د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

 

الاعتبارات البيئية فى تنمية الاستزراع المائى فى الوطن العربى

إعداد/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ بمعهد التخطيط

الندوة العربية الرابعة- تنمية وتخطيط استزراع وتربية الأسماك والقشريات

القاهرة 17-19 يوليو 1995

مقدمة

أصبح الاعتماد على الاستزراع المائى يمثل اتجاهاً عالمياً،وأنه من المتوقع أن يستمر التوسع فى أنشطة الاستزراع المائى فى المستقبل القريب بسبب التحسن المستمر والتنوع فى مجال هذا النشاط،والقوة الدافعة لهذا التوسع هو زيادة الطلب على منتجات الاستزراع المائى لتوفير امدادات مستديمة من الغذاء بسبب انخفاض معدل النمو فى المصايد الطبيعية لأسباب مختلفة،وأيضا حماية وتدعيم المخزونات السمكية فى المصايد الطبيعية،وتنمية المناطق الريفية وخلق فرص عمل وتنمية المناطق الساحلية وتطهير المجارى المائية من النباتات المائية.

وبناءً على بيانات الإنتاج المتاحة فإن انتاج الاستزراع المائى فى الدول العربية<!-- يقدر بحوالى 73 ألف طن،كما تتعدد نظم وأساليب الاستزراع حيث يتم استخدام الأحواض الأرضية والأقفاص والأحواض الصناعية ذات الصرف السريع (Raceways) والحظائر،والاستزراع المحمل فى حقول الأرز،كما أن الاستزراع متوسط التكثيف ومنخفض التكثيف هى الأساليب السائدة،وأن الأسلوب مرتفع التكثيف مازال محصوراً فى عدد محدود من المزارع.

ومن المتوقع أن تنتشر أنشطة الاستزراع المائى بشكل ملحوظ فى المستقبل القريب فى الوطن العربى نظراً للتحسن المستمر فى ممارسات هذا النشاط واكتساب خبرات علمية وتطبيقية،وتوفير امكانيات ومقومات هذا النشاط خاصة فى المناطق الساحلية،وازدياد الفجوة بين الانتاج المحلى والطلب على الأسماك،حيث المطلوب تحقيق زيادة فى الإنتاج قدرها 340 ألف طن لمواجهة الطلب المتوقع عام 2000.وأنه من الصعب الاعتماد على المصايد الطبيعية لتحقيق هذه الزيادة بسبب العديد من المشاكل والصعوبات البيئية والفنية والمالية التى عاقت زيادة الإنتاج السمكى بالمعدلات المطلوبة على مدى السنوات السابقة،فسياسات تنمية المصايد التى طبقت فى العديد من الدول العربية حلال العقود السابقة قد أدت إلى استنزاف العديد من المصايد،كما ترك التلوث الناتج عن التنمية الصناعية والزراعية والعمرانية،والأنشطة المتصلة باستخراج ومعاملة وتكرير ونقل البترول أثاراً سلبية على القدرة الإنتاجية للمصايد الطبيعية.ومع ذلك فإننا نؤكد أن الاتجاه إلى الاستزراع المائى ليس بديلا عن تنمية المصايد الطبيعية،بل على العكس فإن تنمية الإنتاج السمكى سواء عن طريق الصيد أو الاستزراع يجب أن يتم بأسلوب متوازى وصولا إلى أقصى استغلال رشيد من كلا المصدرين،خاصة وأن هناك اعتماداً متبادلاً بين كل من المصايد الطبيعية والمزارع السمكية حيث يعمل كل منها بشكل أو بأخر على تدعيم وتنمية النشاط الآخر.

إن تنمية الاستزراع المائى فى الوطن العربى تتطلب استغلال الإمكانيات المتاحة من الموارد المائية العذبة والبحرية،إلا أنه،وكما هو معروف،فإن الجزء الأكبر من الأراضى العربية يتسم بالجفاف وقلة الأمطار،وأن المطر يمثل أساس الزراعة العربية،اذ تعتمد حوالى 82% من جملة الأراضى الزراعية العربية على الأمطار التى تتذبذب كمياتها من عام لآخر.بينما تعتمد باقى الأراضى على مياه الرى أو بالوسائل الصناعية (مياه الآبار).أى أن هناك ندرة فى العالم العربى بالنسبة للمياه العذبة،ولما كان هذا العنصر من أهم عناصر الإنتاج فى مشروعات الاستزراع المائى.فمن المتوقع أن تكون احتمالات التوسع فى استزراع المياه العذبة محدودة حتى بالنسبة للدول التى تمتلك امدادات وفيرة أو كافية،إذا أخذنا فى الاعتبار ازدياد الطلب على المياه العذبة مع زيادة السكان والتوسع فى المشروعات الزراعية،واستصلاح الأراضى وأغراض التنمية الصناعية والعمرانية وغيرها من استخدامات المياه العذبة،كما أن العديد من التقارير تشير أن التنافس على المياه سيكون السبب الرئيسى لعدم استقرار المنطقة العربية،وفى المقابل تتوفر المياه البحرية فى جميع الدول العربية،حيث يقدر طول السواحل العربية المطلة على البحر الأحمر والبحر الأبيض والخليج العربى والمحيط الهندى والمحيط الأطلسى بحوالى 21100 كم طول.

