نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(مانهيتُكم عنه فاجتنبوه وما أمرتُكُم به فَأْتوا منه مااستطعتم؛ فإنما أهلك الذين مِن قبللكم كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) رواه البخاري ومسلم
روايات أخرى للحديث
1ـ عن ابي هريرة رضي الله عنه قال :خطبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس قد فُرِض عليكم الحج فحجوا.
 فقال رجل: أَكُلَّ عامٍ يارسول الله؟
  فسكت حتى قالها ثلاثا
 فقال سول لله صلى الله عليه وسلم : "لو قلتُ نعم لوجبت؛ ولما استطعتم، ثم قال: ذَرُوني ماتركتكم فإنما أُهلِك مَن كان قبلَكم بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم؛ فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطتعتم ،وإذا نهيتكم عن شيء فدَعُوه) رواه مسلم
قال ابن رجب:  "وقد رُوي من غير وجه أن هذه الآية نزلت لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج وقالوا أفي كل عام"؟
والمقصود بالآية (يا أيُّها الذينَ آمنوا لاتَسْألوا عَنْ أشياءَ إِن تُبدَ لَكُمْ تَسُؤكُم)
غير أن هناك روايات أخرى في سبب نزول الآية ولعل العلم بها يفيد في فهم مقصود الحديث وأسباب النهي عن الأسئلة ومانوع الأسئلة المنهي عنها:
ـ في الصحيحين أيضا عن قتادة عن أنس قال: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفَوه في المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: "لاتسألوني اليوم عن شيء إلا بينتُه".
 فقام رجل كان إذا لاحَىَ الرجال دُعِيَ الى غير أبيه فقال: يارسول الله مَن أبي؟
قال: أبوك حُذافة.
ثم أنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من الفتن) وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لاتسألواعن أشياء إن تبد لكم تسؤكم......) المائدة
ـ وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟فأنزل الله هذه الآية (يا أيُّها الذينَ أمَنوا لاتسألوا عن أشياء إن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم...)
المعنى العام للحديث
يأمر النبي صلى الله عليه  وسلم بالانشغال باجتناب مانهى عنه وأداء ما استطاع المسلم مما أمر به وعدم الانشغال بكثرة الاسئلة التي لاتفيد ولا بكثرة الاختلافات كما فعلت الأمم السابقة مع أنبيائهم فهلكوا
حدود الأسئلة المنهي عنها
لايعقل بالطبع ان ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن السؤال في الدين لفهم أوامر الله ونواهيه فما المقصود وماهو نوع الأسئلة المنهي عنها؟
من جملة النصوص يمكننا أن نحدد أنواعا من هذه الأسئلة:
1ـ مايشبه أسئلة بني اسرائيل لموسى عليه السلام تمردا وعنادا وتنطعا قال تعالى (أَم تُرِيِدُونَ أَن تَسأَلُوا رَسُولَكُم كَمَا سُئِلَ مُوسَىَ مِن قَبل)
ومن أمثلة هذه الأسئلة ماجاء في سورة البقرة(وإذ قال موسى لقومه إنَّ اللهَ يَأمُرُكم أن تذبَحوا بَقَرَة ........)ألآيات ولو كانوا طائعين لكفاهم مجرد أمره لهم بذبح بقرة ولو ذبحوا أي بقرة لكفاهم ذلك
فالمؤمن همه العمل بطاعة الله فاذا كان الأمر أو النهي واضحاً انشغل بالعمل
2 ـ اسئلة النصارى لعيسى عليه السلام ماجاء في سورة المائدة(وَإذ قَالَ الحَوَارِيوُنَ يَاعِيسَىَ ابنَ مَريَمَ هَل يَستَطِيُعُ رَبُّكَ أن يُنَزِّلَ عَلينَا مَائِدَةً مِن السَّمَاء)؟
فرد عليهم عيسى عليه السلام محذرا إياهم من طلب هذه الخارقة فالمؤمنون لايطلبون الخوارق ولايقترحون على الله
3ـ السؤال عما يسوء السائل جوابه مثل سؤال السائل هل هو في النار؟كما دلت الاحاديث السابقة   
4ـ السؤال عا أخفاه الله عن عباده مثل السؤال عن الساعة وعن الروح ولو كان فيه فائدة لبينه لهم  ولذلك تقرأ كثيرا في كتب التفسير بعد الخلاف حول بعض المسائل قول السلف لو كان في بيان ذلك فائدة لبينه القرآن وما سكت عنه مثل اسم ذو القرنين وعددأصحاب الكهف
