هناك مجموعة من القواعد التي يتميز بها الاقتصاد الإسلامي من أهمها:
<!--المشاركة في تحمل المخاطر:
وهي قاعدة أساسية في الاقتصاد الإسلامي وعماد من أعمدته، وتعد من الصفات المميزة له عن غيره من النظم الاقتصادية، فالمشاركة في تحمل المخاطر هي أساس الاستحقاق في الربح والخسارة في الاقتصاد الإسلامي، وهي قاعدة توزيع الدخل المتولد من العملية الإنتاجية على عناصر الإنتاج التي ساهمت في تحقيقه خاصة عنصر رأس المال والعمل، وهي الأساس الذي يحقق العدالة في التوزيع، ويترتب على هذه القاعدة:
<!--عدم جواز الاستحقاق في الحصول على جزء من الأرباح إلا إذا تحمل جزء من الخسائر في حالة فشل المشروع، وبالتالي فلا يستحق صاحب رأس المال الحصول على معدل فائدة على أمواله إذا لم يتحمل جزءً من المخاطر المترتبة على احتمال نجاح أو فشل المشروع، بعكس النظم الاقتصادية الأخرى التي تجيز لصاحب رأس المال الحصول على معدل فائدة على أمواله بغض النظر على نجاح أو فشل المشروع.
<!--توزيع المخاطر على كل المشاركين في المشروع، مما يخفض التكاليف الاستثمارية، وهذا ما يحفز المنظمين (رجال الأعمال) على الدخول في مشروعات جديدة تعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية والناتج القومي، وتوفير السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع، حيث يعد معدل الفائدة عبئاً إضافياً على القائمين بالمشروع، ويمثل إزاحة هذا العبء ميزة تصب في زيادة الكفاءة والجدوى الاقتصادية للمشروعات.
<!--أن إعمال قاعدة المشاركة في تحمل الربح والخسائر وعدم الإقرار بجواز الاستحقاق في معدل الفائدة يعمل على خفض تكلفة السلع المنتجة، حيث يعد معدل الفائدة تكلفة إضافية يعمل المنظمون وأصحاب المشروعات على إضافتها إلى سعر السلعة، مما يرفع من نسبة التضخم، وبذلك فإن إعمال هذه القاعدة يخفض من تكاليف الإنتاج ويقلل من نسبة التضخم.
<!--استقلال الموارد الاقتصادية للدولة وعدم مشروعية فرض ضرائب إلا في حالات استثنائية وبصفة مؤقته:
يحدد نمط الملكية في الاقتصاد الإسلامي مسئولية ولى الأمر أو الحكومة ومواردها وأهدافها الاقتصادية، ويحد من تدخلها وسيطرتها على الموارد الاقتصادية الأخرى، مما يعد تحجيماً لدور الحكومة في النشاط الاقتصادي. ومن ثم فإن دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي لا يخضع للظروف والملابسات ولا للأهواء والتوجهات، ويتغير هذا الدور تلقائياً من حين لآخر تبعاً لأوضاع المجتمع خاصة من حيث الحجم والقوة، حيث أن مهمة الدولة في الإسلام تتجسد في أمر واحد هو رعاية المجتمع.(<!--) ويتميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من النظم الاقتصادية في التفرقة بين الملكية العامة وملكية الدولة وتخصيص بعض الموارد الاقتصادية للدولة تستخدم ايراداتها في تغطية النفقات العامة للدولة مثل؛ (الخراج، خمس الغنائم والركاز، والفيء، والزكاة، والجزية، وعشور التجارة) بالإضافة إلى بعض الموارد الأخرى، التي تستخدم حصيلتها في تغطية النفقات العامة للدولة.