إن ندرة المياه العذبة والتى من المتوقع زيادة الطلب عليها،يقايلها وفرة نسبية فى المياه المالحة وشبه المالحة،وعليه فإن استراتيجية تنمية الاستزراع المائى فى الوطن العربى تعتمد على المحورين التاليين:-

الأول:

أن التوجه الأساسى فى تنمية الاستزراع المائى فى الوطن العربى يجب أن يعتمد على الاستزراع البحرى من خلال نظم استزراع قائمة على الأرض (الأحواض) أو فى المياه (الأقفاص – الحظائر ...الخ).

الثانى:

اتباع نظم الاستزراع المكثفة وعالية التكثيف فى مزارع المياه العذبة،وذلك بشرط التحقق من جدواها الاقتصادية،أى الحصول على أكبر إنتاج من وحدة المياه مع الأخذ فى الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة لاستخدام المياه وأيضا الآثار البيئية لمثل هذه المشروعات.

وعند التخطيط لتنمية الاستزراع المائى فإنه يجب الأخذ فى الاعتبار المحددات البيئية لهذا التوسع،فالاستزراع المائى يتنافس مع الموارد المائية والأرضية والتى تؤدى فى بعض الأحيان إلى تعارض مع المستخدمين الآخرين للموارد،وكذلك فإن هناك آثار سلبية لممارسات الاستزراع المائى على البيئة.فهو يستخدم الموارد ويسبب تغيرات بيئية مثل التغيرات التى تحدث فى التنوع البيولوجى فى المنطقة،وتدهور نوعية المياه،كما أن مشروعات الاستزراع المائى تتأثر بالتغيرات البيئية الحادثة والتى قد يكون لها آثار سلبية على كفاءة هذه المشروعات.

وتهدف هذه الورقة إلى تناول الآثار السلبية التى تسببها سياسات تنمية الاستزراع المائى والممارسات الغير رشيدة بيئيا التى تحدث داخل هذا القطاع،وكذلك الآثار التى تحدثها سياسات وممارسات التنمية فى القطاعات الأخرى والتى لها انعكاسات سلبية على تنمية الاستزراع المائى،وذلك بهدف الوصول إلى مجموعة من الاقتراحات والتوصيات التى تضمن تحقيق الانسجام بين تنمية للاستزراع المائى والبيئة.

الاستزراع المائى والبيئة

تشمل البيئة الطبيعية على مكونات حية ومكونات غير حية تمثل الموارد الطبيعية والتى يحصل منها الإنسان على حاجاته الأساسية وتحقيق طموحاته فى تحسين نوعية حياته،أو بمعنى آخر تحقيق التنمية،وعلى هذا يطلق على هذه الموارد "موارد التنمية".

والموارد السمكية وغيرها من الكائنات المائية تعتبر أحد الموارد الطبيعية أو موارد التنمية فى المحيط المائى والتى يتم استغلالها لسد الحاجات الانسانية من خلال ثلاث عمليات هى:

أولا: البحث العلمى والتى من خلاله يتم استكشاف أن لعنصر معين فائدة أو قيمة تحقق أحد متطلبات الانسان.

ثانيا: استحداث التكنولوجيا (الأدوات والوسائل) التى يحصل بها على هذا العنصر،وكذا معالجته ليصبح ملائماً للغرض المطلوب.

ثالثا: العملية الإنتاجية وهى محصلة العمليتين السابقتين حيث يتم تطبيق نتائج العلم واستخدام التكنولوجيا فى الحصول على العنصر الطبيعى ومعالجته ليصبح متاحاً ويشبع حاجة معينة.

والموارد السمكية لها القدرة على التجدد والنمو بشكل متواصل ولذا يطلق عليها موارد طبيعية متجددة،وترجع هذه الخاصية إلى الطبيعة الديناميكية لهذه الموارد والتى هى عملية تبادل مستمرة للأجيال على مر الزمان تتضمن ولادة للأجيال المتتابعة ثم نموها ثم هلاكها،وذلك من خلال نظام انضباطى يتكيف بصورة آلية مع أى تغيلا فى الظروف البيئية،وهذا يعنى امكانية تحقيق التنمية المستديمة أى تلبية حاجات وطموحات الحاضر بدون الاخلال بالقدرة على تلبية حاجات المستقبل إذا أخذنا فى الاعتبار تكامل البيئة مع التنمية،ذلك أن غياب هذا التكامل يجلب دائماً مخاطر واضرار بالبيئية،أن التنمية تؤدى إلى حدوث ضغوطاً متزايدة على الموارد الطبيعية نتيجة التغيرات التى تحدثها فى الأنظمة البيئية.

