<!--

<!--<!--<!--

 

ابن كثير{ ومن دخله كان آمناً}يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وعن ابن عباس قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه، وقال اللّه تعالى: { أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم}الآية، وقال تعالى: { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك. ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة: (لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)، وقال يوم فتح مكة (إن هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة: لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها)، فقال العباس: يا رسول اللّه إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: (إلا الإذخر) وعن أبي شريح العدوي أنه قال: لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به: إنه حمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: (إن مكة حرمها اللّه ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول صلى اللّه عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن اللّه أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الغائب)، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة ""رواه الشيخان واللفظ لمسلم، والخربة: أصلها سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة وقيل هي الفساد في الدين. من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض""وعن جابر رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة) ""رواه مسلم"" وعن عبد اللّه بن الحمراء الزهري، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو واقف بالحرورة بسوق مكة يقول: (واللّه إنك لخير أرض اللّه وأحب أرض الله إلى اللّه، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت) ""رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة"" وقال بعضهم في قوله تعالى: { ومن دخله كان آمناً}قال: آمناً من النار. 


وقال الجصاص: هو حكم من الله تعالى لا خبر منه فيكون المعنى من دخله أمنوه قال (وقوله: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) إنما هو حكم منه بذلك لا خبر وكذلك قوله تعالى: رب اجعل هذا بلداً آمنا. ومن دخله كان آمنا. كل هذا من طريق الحكم لا على وجه الأخبار بأن من دخله لم يلحقه سوء لأنه لو كان خبراً لوجد مخبره على ما أخبر به لأن أخبار الله تعالى لا بد من وجودها على ما أخبر به، وقد قال في موضع آخر: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم. فأخبر بوقوع القتل فيه فدل أن الأمر المذكور إنما هو من قبل حكم الله تعالى بالأمن فيه وأن لا يقتل العائذ به واللاجئ إليه, وكذلك كان حكم الحرم منذ عهد إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا وقد كانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك الحرم وتستعظم القتل فيه على ما كان بقي في أيديهم من شريعة إبراهيم عليه السلام. وكذا نقل القرطبي في تفسيره عن النعمان بن ثابت قال:من اقترف ذنباً واستوجب به حداً ثم لجأ إلى الحرم عصمه، لقول الله تعالى: ومن دخله كان آمناً. فأوجب الله سبحانه الأمن لمن دخله. وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وغيره من الناس.

فهذا هو معنى قوله تعالى: ومن دخله كان آمناً. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة: من دخل المسجد فهو آمن. أي من القتل والعقوبة.


والله أعلم.

 البغوى


قوله عز وجل( ومن دخله كان آمنا ) من أن يحاج فيه ، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال : رب اجعل هذا بلدا آمنا وكانت العرب في الجاهلية يقتل بعضهم بعضا ويغير بعضهم على بعض ومن دخل الحرم أمن من القتل والغارة ، وهو المراد من الآية على قول الحسن وقتادة وأكثر المفسرين قال الله تعالى" أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ( سورة العنكبوت الآية 67 ) وقيل : المراد به أن من دخله عام عمرة القضاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمنا ، كما قال تعالى" لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " ( سورة الفتح الآية 27 ) وقيل : هو خبر بمعنى الأمر تقديره : ومن دخله فأمنوه ، كقوله تعالى" فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " ( البقرة - 197 ) أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن من وجب عليه القتل قصاصا أو حدا فالتجأ إلى الحرم فلا يستوفى منه فيه ، ولكنه [ لا يطعم ] ولا يبايع ولا يشارى حتى يخرج منه فيقتل ، قاله ابن عباس ، وبه قال أبو حنيفة ، وذهب قوم إلى أن القتل الواجب بالشرع يستوفى فيه أما إذا ارتكب الجريمة في الحرم يستوفى فيه عقوبته بالاتفاق .
وقيل : معناه ومن دخله معظما له متقربا إلى الله عز وجل كان آمنا يوم القيامة من العذاب .

