية لإيرادات الدولة ونفقاتها بعيداً عن فرض الضرائب والرسوم، وكذلك تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع، وتتمثل في المنشآت والأموال الخاصة بالدولة مثل العقارات والمباني والمؤسسات الحكومية، والتي يحق لولي الأمر التصرف في رقبتها بصفته وفقاً لما تمليه عليه المصلحة العامة. أما الملكية التكافلية فتهدف إلى توفير حد الكفاية لجميع أعضاء المجتمع، وتحقيق التكافل والتوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أعضائه، وتشمل الوقف والصدقات الجارية وتمويل مؤسسات المجتمع المدني.
هذا ويمكن تصور وظائف أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي كما في الشكل البياني التالي:
v النموذج الأمثل لنمط الملكية:
تهدف هذه الفقرة إلى تحديد النموذج الأمثل لنمط وتوزيع الملكية الذي يمكن من خلاله قياس أثر الاختلال في نمط الملكية على الاقتصاد المصري، ومن خلال العرض السابق لنمط وتوزيع الملكية في النظم الاقتصادية، يرى البحث أن نمط وتوزيع الملكية في النظام الاقتصادي الإسلامي يعد هو النموذج الأمثل، وأنه هو الأنسب لقياس أثر الاختلال في نمط الملكية في الاقتصاد المصري على التنمية الاقتصادية، وذلك للأسباب التالية:
<!--أن توزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي يحدد لكل نوع من أنواع الملكية إطاره ونطاقه الخاص ومجاله الذي يعمل فيه، مما يحد من التعارض أو التضارب بينها في تحقيق الأهداف، وهذا ما يعمل على تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي، ويساهم في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية.
<!--أن نصيب كل نوع من أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي من الموارد الاقتصادية يتحدد بتلقائية تامة: بناء على دوره الذي يقوم به في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكفاءته في استخدام الموارد الاقتصادية لتحقيق أهدافه التي يسعى إليها.
<!--أن نمط الملكية في الاقتصاد الإسلامي يحدد مسئولية الدولة وتدخلها في الحياة الاقتصادية: من خلال تحديد مواردها وأهدافها الاقتصادية، والحد من تدخلها وسيطرتها على الموارد الاقتصادية الأخرى، مما يعد تحجيماً تلقائياً لدور الحكومة في النشاط الاقتصادي، وبالتالي فإن دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي لا يخضع للظروف والملابسات ولا للأهواء والتوجهات، وهذا ما يفتقده تنظيم الملكية في النظم الاقتصادية الأخرى. كما أن هذا الدور يتغير تلقائياً من حين لآخر تبعاً لأوضاع المجتمع خاصة من حيث الحجم والقوة، وهذا ما يكسب التنظيم الإسلامي مرونة كافية لمواجهة الحالات الطارئة.
<!--أن التنظيم الإسلامي للملكية ترك الباب مفتوحاً للتوسع في أي من أنواع الملكية المستغلة الأربعة دون المساس أو الاعتداء على أي منها، وذلك من خلال ملكية الاستخلاف التي جعلتها الشريعة الإسلامية متاحة للجميع، ويزداد نصيب أي نوع من أنواع الملكية بإدخال أي كمية من الموارد الاقتصادية غير المستغلة (المملوكة للمجتمع ملكية الاستخلاف) تحت مظلته، بإدخالها في حلبة الإنتاج وتحويلها من موارد غير مستغلة إلى موارد مستغلة ومنتجة. وهذا ما يعطي مرونة ويخفف من حدة الصراع الطبقي، والتضارب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. بعكس النظم الاقتصادية الأخرى التي ركزت على تحويل ملكية الموارد المستغلة من شكل على أخر سواء بالتأميم والمصادرة، أو من خلال برامج الخصخصة الاقتصادية.
<!--أن نمط الملكية في الاقتصاد الإسلامي يضع لنا الإطار الفكري والفلسفي لمرحلتي التوزيع وإعادة التوزيع معاً، بخلاف النظم الأخرى التي تقوم فلسفتها على الاهتمام بمرحلة التوزيع فقط.