جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
تكبيرات العيد لها مذاق خاص في قلب عزام
إنه يسبح في معاني التكبير التي لا تنقطع وفى كل عيد يظهر له معنى جديد يظل ساكنا ً في القلب أياما ً يتمتع به
الله أكبر.. ولله الحمد) يرفع بها صوته فتقطر دمعات من عينيه تلمحها زوجته وهى بجواره في سيارة الأجرة التي صحب فيها عزام أسرته كلها لصلاة العيد
ولله الحمد ) في هذه المرة لها مذاق خاص محصور في نعمة بعينها يشعر بها عزام وحده.. فلا يستطيع أن يتذكر قائمة نعم الله عليه التي تعود أن يتذكرها
قطرات دموعه تتحول إلى سيل عندما يعيد على خاطره المشهد بكل تفاصيله من جديد كما يحب.. والطريق طويل
على المائدة كانت الأسرة مجتمعة والقناة الفضائية تذيع برنامجا ً عن الأضحية.. فتأثر عزام بحديث الشيخ عن فضل الأضحية.. وأن المضحى تغفر ذنوبه من أول دفقة دم وتوضع كلها في ميزان حسناته بشعرها وأظلافها
وساعتها دمعت عينا عزام فقد تمنى أن يضحى.. ولكن من أين؟
لمحت زوجته هذا القطرات ففهمت ما يدور بقلب عزام.. وتذكرت المشهد كاملا ً كأنه اليوم
يومها أثر فيها دمع عزام وقوله: نفسي أضحى.. ويومها دعت ربها يا رب نوله أمنيته ووثقت أن الله تعالى سيجيب له أمنيته.. كما تعودت فقد تمنى العمرة من قبل ونالها من حيث لا يحتسب.
التفتت الأم فإذا أحمد يلاحظ والده وينظر على دمعته
فقالت الأم: أبوكم يريد أن يضحى يا أولاد نفسك تضحى يا أبو أحمد صح؟!.. أنا فاهمة أفكارك
أحس أبو أحمد بالحرج فلم ينطق بينما انتبه الأولاد كلهم ولم يتكلموا
بعد قليل قطع أحمد الصمت: تصدقوا يا جماعة نحن ممكن نضحي ؟
ضحك خالد وقال: يا عم أنت تعرف الخروف وصل ثمنه كم؟
أحمد وإيمان: كم ؟
الأم: أم حنان جارتنا قالت السنة الماضية إن زوجها اشتراه بخمس آلاف
خالد:خمس آلاف ؟.. لماذا ؟ هي جاموسة ؟.. إبراهيم زميلي اشتروا الخروف بألف جنيه
أحمد: أكيد خروف كبير لكن ممكن نشترى خروف أصغر منه
أسماء: أكيد أبى يعرف.. كم ثمن الخروف يا أبى ؟
الأب: لا أعرف والله.. ولا عمري اشتريت ولا سألت
إيمان: طيب ما نسأل في هذا الموضوع ربما نجد أضحية على قدرنا
خالد:على قدر حالنا؟.. ونفرض كان ثمنه مثلا ً على الأقل خمسمائة جنيه ماذا نفعل ؟
أحمد: في هذه الحالة ممكن نشتريه.. وممكن نشترى جدي ماعز أقل في السعر
نظرت الأم إليهم نظرة استنكار فقد أحست أن هذا الكلام يمكن أن يضايق الأب لأنه يعرض بحالتهم المادية
أدركت إيمان ما يدور في ذهن الأم
فقالت: أنا عندي فكرة لو استغنينا عن ملابس العيد هذا العام ممكن ثمنها يشترى ضحية
أسماء: طيب ولو استغنينا عن الملابس فماذا نلبس في العيد؟.. يعنى نلبس القديم ونزور خالتي وعمتي وخالي عبد الرءوف بملابس قديمة ؟
الأم: لا.. طبعا ً سيسخروا منا ويقولوا فقروا يا ترى ؟
إيمان: لا قديمة ولا حاجة ملابس عيد الفطر كان من كم شهر ؟.. من شهرين.
أحمد: والله فكرة ملابسنا نحن جميعا ً يمكن أن تشترى خروف العيد ياه والله فكرة
الأم:أسكت يا أحمد إخوتك البنات بالذات لا يمكن أظهرهم أقل من بنات خالتك وبنات عمتك
إيمان: أنا مستعدة البس ملابس العيد الماضي بدون أي حرج.. هل كل الناس تشترى ملابس لكل عيد ؟
الأم: الناس ليست كبعضها وكل واحد يتصرف على قدر حاله.. لكن نحن قادرون نشترى والحمد لله
إيمان: نحن قادرون نضحي والحمد لله.. فلماذا لا نضحي ؟
الأب: لا يكلف الله نفسا ً إلا وسعها وملابس العيد ضرورية لكم
سكتت إيمان وسكت الجميع وراح عزام في واد آخر وحضرت أمامه صورة والده وهو يذبح الضحية ثم يقسمها والعيال تمرح وتلعب وتطالب الأب بأجزاء معينة من الذبيحة
كانت أياما حلوة وكان الخير وفيرا ً وكان نظام الحياة غير نظامها الآن على الأقل كانت الحياة بسيطة والناس تحب بعضها لكن اليوم حتى لو فكر أن يذبح.. فأين.. وكيف ومن الذي يذبح له ؟.
