د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

مقدمـة:

 

        إن البحث في تطوير سياسات وتشريعات حماية الموارد السمكية العربية في اطار المواثيق الدولية والإقليمية يتطلب بداية الفهم الواضح لعده قضايا أساسية والتى بدونه يصبح من الصعب بلورة مقترحات محدده لتحقيق التطوير المنشود، وذلك باعتبار أن القضية المطروحة هى قضية بيئيـه في الدرجة الأولى، وهذه القضايا هى:

§        النظـم البيئيـة المائيـة واستدامـة الموارد السمكية.

§        المشاكل البيئية الرئيسية في الدول العربية وتأثيرها على استدامة الموارد السمكية.

§   أهم المبـادئ التى تضمنتها " مدونـه السلوك بشأن الصيد الرشيد " والتى اصدرتها منظمة الأغـذية والزراعة للاسترشاد بها في تطوير السياسات والتشريعات الخاصة بحماية الموارد السمكية، باعتبارها أهم وثيقة دولية تمثل محصله الجهود الدولية في هذا المجـال.

 

وتعرض الورقة في عجاله لهذه القضايا كمدخل أساسى لتقييم السياسات والتشريعات القائمة وفاعليتها في حماية الموارد السمكية تمهيداً لصياغة مقترحات لتطويرها بما يتسق مع التشريعات والمواثيق والمبادئ والمعايير الدولية والاقليمية.

 

أولا: النظم البيئة المائيـة واستدامة الموارد السمكية

 

 تشكل المسطحات المائية نظاماً بيئيا طبيعياً يتكون أساساً من مجموعة منتجى الغذاء ومجموعة المستهلكين تربطهما علاقات غـذائية تأخـذ صور سلاسل غذائية، وتلعب العوامل الطبيعية (الأكسوجين – الضوء- الأملاح- الحراره- التيارات المائية...الخ) دوراً رئيسيا في تشكيل البيئة المائية وبالتالى نوعيه وحجم الموارد السمكية. وترجع خاصيه تجدد الموارد السمكيه (استدامتها) إلى الطبيعية الديناميكية لهذه الموارد والتى هى عملية تبادل مستمره للأجيال على مـر الزمـن، تتضمن ولاده للأجيال المتتابعه ثم نموها ثم هلاكها، وذلك من خلال نظام انضباطى يتكيف بصوره آليه مع أى تغير في الظروف البيئية. والاستغلال الرشيد لهذا النظام البيئى من قبل الإنسان من خلال عمليات الصيد، هو جمع أفراد من مكونات النظام دون التدخل لتغيير النظام البيئى وعملياته الطبيعية، حيث أن الأسماك التى يتم صيدها تمثل درجة أو درجات من مجموعات المستهلكين في النظام البيئى، وعلى هذا فإن استغلال هذه الموارد المتجدده يجب أن تكون متوازنه مع عملية استعادة الموارد السمكية لعناصرها بواسطة النمو والتوالد، فإذا لم يتحقق هذا التوازن أى كانت معدلات الاستغلال أعلى من معدلات التعويض لعناصر الموارد السمكية، أدى هذا إلى تناقص هذه الموارد ثم انقراضها في النهاية. لذا فإن تحقيق الأنتاج المتواصل (المستدام) والمتوازن للموارد السمكية يعنى الحفاظ أو عن طريق ترشـيد اداره النظـم البيئيـة المنتجه، بحيث تتواصل القدره على الأنتاج والعطاء للأجيال الحالية والمقبله من خلال صيانة النظام البيئى والتى تعتبر الموارد السمكية أحد عناصره، وصيانة النظام البيئى تعنى المحافظة على سلامة الوظائف المختلفة لكل مكونات النظام البيئى سواء عناصر حيـه أو غير حيـه.

