مقدمة وبعد
عشنا في شهر ذي الحجة مع ابراهيم عليه السلام وفهمنا لماذا حرص الشرع الاسلامي على تجديد سيرة ابراهيم أبي الأنبياء عليه السلام الذي دعا ربه (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) فكانت إقامة الأمة الاسلامية استجابة من الله تعالى لدعوة ابراهيم . ولذلك قال الله تعالى (ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ) على قول من قال إن هو أي ابراهيم ورأينا أن ابراهيم عليه السلام كانت حياته كلها لله وكيف قص عليه القرآن قصص ومواقف من تضحيات ابراهيم بماله وبنفسه وبولده في سبيل الله لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولنا من بعده(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا) وقال بعدها 0(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين ) فقدوتنا في ذلك ابراهيم عليه السلام بإيمانه ويقينه وثباته وتوكله على الله وتسليمه لأمر الله كما رأينا في قصة الذبح الشهيرة . بالتأكيد أيها الاخوة لم يقص القرآن على رسول الله واصحابه ولنا قصص ابراهيم ومواقف من حياته ودعوته وثباته لمجرد التسلية كلا إنما كان ذلك تهيئة للرسول صلى الله عليه وسلم لما ينتظره من أعباء الرسالة وتكاليفها العظيمة كما كان إعدادا لصحابته الكرام لكي يصبحوا أئمة وأعمدة وأركانا لأمة عظيمة قادمة تتسلم أمانة الدين كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولقد كذبت رسل من قبلك ) فتكذيبك هو الأمر الطبيعي الذي حدث مع إخوانك من قبلك فماذا فعلوا(فصبروا على ما كذبوا وأذوا) أي فاصبر كما صبروا ولكن في نهاية الآية بشارة (حتى أتاهم نصرنا)أي فسيأتيك نصرنا كما جاءهم. فكذلك قال الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام ( وقال إني مهاجر إلى ربي سيهدين ) فهذه اشارة إلى أنك ستهاجر كما هاجر أبوك ابراهيم وهذا ماأخبره به ورقة بن نوفل قال: ياليتني أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال نعم ماجاء أحد بمثل ما جئت به الا عودي . هل نفهم من ذلك أن خطبتنا اليوم عن الهجرة لأننا في شهر المحرم ؟ نعم خطبتنا عن هجرة الأنبياء لكن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في شهر المحرم وانما المحرم هو بداية السنة الهجرية وقد كانت العرب تجعله بداية السنة القمرية أي التي تحسب فيها الشهور تبعا لحركة القمر وليس لحركة الشمس كما في التقويم الشمسي. فكيف اذاً كانت قصة بداية التقويم الهجري؟ قيل في ذلك عدة أسباب: قيل إن عمر رضي الله عنه لما رأى الديون تؤقت بالشهور ولاتذكر السنة فيحتار القاضي لأن هذا الدين حان موعده في شهر كذا في هذا السنة أم السنة القادمة مثلا؟ فقال رضي الله عنه : أرِّخوا وقيل أن رجلا قدم من اليمن فقال: إنهم يؤرخون كتبهم أي رسائلهم. وقيل إن أبا موسى الأشعري أرسل الى عمر رضي الله عنهما أن كتابك يأتي بلا تأريخ فأرِّخ لنا كتابك فلسبب أو أكثر أو كل هذه الأسباب استشار عمر أصحابه في بداية التأريخ فقال :بعضهم نؤرخ من ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم قالوا نريد حدثا تحولت الأمور بعده . فقالوا نؤرخ بوفاة النبي. لكنهم كرهوا أن يجددوا الأحزان كل سنة فقالوا نؤرخ بالهجرة فهي التي نصر الله فيها نبيه وفتح عليه وبدأت بها مرحلة جدية من الدعوة فاصبح يقال: قبل الهجرة أو بعد الهجرة وهذا التأريخ الميلادي هو الذي يجب أن تحسب به الشهور والسنون لأن الله تعالى قال(ويسألونك عن الأهلة فقل هي مواقيت للناس والحج) فاذا نذر رجل أن يصوم شهرا فعليه صيام شهر هجري قمري وعدة المرأة تحسب بالشهر الهجري وهكذا إذاً أيها الإخوة كانت في مكة اشارات للهجرة جاءت في قصة ابراهيم كما جاءت في قصة موسى عليه السلام إذ جاءه رجل يسعى (قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج ) وهي كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم(وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) وهو ماحدث ليلة الهجرة فخرج موسى عليه السلام (فخرج منها خائفا يترقب ) 0قال رب نجني من القوم الظالمين) فلما توجه تلقاء مدين (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) كان موسى مع الله في كل خطوة وكل نفس فكان الله معه وأمده باليقين واستجاب دعاءه فلما رأى الفتاتين وسقى لهما (ثم تولى الى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) فكان ان جمعه الله بوالد الفتاتين ذلك الرجل الصالح 0فلما جاءه وقص عليه القصص قال) اسمع ماقال هذا الرجل (فال لاتخف نجوت من القوم الظالمين ) سبحان الله ساق الله اليه الطمأنة على لسان الرجل الصالح بنفس الألفاظ التي دعا بها (رب نجني من القوم الظالمين ) (لاتخف نجوت من القوم الظالمين) إذا هذه اشارة لنبينا صلى الله عليه وسلم لنجاته من القوم الظالمين والى أنه سيحدث معه كما حدث مع أخيه موسى وقد حدث فقد نجاه الله من المشركين وحكى القرآن ذلك (إذ أخرجه الذين كفرواثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا ) ووصل النبي صلى الله عليه وسلم الى مشارف يثرب (المدينة المنورة) وبالفعل حدث من الأنصار الذين أكرم الله نبيه بهم أكثر مما حدث من الرجل الصالح الذي دعا موسى واستقبله وطمأن قلبه وزوجه ابنته لقد استقبلوه أحسن استقبال وأنشدوا فرحين طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحبا ياخير داع وأريدك أن تعيش هذه اللحظة التي عاشها موسى عليه السلام الذي خرج من بلده خائفا يترقب ثم بعد رحلة مليئة بالمغامرات يُدعى لمقابلة هذا الرجل الصالح ليقال له (نجوت من القوم الظالمين) وكذلك لحظة وصول النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بعد أن قضى أياما في الصحراء يتوارى من القوم ويبحثون عنه ثم يستقبل هذا الاستقبال من هذه القلوب الطيبة المشتاقة الى لقائه وما أجمل قلوب الأنصار وتعبيراتهم الجميلة فهم لم يسموه باسمه مجردا وإنما كنوا عنه بالبدر ورحبوا بدعوته فيا لقلب رسول رحيم محب لهداية الناس حين يسمع ويبشر منذ أول لحظة بأن أمره مطاع وأنه خير داع ملحوظة ايا كانت المناسبة التي أنشد فيها الأنصار هذا النشيد في الهجرة أو حتى بعدها إلا أنه يدل على مافي قلوبهم من حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا عجب في حب رسول الله للأنصار هذا الحب ولا في قوله صلى الله عليه وسلم (من أحب الأنصار فبحبي أحبهم) أي لأنه أحبني فقد أحبهم وأي أحد لايحب من أحب حبيبه صلى الله عليه وسلم وآزره و نصره؟ وفي سورة القصص أيضا قال تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا ) (فلما أتاهاه نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ان ياموسى إني أنا الله رب العالمين ) إذاً لم تكن عودة موسى من هجرته عودة عائد لينتقم ولا ليتستريح من عناء الهجرة وإنما عاد ليؤسس لدعوة وليبدأ مرحلة جديدة من الهداية والدعوة وتبليغ الرسالة وأداء الأمانة العظيمة . وكذلك حدث مع نبينا صلى الله عليه وسلم فقد هاجر وخرج من دياره وأهله وموطنه الذي يحبه خرج لله وفي الله مؤثرا مرضاة الله على كل ماسواه هاجر رسولنا صلى الله عليه وسلم وخرج من بلده كما هاجر وخرج ابراهيم وموسى وعيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام وفي الطريق نزلت عليه آيتان الأولى قوله تعالى(إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) أي إنك عائد الى مكة إن الذي فرض عليك القرآن بما فيه من حكمة ورحمة وبما فيه من رسالة وأمانة وتكليف لرادك الى بلدك الأمين مكة فهي إذاإخبار بعد أن كانت إشارة وإنها لبشرى عظيمة لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحب مكة من قلبه ولذا التفت اليها ثم قال والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت الآية الثانية هي قوله تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) أي أذن الله لهم في قتال أعدائهم بسبب أنهم قد وقع عليهم الظلم . (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولا ربنا الله) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) أي ولولا أن يقوي الله الضعيف فيدفع به بطش القوي (لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) اي لاعتدى أهل الشر على دور العبادة التي يذكر فيها اسم الله( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) وهنا وقفة طويلة أمام هذه الآية ووقت نزولها فقد كان أصحاب النبي صلى الله ليه وسلم يلحون عليه في الاستئذان وينتظرون اشارته ليدفعوا عن أنفسهم أذى المشركين الأراذل ويشفي صدورهم التي تغلي كالبركان من هذا التعذيب والأذى والتضييق والتنكيل برسول الله الكريم وأصحابه الأفاضل ولكن الرسول عليه الصلام والسلام يقول :لا لم يؤذن لي بعد والآن بعد أن خرجوا من هذا البلد الى بلد الأمان يؤذن لهم ؟ يؤذن لهم بعد ماذا؟ نعم إنها رسالة الاسلام التي تجرد المسلم لله تعالى ففي هذه الآية إشارتان الإشارة الأولى أنك يامحمد خرجت من مكة حيث التعذيب والإيذاء الى بلد الأمان لا لتستريح هناك وتعيش في أمان وكفى كلا وإنما هي بداية لمرحلة جديدة من الجهاد في سبيل الله والعطاء والاستمرار في إبلاغ الرسالة وازالة العقبات من طريقها هكذا كانت الرسالة التي لم تنتظر حتى يصل الى المدينة وانما نزلت عليه في الطريق ولعل في ذلك حكم كثيرة منها ان يستعد وأن يهيء أموره لذلك من أول لحظة ينزل فيها المدينة الإشارة الثانية أن الجهاد والقتال ليس لمجرد الانتقام واشفاء الصدور وإنما له غاية أسمى وأهداف عظمى تتعلق بهداية الناس ودعوتهم وبنشر الاسلام وأزالة العقبات من طريقه فلا عجب إذاً أن لايؤذن به وقت حاجة النفو س اليه والإذن به وقت انتهاء هذه الحاجة . فقد جاء الاسلام ليجرد النفوس من هواها ويطوعها لرسالة الاسلام وغاياته هكذا أيها الاخوة صنع الله تعالى رسله الكرام على عينه ليبلغوا الرسالة ويؤدوا الأمانة وكذلك أتباعهم من بعدهم اذا هم عملوا بما أمرهم سبحانه(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) هيأهم ووفقهم ويسر لهم القيام بهذا الرسالة العظيمة الخطبة الثانية في العاشر من شهرنا هذا (المحرم) وجد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة يصومون هذا اليوم فسأل عنه فقالوا انه يوم نجا الله فيه موسى فنحن نصومه فصام وأمر المسلمين بصيامه وقال: نحن أحق بموسى منهم. فهذه هي السُّنة في يوم عاشورا ولا سنة غيرها وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي سبعة وثلاثين سنة حدث في يوم عاشوراء استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعجيب أن تحدث في الدين عبادات بعد وفاة النبي ثم وفاة خلفائه الراشدين من الذي شرع هذه العبادات؟ إنها بالتأكيد بدع فصاحب التشريع كان قد توفي حين استشهد الحسين رضي الله عنه. ثم انظر الى الفرق بين بصيرة الصحابة الذين لم يؤرخوا بوفاة النبي حتى لايجددوا أحزان المسمين كل سنة وبين هوى المبتدعين الذي أعمى بصيرتهم فجعلوا يوم استشهاد الحسين يوم لطم واسالة دماء لم ينزل الله بها من سلطان . ثم ان هؤلاء الشيعة لم يحزنوا على وفاة من هم أعظم من الحسين لا بوفاة أبيه رضي الله عنه وقد استشهد وهو في طريقه لصلاة الفجر ولا لوفاة عمر رضي الله عنه الذي استشهد وهو يؤم المسلمين في الصلاة ولا حتى لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم . إنها بدع وجب علينا أن نحذر منها المسلمين الدعاء

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 156 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

287,222