كل شيء قد تغير وعلى الإنسان أن يعيش الواقع لا أن يظل متعلقا بأمور مستحيلة
انتبه عزام فليس شيء على الله بمستحيل
قطع أحمد السكون: على فكرة يا أبى نحن يمكن أن نفكر بجدية في موضوع الضحية.. لو راجعنا مصاريفنا سنجد أننا ننفق في أشياء أقل أهمية ويمكن أن نستغني عنها في سبيل تطبيق هذه السُنة العظيمة
أسماء: حقيقي لو ذبحنا في البيت كما كان يفعل جدي سندخل علينا نوعا ً جديدا ً من السعادة.
إيمان: ويصبح للعيد طعم مختلف تماما ً
الأم :على الأقل سنهدى نحن لحبايبنا بدل ما يهادونا كل سنة
إيمان: وفى هذه الحالة ندعو أقاربنا على الغداء.. وبالتالي لا نحتاج نذهب نحن لزيارتهم ولا نحتاج لملابس جديدة.
خالد: يعنى العيد سيتحول إلى موضوع آخر غير الروتين الرتيب الذي تعودنا عليه كل سنة.. وستبدأ فرحة العيد من أول ما نشترى الخروف وبعدها يبيت الخروف عندنا ليلة
أسماء:ونزوق الخروف
مريم: وأنا ألعب مع الخروف يا ماما
الأم: ومريم تلعب مع الخروف
خالد :يعنى الخروف سيكون هو العروس وحده قبل العيد ويعمل له شغلة ومشغلة
أسماء: إن كان كذلك أنا مستعدة أتنازل عن ملابس العيد
أحمد: أنظر يا أبى لا تشغل بالك بكلام خالتي.. خالتي لها طريقة تفكير ونحن لنا طريقة تفكير.. نحن نفكر بالشرع ونختار الأحب إلى الله وحده.. ملابس العيد هل هي فرض أو حتى سنة؟.. يعنى شرط أن تكون جديدة ؟.
قال الأب: لا .
أحمد: لكن الأضحية سنة ويكفى أننا سنتصدق منها ونهدى.
خالد: على فكرة لو ذبحنا على العيد سندخل فكرة الأضحية هذه في العائلة.. فاكر يا أبى لما قبضت المكافأة فقلت أنا سأعتمر بها؟.. يومها توقعوا أننا سنصيف.. وقالت خالتي: الحمد لله أختي ستصيف أول مرة في حياتها.. ولكن السنة التي بعدها سألوك عن تكاليف العمرة!.. وذهلوا لما عرفوا أنها بسيطة بالنسبة لهم!.. وحتى زوج
خالتي قال كنا نحسبها بعشرين ثلاثين ألف فاكر ؟
إيمان: يعنى التفكير الجاد في الموضوع يمكن أن يجعلنا نكتشف أنناقادرونعليه
خالد: يعنى نحن بهذا العمل سنجعل كل العائلة تفكر في الأضحية بجدية.
إيمان: ولو خالتي لمحت لموضوع الملابس أنا عن نفسي سأشرح لها رأينا.
الأم: ولا تشرحي ولا تعملي.. اتركي كل واحد يفكر بطريقته.
تفاءل عزام بهذا الاستعداد من أبنائه.. صحيح هو يعلم أن ثمن الملابس لن يكفى لأن تكاليف الأضحية ليست هي ثمن الخروف فقط.. فهناك مصاريف أكله ونقله وأجرة الجزار وغير ذلك.. ولكنه شعر أن فرج الله سيأتي وستتحقق أمنيته.. فقد جرب من قبل كثيرا ً أن الإنسان إذا اختار مرضاة الله وعزم عليها بصدق لابد أن يعينه الله عليها.
وفى اللحظة التي ينعقد فيها العزم سينزل من عند لله العون والتأييد وتكملة العجز البشرى بالقدرة الإلهية العظمى.
ابتسم عزام وقال لزوجته: ما رأيك يا أم أحمد؟.
فسكتت قليلا ً ثم قالت: طبعا ً الضحية حاجة عظيمة وسنة.. لكن لبس البنات مهم مهما كان.. لكن الأحسن إننا السنة القادمة إن شاء الله إن شاء الله نضحي لأننا سندخر طول السنة قرش من هنا على قرش من هنا وربنا يكمل من عنده.. ثم إن موضوع الملابس البنات لازم توافق أولا ثم إنه لابد......
دق جرس الهاتف فقال الأب : رد يا أحمد فقام أحمد ليرد في الغرفة المجاورة.
أعادت الأم : يا أبو احمد خذ رأى البنات في الأول ويقولوا رأيهم بعيدا ً عن جلسة الأولاد .. آه.. يا جماعة لا أحد يحرج أحد ولا.........
دخل أحمد ثم سجد على باب الغرفة فارتبك الجميع وعمت الفرحة والتوقع..
الأم صاحت: بنتي ولدت.. يا حبيبتي يا بنتي ولدت بعيد عنى.. ونزلت دمعتها.
ضحكت إيمان: أحمد جات له وظيفة.
مريم صاحت: أروح عند سمسم وأبوس النونو.
رفع أحمد رأسه:عمى مصطفى يقول لأبى هو بعت لك حوالة بألف ريال تستلمها بكرة.. ويقول لك تقبل الله منا ومنكم
غمزت أم أحمد ذراع عزام وقالت: يا أبو أحمد.. يا رجل خلاص وصلنا افتح الباب
ارتبك أبو أحمد ثم فتح الباب ونزل من السيارة ودموعه مازالت تسيل وهو يجهر بصوته: (ولله الحمد
ساحة النقاش