ومن ثم فإن النظام الاقتصادي الإسلامي يعمل على الحد من دور الدولة في النشاط الاقتصادي من جهة مما يعمل على خفض الالتزامات والنفقات العامة، وتوفير موارد لإيرادات الدولة من جهة أخرى بعيداً عن فرض الضرائب على الرعية إلا في حالات استثنائية (ضريبة التوظيف) التي تفرض على الأغنياء لمواجهة حالات مؤقته كالحروب، والمجاعات، وعجز الموارد الاقتصادية للدولة عن تلبية نفقاتها وتوفير حد الكفاية المعيشية لجميع أفراد المجتمع مما يضر بالرعية. وما دون ذلك فإن فرض الضرائب (المكوس) على الرعية من الأمور المنهي عنها في الشريعة الإسلامية، لما ورد عن النبي ﷺ قوله (لا يدخلُ الجنَّةَ صاحبُ مَكْسٍ)(<!--) وقال (إنَّ صاحبَ الْمَكسِ في النَّارِ)(<!--)
<!--أن وجود كل نوع من أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي هدف ومقصود في حد ذاته، ولا يجوز لأحد الاعتداء على أي منها أو إلغاؤها:
تقسم الملكية في الاقتصاد الإسلامي إلى خمسة أنواع في إطار العلاقة الإستخلافية بين المالك الأصلي لكل الموجودات والكائنات وهو الله تعالى والإنسان الذي جعله خليفة على أرضه تكليفاً وتشريفاً، وهذه الأنواع هي:
<!--ملكية الإستخلاف: والتي تكون في سائر الموارد الاقتصادية غير المستغلة والتي تكون مملوكة لعموم المجتمع ملكية استخلاف ويستطيع أي فرد من أفراد المجتمع الاستفادة منها أو الاستئثار بها بشرط أن يأخذها بحقها ويحولها من مورد غير مستغل وإدخالها في إطار الموارد المستغلة.
<!--الملكية الخاصة: وهي ما تكون لفرد أو لمجوعة من الأفراد الطبيعيين أو الاعتباريين، حيث يؤمن النظام الاقتصادي الإسلامي بالملكية الخاصة ويحميها، فمن حق الأفراد تملك الأرضي والعقارات ووسائل الإنتاج المختلفة مهما كان نوعها وحجمها. بشرط ألا يؤدي هذا التملك إلى الإضرار بالمصلحة العامة، وألا يكون في الأمر احتكاراً لسلعة يحتاجها الناس. وهو بذلك يخالف النظام الاشتراكي الذي يحجم من الملكية الخاصة ويضع ثقف معين لها، ومراحلها المتطورة من الشيوعية التي كانت تعتبر أن كل شيء مملوك للشعب على المشاع، مع الأخذ في الاعتبار أن فكرة الشيوعية لم ولن تتحقق بشكل عملي، بل هي مجرد حلم كان يراود أنصار المذهب الاشتراكي.
<!--الملكية العامة: هي الملكية التي يكون صاحبها مجموع الأمة أو الجماعة منها، دون النظر لأشخاص أفرادها على التعين، بحيث يكون الانتفاع بالأموال التي تتعلق بها لهم جميعاً، دون اختصاص أحد بها، فهي أموال محجوزة عن التداول،(<!--) حيث تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها وسيطرتها من أجل توفير الحاجات الأساسية لحياة الناس ومصالح المجتمع، ودليل ذلك ما روى عن النبي ﷺ قوله (النَّاسُ شرَكاءُ في ثلاثٍ: في الكلَأِ والماءِ والنَّارِ)(<!--). وهو يخالف في ذلك النظام الرأسمالي الذي يحجم من الملكية الخاصة ويبيح للأفراد تملك كل شيء وأي شيء.
<!--ملكية الدولة: هي الملكية التي تكون للدولة، ومواردها لبيت مال المسلمين، يتصرف فيها ولي أمر المسلمين بموجب ما تقتضيه المصلحة العامة، ويجـوز للإمـام التصرف فيها بالإنفاق والبيع والإجارة وغيرهـا كالأموال الخاصة في يد أصحابـها.(<!--) فقد جعل الشرع ملكية بعض الموارد الاقتصادية ملكاً لعموم المسلمين عين بعضها على جهات معينة تصرف عليها كالزكاة، وترك بعضها لم يعين مصارفها يتصرف فيها ولى الأمر وفق اجتهاده مثل الفيء والخراج والجزية .. الخ.(<!--)
<!--الملكية التكافلية: ويقصد بها الموارد الاقتصادية التي تحولت أو تتحول طبيعتها إلى شكل خاص من الملكية تخرج به من إطار الملكية الخاصة أو ملكية الدولة إلى نوع من الملكية العامة ذات الطبيعة الخاصة، سواء لعموم المسلمين أو لصالح فئة معينة من فئات المجتمع تعبداً لله تعالى، وإحساساً بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع أو الأمة الإسلامية، ويهدف هذا النوع من الملكية إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين أعضاء المجتمع المسلم، ويدخل في هذا النوع من الملكية الوقف والصدقات الجارية.