ثانيا: المشكلات البيئيـة الرئيسية في الدول العربية وتأثيرها على استدامة الموارد السمكية

 

بنـاءاً على ما سبق فإنه يمكن رصد تأثير المشكلات البيئية الرئيسية في الدول العربية على استدامة الموارد السمكية في المسطحات المائية البحرية والداخلية فيما يلى:

تلـوث المسطحات المائيـة:

المقصود بتلوث المسطحات المائية هو حدوث تغيرات كميه ونوعيه في عناصر النظام البيئى المائى والذى ينتج عنها أثارا ضارة تؤثر في حجم الموارد السمكية المتاحه، حيث تعوق الملوثات المكونات الحيه في الوسط المائى من القيام بوظائفها البيولوجية المختلفة وبالتالى ضعف قدرتها على التجـدد والنمـو، وأهم مصادر التلـوث ما يلى:

استكشاف واستخراج ونقل النفـط :

  وهى أكبر مصادر التلوث وأخطرها تأثيراً على الموارد السمكية في المناطق الساحلية والبحرية العربية، حيث تمتد المناطق الساحلية العربية على شواطئ سبعه بحار ثلاثة منها مغلقه وهى تآوى أكثر من نصف عدد سكان الوطن العربى، كما تمثل هذه السواحل والبيئة البحرية ثروه اقليمية هائله في المنطقة يمكن أن توفر مصادر غذائية حيوية إذا ما أحسن استغلالها والحفاظ عليها، حيث تقدر بعض الدراسات حجم المخزونات السمكية في المياه البحرية العربية ما بين 6-8 مليون طن تقريباً ووجود أكثر من 15 ألف نوع من المكونات النباتية والحيوانية في هذه المناطق، كما أنها تـؤمن معظم أنتاج الدول العربية من الأسماك والمنتجات البحرية حيث تساهم بحوالى 80% من إجمالى الأنتاج العربى.

وتعتبر المناطق الساحلية والبحرية في المنطقة العربية مناطق استكشاف وأنتاج وتصنيع وممرات نقل رئيسية لأكثر من نصف احتياجات النفط المؤكده في العالم، وفي الوقت الذى يلعب فيه أنتاج ونقـل النفط دوراً اقتصاديا حاسما، فإنه يظل أيضا المصدر الرئيسى للتلوث البحرى نتيجة للخطر الكبير الملازم للعمليات الضخمه لأنتاج ونقل النفط. وأهم مصادر التلوث بالنفـط ما يلى:

 

التلـوث من المصادر البحـرية: ويكون مصدره عمليات البحث والتنقيب واستخراج النفط ، وتشكل مخاطر الانفجارات في آبار النفط وبقـع الزيت والحوادث الأخرى المرتبطة بالصناعة النفطية مصدراً أخر مهما يهدد الحياه الفطرية والموارد السمكية في المنطقة العربية، ولاشك أن التسرب الروتينى للزيت والأنفجارات الغازية، إلى جانب الرواسب الزيتية والأوحـال المشتمله على مواد خطره متخلفه عن عمليات الحفـر، تعتبر كلها مصدراً دائما للتلـوث ، كذلك يتبقى التلوث البحرى المرتبط بالسفـن، من خلال نقلها النفط وما تفـرزه من مخلفات، قضية رئيسية في المنطقة العربية، فهناك اكثر من 100 مليون طن من النفط يجرى نقلها سنويا عبر البحر الأحمر، يدخل نصفها تقريبا إلى المنطقة عن طريق خط الأنابيب (بتـرولاين) الذى يربط الخليج بالبحر الأحمر من الجبيـل إلى ينبع، كما يقدر عدد الناقلات التى تدخل الخليج ما بين 20 ألف إلى 35 ألف ناقـله نفط لتحمل شحنات النفط إلى الشرق الأقصى وأوربا، وتبحـر معظم هذه الناقلات من الخليج حول شبه الجزيره العربية إلى البحر الأحمر، لتواصل مسارها من هناك شمالا عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، وتفرغ شحناتها عند مدخـل أنابيب سوميد في منطقة العين السخنة في مصر(1). ويؤدى هذا الحجم الكبير من حركة النقـل إلى تلـوث بحرى دائم، نتيجة ما تلفظه السفن من مياه نقل الموازنه (الصابوره) وما تخلفـه عمليات تنظيف الصهاريج، فضلاً عن بقـع النفط التى تنتج أثناء شحن وتفريغ السفن، وكذلك البقع الناتجه عن جنوح السفـن، أو التسرب الذى يحدث من السفن أثنـاء مرورها، ومع وجود خطط خاصة بزيادة حجم النفط المنقول عبر خط (بترولاين) في المملكة العربية السعودية، وخط أنابيب سوميد في مصر، فضلا عن توسيع قناة السويس بحيث تستوعب سفنا بحموله 250 ألف طن، كلها عوامل تنطوى على زيادة مخاطر حـدوث بقع نفطيـه في الخليج والبحـر الأحمر والبحر المتوسط.

