كان أول اعتكاف بمدينة موط بواحة الداخلة سنة 1399هـ ـ 1979 م تقريبا بمسجد النشواني بجوار قسم الشرطة
كان لهذا الاعتكاف مذاقا خاصا حيث كان أول اعتكاف لنا
كان معظمنا طلبة في السنوات الأولى في الجامعة أي في عمرالخروج من المراهقة والوصول الى البلوغ وتميز الشخصية واستقلالها وهو عمر تمايز الأصدقاء بعد ظهور شخصية كل منهم واختياره لتوجه أكثر استقلالا عن صديقه
وكان كل منا في بدايات تكوين علاقات جديدة وصحبة بديلة عن صحبته التي اختارت طريقا آخر وكانت هناك مفاجآت حيث نجد فجأة فلانا زميلنا في الدراسة قد التزم ولحق بالمسجد
كما كان الاعتكاف يجمع بيننا نحن الطلبة وبين اخواننا الكبار وكان منهم أساتذة لنا في مدارسنا من قبل كمايجمع بين أبناء البلد الأصليين وأبناء "وادي النيل" كما يسمونهم وأبناء الفلاحين وأبناء الموظفين فكان لهذا الاختلاط في حياة واحدة قريبة نوع من السعادة والحب والتعارف والاحساس بوحدة الغاية والهدف والمشاركة الجماعية في بعض الأعمال خصوصا وقد كنا نردد :إن الاسلام صهر المسلمين جميعا في بوتقة واحدة فكان صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي،وابو بكر القرشي كلهم جمعهم الاسلام وساوى بينهم
كان الاعتكاف بسيطا من حيث نظامه
فبرنامج الاعتكاف أكثره تلاوة القرآن فرديا مع وجود حلقة تعليم تلاوة
وأما الطعام فيه كان جماعيا وكل منا يحضر مايمكنه من بيته ويُجمع كله ثم نأكل سويا ونتشارك في العمل والخدمة ونقسم بعضا الى مجموعات تجلس سويا وتتحدث على الطعام ولم يكن بعد قد ظهرت الأواني الجاهزة التي يأكل فيها كل فرد بمفرده فكان لابد أن نجلس سويا ولابد ان نجهز الطعام ونغرفه ونغسل الأطباق بنظام ما يشارك فيه الجميع
كانت الشعائر الاسلامية تواجه حربا اعلامية شرسة من الشيوعيين الذين كانوا يسيطرون على الاعلام وحدهم ولم تكن أيامها هناك أي وسائل اعلام خاصة ولاقنوات فضائية ولم يكن النت قد عرف بعد
كنت تقرأ دائما هجوما على أذان الفجرفي الميكرفونات وشكوى الفنانين من ازعاجهم بالاذان! وعن المصليات في المصالح الحكومية وتعارضها مع الدين! وعن الحجاب طبعا واللحية ولبس الجلابية البيضاء فكذلك كان الهجوم على الاعتكاف في المساجد .فرمضان دائما يسبب اختناقا وأمراضا عصبية لدى البعض بسبب مظاهر الدين التي تكسو الشوارع المصرية وتظهر مدى ابتهاج الشعب المصري بالمناسبات الدينية
إن العلمانيين يكافحون منذ قديم الزمان من أجل إخفاء مظاهر الدين من الشارع المصري تماما كالملحدين سواء
وبدلا من أن تقوم الأوقاف بدورها بالدفاع عن الشعائر الاسلامية وبدلا من أن تفرح بالتزام الشباب وأثر ذلك على التنمية إذا بها تنضم الى المهاجمين وتشن حربا مؤصلة بالشرع والدين ! أي والله!
قال الشيخ على منبر الجامع الجديد: إن الاعتكاف ليس من الاسلام في شيء !
واستدل الشيخ بأقوى دليل لدى المصريين وهو "العمل عبادة" رغم أننا كنا طلبة نعتكف في الاجازة الصيفية ! ورغم أن أهل المصايف يقضون فيها مدةأطول من أي اعتكاف.
وهكذا أضيف اعتكافنا كنقطة جديدة للحرب علينا نحن "السنية"كما سمونا بعد موضوع الصلاة بجزء من القرآن الذي قالوا فيه أنهم يصلون حتى الفجر واستدلوا بكل أدلة النهي عن التشدد في الدين بأن هذه الصلاة ليست من الدين واصبحنا حديث المدينة وسببا للجدل فيها بين الناس فمنهم من يؤيد الاعتكاف باعتباره عبادة أفضل من تسكع الشباب في الشوارع وهؤلاء معظمهم الشباب والعائدون من السعودية ومعلمونا في المدارس الذين يشهدون لنا بالتفوق في الدراسة وبالتالي يحترمون أعمالنا
أما الرافضون للاعتكاف وللصلاة بجزء فهم كبار السن الذين يعتبرون هذا دينا جديدا جاء به صبية صغار وكل من ربى دقنه عمل لنا فيها شيخ ! ومع هؤلاء كل المقربين من شيوخ
الأوقاف المتاثرين بحربهم علينا.
هذه الحرب جعلتنا في صدمة وذهول من موقف شيوخ الأوقف الذين كنا نعرفهم ونحبهم وتعلمنا منهم ولاندري سر هذا الانزعاج وهذه العصبية التي تعاملوا بها مع الشباب المسلم ولم نرها منهم من قبل في معالجة أي ظاهرة فساد في المجتمع .
ساحة النقاش