وحيث أن لكل نوع من أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي هدفه الخاص ومجاله الذي يعمل فيه فإن الاعتداء على أي نوع من أن أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي أو إلغاؤها غير مقبول من الناحية الإسلامية إلا بمسوغ شرعي.
<!--وجود الزكاة كموارد اقتصادي للدولة:
ينفرد النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من النظم الاقتصادية في وجود الزكاة كمورد اقتصادي للدولة، وهي أشبه ما يكون بالضرائب على الدخل فيما يفوق النصاب المقرر في الشريعة الإسلامية على النحو الذي أقره الفقهاء. كما يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن الأنظمة الأخرى بفرضه الزكاة على الأموال المكتنزة، مما يعمل على دفع أصحابها إلى استخدامها في النشاط الاستثماري بدلاً من الاكتناز الذي يحرم الأمة من استغلال هذه الفوائض في التنمية الاقتصادية، حيث تؤدي هذه الضريبة على الأموال غير المستغلة إلى دفع أصحابها على الدخول بها في المجالات الاستثمارية بدلاً من أن تتآكل سنوياً بفعل الزكاة، مما يدفع عجلة الاقتصاد والإنتاج للدوران.
<!--دور القطاع الخيري أو التطوعي في الاقتصاد:
يهتم الاقتصاد الإسلامي بما يسمى بالقطاع الثالث والذي يشمل الوقف والصدقات التطوعية، كقطاع ثالث في الاقتصاد يقف إلى جانب القطاع العام والخاص في تلبية احتياجات المجتمع، ويعمل على تحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويعمل على حماية المجتمع من الداخل، وهو ما لم يفطن الغرب إليه إلا في أواخر القرن العشرين، وتتزايد أهمية دور هذا القطاع في العصر الحاضر يوماً بعد يوم، وتعد الصدقات والأوقاف من خصائص الاقتصاد الإسلامي التي تعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي، وتغطية حاجات الفقراء والمساكين والتخفيف من الأعباء المالية الملقاة على عاتق الدولة.
<!--تغليب المنفعة العامة على المنفعة الخاصة عند التضارب:
يعطي الإسلام الأولوية لتحقيق المنفعة العامة على الخاصة عند التضارب، فإذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة لأحد الأشخاص وجب على ولي الأمر تغليب المصلحة العامة لعموم المسلمين على المصلحة الشخصية لهذا الفرد. وذلك تطبيقاً لحديث الرسول ﷺ " لا ضرر ولا ضرار"(<!--) ويشترط لذلك أن تكون المصلحة حقيقية وأن يتم ترجيح المصلحة إلى مقاصد الشريعة وفقا للكتاب والسنة والإجماع.
وتجدر الإشارة إلى أن التمييز بين ما يقع ضمن الممتلكات العامة أو الفردية ليس معناه التفرقة بين الممتلكات العامة والخاصة ولكن التمييز يعنى تبعاً للقاعدة الفقهية دفع الضرر العام بالضرر الخاص.
<!--[endif]-->
<!--)) إسماعيل علوى، عادل مياح، الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي من المنظور الإسلامي، مرجع سابق، ص12.
<!--)) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة ومعه تخريج الألباني للمشكاة، تحقيق: علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي، دار ابن القيم، الدمام، السعودية، ط 1، 1422هـ، ج 3، ص468؛ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د ن، د ت، برقم 14540.
<!--)) محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها، مكتبة المعارف، ط 1، د ت، برقم 3405.
<!--)) صليحة بن عاشور، نظرية الملكية بين التشريع الاقتصادي الإسلامي والقانون، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خضير بسكرة، الجزائر، مارس 2006م، ص15.
<!--)) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلة الأحكام، دار الفيحاء، دمشق، سوريا، ط 2، 1417هـ ، ص 272.
<!--)) صليحة بن عاشور، نظرية الملكية بين التشريع الاقتصادي الإسلامي والقانون، مرجع سابق، ص15.
<!--)) إبراهيم عبداللطيف إبراهيم العبيدي، الملكيات الثلاث: دراسة عن الملكية العامة والملكية الخاصة وملكية الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي، إدارة البحوث، دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، الإمارات العربية المتحدة، ط 1، 1430ه/ 2009م ، ص115.
<!--)) عبدالرحمن بن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخر، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، ط 1، 1411هـ ، ج 2، ص211.