 

التلوث بالنفـط من المصادر الأرضيه: ويكون مصدره المنشآت الساحلية مثل معامل تكـرير البترول وموانـى النفـط.

 

1-1       حـوادث النقـل البحـرى:

توجد في العـديد من المناطق البحرية العربية سلسله من المخاطر الملاحية بسبب وجود اعداد كبيره من مراكب الصيد والمراكب التجارية وناقلات النفط، بالإضافة إلى وجـود مناطق ضحله واسعه كما في الخليج، واعداد كبيره من المنصات البحرية وأغطيه الآبار، كما أن الحركة الملاحية الغير منظمه والصيانه غير الكافية للأجهزة الملاحية المساعده- كما هو الحال في البحر الأحمر- تؤدى كلها إلى وجود العـديد من الأماكن ذات الخطوره العاليه، نذكـر على سبيل المثال مدخل البحر الأحمر عند باب المنـدب، ونقاط الشحن الواقعة إلى الشمال عند خط (بترولاين) في ينبع بالمملكة العربية السعودية وخط أنابيب سوميد في العين السخنه بمصر، وأيضا عند مدخل خليج وقناة السويس وعبر مضيق تيـران عند مدخل خليج العقبـه، ويؤدى حطـام السفـن والبقـع التى تحـدث في هذه المناطق إلى تلـوث نفطـى وأنقـاض بحرية خطيره على الموارد السمكية.

 

1-2       تصـريفات النفايات السائلة من المرافـق الصناعية:

إن التأثير الناتج عن التلوث الحرارى الذى تسببه محطات التحلية والطاقة والمياه مفرطه الملوحه الناتجـه من محطات التحليه، إضافة إلى المواد العالقه والغبـار ذات الجزئيـات المعـدنية التى تفـرزه مصانع الأسمدة والأسمنت وغيرها، وكذلك الفضلات العضوية من مصانع الأغـذية والنسيج، تساهم جميعها في التلوث الذى يؤثر في نوعية المياه الساحلية والداخلية وبالتالى على استدامة الموارد السمكية في العديد من الدول العربية.

 

 

1-3       تصريفات ميـاه الصرف الصحى:

يمثل التخلص من مياه الصرف الصحى مشكلة ادارية هامه في العديد من الدول العربية. وتكون المشكلة أكثر حده في بعض المناطق عندما يعتبر التخلص من مياه المجارى من المخاطر البيئية (الساحل الغربى للبحر الأحمر) بسبب وجود نسبه عالية من المواد العضوية وتصريفات المياه المستهلكه للأكسوجين الذائب في الماء، مما يؤدى إلى نقص أو عدم وجود الأكسوجين في المياه الساحلية وحول بعض المراكز الحضرية والمرافق الساحلية مما يمثل تهديداً لبقاء الموارد السمكية.

 

1-4       تصريفات مياه الصرف الزراعى المحمله بمخلفات المبيدات والمخصيات الزراعية:

حيث تنتقل هذه المواد إلى المسطحات المائية ( بحرية وداخلية ) مع مياه الرى أو الأمطار ثم إلى الموارد السمكية من خلال سلاسل الغـذاء.