القرطبى

الخامسة: قوله تعالى { ومن دخله كان آمنا} قال قتادة : ذلك أيضا من آيات الحرم. قال النحاس : وهو قول حسن؛ لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب، ولم يوصل إلى الحرم. قال الله تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل : 1]. وقال بعض أهل المعاني : صورة الآية خبر ومعناها أمر، تقديرها ومن دخله فأمنوه؛ كقوله { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة : 197] أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. ولهذا المعنى قال الإمام السابق النعمان بن ثابت : من اقترف ذنبا واستوجب به حدا ثم لجأ إلى الحرم عصمه، لقوله تعالى { ومن دخله كان آمنا} ؛ فأوجب الله سبحانه الأمن لمن دخله. وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وغيره من الناس قال ابن العربي: وكل من قال هذا فقد وهم من جهتين : إحداهما أنه لم يفهم من الآية أنها خبر عما مضى، ولم يقصد بها إثبات حكم مستقبل، الثاني أنه لم يعلم أن ذلك الأمن قد ذهب وأن القتل والقتال قد وقع بعد ذلك فيها، وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره؛ فدل ذلك على أنه كان في الماضي هذا. وقد ناقض أبو حنيفة فقال، إذا لجأ إلى الحرم لا يُطعم ولا يُسقى ولا يعامل ولا يُكلَّم حتى يخرج، فاضطراره إلى الخروج ليس يصح معه أمن. وروي عنه أنه قال : يقع القصاص في الأطراف في الحرم ولا أمن أيضا مع هذا. والجمهور من العلماء على أن الحدود تقام في الحرم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة. قلت : وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس : من أصاب حدا في الحرم أقيم عليه فيه، وإن أصابه في الحِلّ ولجأ إلى الحرم لم يكلم ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد؛ وهو قول الشعبي. فهذه حجة الكوفيين، وقد فهم ابن عباس ذلك من معنى الآية، وهو حبر الأمة وعالمها. والصحيح أنه قصد بذلك تعديد النعم على كل من كان بها جاهلا ولها منكرا من العرب؛ كما قال تعالى { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت : 67] فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه أمن من الغارة والقتل؛ على ما يأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الله تعالى. قال قتادة ومن دخله في الجاهلية كان آمنا. وهذا حسن. وروي أن بعض الملحدة قال لبعض العلماء : أليس في القرآن { ومن دخله كان آمنا} فقد دخلناه وفعلنا كذا وكذا فلم يأمن من كان فيه قال له : ألست من العرب ما الذي يريد القائل من دخل داري كان آمنا؟ أليس أن يقول لمن أطاعه : كف عنه فقد أمنته وكففت عنه؟ قال : بلى. قال : فكذلك قوله { ومن دخله كان آمنا} . وقال يحيى بن جعدة : معنى { ومن دخله كان آمنا} يعني من النار. قلت : وهذا ليس على عمومه؛ لأن في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري حديث الشفاعة الطويل: (فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم) الحديث. وإنما يكون آمنا من النار من دخله لقضاء النسك معظما له عارفا بحقه متقربا إلى الله تعالى. قال جعفر الصادق : من دخله على الصفاء كما دخله الأنبياء والأولياء كان آمنا من عذابه. وهذا معنى قوله عليه السلام : (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). قال الحسن : الحج المبرور هو أن يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. وأنشد : يا كعبة الله دعوة اللاجي ** دعوة مستشعر ومحتاج ودع أحبابه ومسكنه ** فجاء ما بين خائف راجي إن يقبل الله سعيه كرما ** نجا، وإلا فليس بالناجي وأنت ممن تُرجى شفاعته ** فاعطف على وافد بن حجاج وقيل : المعنى ومن دخله عام عمرة القضاء مع محمد صلى الله عليه وسلم كان آمنا. دليله قوله تعالى { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح : 27]. وقد قيل : إن "من" ها هنا لمن لا يعقل؛ والآية في أمان الصيد؛ وهو شاذ؛ وفي التنزيل { فمنهم من يمشي على بطنه} الآية [النور : 45] 


 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 271 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

290,940