إن الانفصال وعدم الربط بين مفاهيم البيئة ومفاهيم التنمية أدى إلى الافراط فى استخدام الموارد السمكية واستنزافها وكسر الديناميكية الطبيعية للسلاسل المسئولة عن تكوين هذه الموارد،الأمر الذى أدى إلى اضعاف قدرتها الإنتاجية أو إلى نضوبها فى بعض الأحيان.

إن تزايد الضغوط فى العديد من الدول العربية لتوفير الغذاء خاصة البروتينى يجب ألا يكون مبرراً لإنتهاج سياسات إنتاجية غير مقبولة بيئياً والتى أدت إلى الافراط فى استغلال الثروات السمكية،لذا ينبغى الحفاظ على هذه الموارد وتعزيزها لتلبية الطلب والاحتياجات المتزايدة وذلك اعتماداً على محورين:

الأول: الاعتماد فى استغلال الموارد السمكية على التقييم العلمى لمخزون الأسماك مما يقلل من احتمالات استغلالها بأكثر من طاقتها.

الثانى: التخفيف من الضغط الواقع على المصايد الطبيعية من خلال تنمية الاستزراع المائى،ومع هذا يجب التنويه أن سياسات تنمية الاستزراع المائى قصيرة النظر يمكن أن يخلق أشكالاً مختلفة من الإجهاد البيئى- كما سيأتى بعد -  والذى يحدث آثاراً مرتدة فى المزارع المائية نفسها.

وبصفة عامة،فإن التغيرات البيئية فى المحيط المائى تكون أكثر تأثيراً فى وحدات الاستزراع المائى القائمة فى الماء (الأقفاص – الحظائر المسيجة) عنها فى وحدات الاستزراع القائمة على الأرض (الأحواض)،حيث تكون درجة التحكم فى المتغيرات البيئية فى الأخيرة أكثر بالمقارنة بالأولى.

وكما سبق أن ذكرنا فإن استراتيجية تنمية الاستزراع المائى فى الوطن العربى سوف تعتمد على تكثيف الإنتاج فى مزارع المياه العذبة،والتوسع فى المزارع البحرية،فإنه يجب مراعاة عند تخطيط مشروعات الاستزراع المائى الآثار البيئية الناتجة عن عمليات تكثيف الإنتاج فى المياه العذبة وما يترتب على ذلك من مخلفات عضوية،واستخدام للمخصبات والأغذية الاضافية،والمبيدات وغيرها من الكيماويات واحتمالات انتشار الأمراض، أما بالنسبة لمشروعات الاستزراع فى المياه البحرية فإنه من غير المتوقع أن تؤدى نظم الاستزراع منخفضة التكثيف والشبه مكثفة إلى حدوث تغيرات بيئية مرتدة،ولكن التهديد لمشروعات الاستزراع البحرى يأتى من الأنشطة الأخرى التى توجد فى المناطق الساحلية ومن أهمها استخراج البترول،والنقل البحرى،والسياحة والترفيه،والنمو الحضرى،المشروعات الصناعية والزراعية والتى تؤدى إلى تلوث المياه المتاحة للاستزراع المائى.

ويوفر الاستزراع المائى الامكانيات لتعويض معدل النمو المنخفض من المصايد الطبيعية نتيجة الاستغلال الجائر لهذه المصايد من خلال تخزين واطلاق الكائنات المائية المرباه فى المفرخات فى المياه الداخلية والساحلية مما يدعم من المصايد الطبيعية التى تعانى من الانهاك البيئى.

كما أن الاستزراع المائى يمكن أن يساهم فى توفير منتجات سمكية غير ملوثة حيث يمكن الاعتماد على موارد مائية ذات نوعية جيدة.

كذلك يساهم الاستزراع المائى فى اعادة تأهيل واصلاح المناطق الريفية عن طريق إعادة استخدام الأراضى البور أو التى لم تعد صالحة للزراعة بسبب الانهاك البيئى.

وعلى الجانب الآخر فإن هناك انعكاسات بيئية على أنشطة الاستزراع المائى نتيجة الأنشطة البشرية على اليابسة والتى تسبب التلوث بأنواعه المختلفة (صناعى – زراعى – صحى – حرارى) وبالتالى تحد من امكانيات التنمية لهذا القطاع.

<!--[if !supportFootnotes]-->



<!--[endif]-->

[1]<!--[endif]--> جامعة الدول العربية،المنظمة العربية للتنمية الزراعية،دراسة الأسس الفنية والاقتصادية لمشروعات استزراع الأسماك البحرية فى الوطن العربى،الخرطوم،1993 

 

أعدته للنشر/ أمانى إسماعيل
مديرة مواقع الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية على الانترنت

drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 390 مشاهدة
نشرت فى 11 أغسطس 2012 بواسطة drBarrania

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

333,355