1-    التدهـور البيئى للمناطق الساحلية وتدمير المواطن الإحيائية (الموائـل)

2-1    اعمال الجـرف والـردم:

تعتبر عمليات الجرف والردم والتجفيف المرتبطة بالتوسع الحضرى والتنميه الصناعية والزراعية والنشاطات السياحية على طول الساحل وفي الأراضى الرطبه (البحيرات الشمالية في مصر)، مصدراً للتدهـور البيئى في العديد من الدول العربية، فالترسيب الذى تسببه هذه العمليات في المناطق الساحلية يؤدى إلى اختناق الشعاب المرجانية الموجوده في المنطقة، وينتج عنه تأثير سلبى على المواطن الاحيـائية التى تحمل إليها التيارات بعضا من هذه الرواسب، والنتيجة المترتبه على ذلك، والتى يتعذر تصحيحها هو ضياع معظم المواطن الاحيائية الساحلية المنتجه (الشعاب المرجانية والحشائش البحرية ونباتات الشورى (المانجروف)، واستمرار اختفاء المجتمعات البحرية المرتبطة بها- وبالتالى إمكانية انقراض فصائل من الأنواع المحلية المستوطنة وتدهـور إنتاجية المناطق المحيطة مثل مناطق الروبيان ومصائد الأسماك في الأعمـاق ومصائد الشعاب المرجانية.

 

كما أن تجفيف مساحات في الأراضى الرطبه على سواحل البحر المتوسط (منطقة البحيرات الشمالية في مصر) يؤدى إلى تقلص المساحات التى تزاول فيها الموارد السمكية وظائفها البيولوجية مما يمثل تهديداً مباشراً لاستدامتها

2-2  عمليات التشييد الغير مخططة في المناطق الساحليـة:

يمثل غياب التخطيط لاستخدامات الأراضي في المناطق الساحلية بالشكل المناسب، بما في ذلك تحديد المواقع وتقييم الآثار البيئية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية الحضرية والتوسع الصناعى، إضافة إلى الاستثمار في التوسع السياحى المحلى والأجنبى، مشكلة متفاقمة في كثير من المناطق الساحلية في الدول العربية، وهناك حالات تسمح فيها السلطات المحلية باستمرار أعمال التشييد التى لا ينسجم مع خطط استخدامات الأراضى ولا تتوفر لديها الاحتياطات الكافيه لتجميع ومعالجة الفضلات من السوائل والمواد الصلبة، وتؤدى جميع هذه الممارسات إلى تغيرات جوهرية في البيئات البحـرية والساحلية والتى تترك أثارها السلبية على استدامة الموارد السمكية.

 

2-  الاسـتغلال الجائـر للمـوارد السمكية

يمثل الاستغلال المفرط للموارد السمكية العربية واستنزاف عناصرها أحد العوامل بجانب العوامل السابقة- التى تهدد استدامة هذه الموارد، وقد زادت وتيره استغلال هذه الموارد خلال العقود الماضيه مما أضعف من قدرتها على التجدد، وترجع مشكلة الاستغلال المفرط للموارد السمكية إلى تخطى مستوى الاستغلال (حجم الأنتاج) الذى يحقق الكفاءة الأقتصادية من تشغيل وحدات الصيد مستوى الاستغلال المسموح به للمحافظة على استدامة هذه الموارد. وقد لعبت المشاكل البيئية السابق تناولها دوراً أساسياً في خفض مستوى الاستغلال المسموح به، ومع ثبات (إن لم تـزد) إعـداد وحدات الصيد، تتزايد معدلات الاستغلال لتحقيق مستوى الأنتاج الذى يحقق الكفـاءة الاقتصادية.

 

 


(1)  البنك الدولى – منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا – الاداره الفنية – قسم البيئة – تجربة البنك الدولى في الجوانب القانونية والمؤسسية والمالية للبرامج البيئية الاقليمية ، الورقة (3- 1).

المصدر: د/ أحمد عبد الوهاب برانيه أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية
drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,206