5ـ السؤال عما لايفيد
سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟
 فأجابه صلى الله عليه وسلم : ماذا أعددت لها؟
فصرفه عما لايفيده الى مايفيده
رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرف عنه كرمه في الإجابات كما قال ابن القيم فقد سئل مثلا عن الوضوء من ماء البحر فأجاب عن السؤال وزيادة قال هو الطهور ماؤه وهذه اجابة السؤال وزاد عليها الحل ميتته لأن هذه الاجابة نافعة للسائلين وغيرهم
(وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال ،وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه مسلم وكلاها تضييع للوقت والجهد و المال
قال كثير من العلماء المراد بقوله "وكثرة السؤال" الاكثار من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا وتكلفا فيما لم ينزل والأغلوطات وتشقيق المولدات
ولم يكن يرخص في السؤال الا للأعراب ..فعن أنس قال: نُهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ) رواه مسلم
 أي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو المربي الحكيم  رباهم على أن ينشغلوا بالعمل ولاينشغلوا عنه بالأسئلة إلا فيما يفيدهم في العمل
قال ابن رجب رحمه الله : "وأشار هذا الحديث الى أن في الاشتغال بامتثال أمره واجتناب نهيه شغل عن المسائل ) أ.هـ
 ـ قال ابن رجب : "فالذي ينبغي على المسلم الاعتناء به والاهتمام به أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأومر واجتناب ماينهى عنه فتكون همته مصروفة بالكلية الى ذلك لا إلى غيره وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  والتابعين له باحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي الى فرض أمور  قد تقع وقد لاتقع فان هذا مما يدخل في النهي ويثبط عن الجد في متابعة الأمر
6ـ السؤال عما لم يقع
 سأل رجلٌ ابن عمر عن استلام الحجر الاسود فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله.
 فقال الرجل: أرأيتَ إن غُلِبتُ عليه ؟ أرأيت إن زوحمت؟
 فقال له ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن... رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله.
ومراد ابن عمر أن لايكُن لك هم إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولاحاجة في فرض العجز عن ذلك أو تعسّرِه قبل وقوعه فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة فإن التفقه في الدين والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال.
كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها
خرج عمر رضي الله عنه على الناس فقال: أُحرِّج عليكم أن تسألونا عن ما لم يكن فإن لنا فيما كان شغلا.
وكان زيد بن ثابت إذا سئل عن شيء يقول: "كان هذا"؟
 فان قالوا لا قال: "دَعوه حتى يكون".
قال في الظلال في تفسير "لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم":(ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لاتقام فيها شريعة الله والفتوى على هذا الأساس
ان شريعة الله لاتستفتى الا ليطبق حكمها وينفذ
ومثله الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة انها دراسات للتلهية لمجرد الايهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض
ان هذا الدين جدٌّ، وقد جاء ليحكم الحياة  ولم يجيء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعارا ولا لتكون شريعته موضوع دراسة دراسة نظرية لاعلاقة لها بواقع الحياة ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاما في الهواء) 
7ـ المغاليط كره السلف المغاليط وقالوا انها تحرم العبد بركة العلم ونوره ويقصدون بالمغاليط المسائل الفقهية الصعبة التي لايحتاج اليها ولم تقع  
قال ابن وهب: سمعت مالكا وهو يعيب كثرة الكلام وكثرة الفتيا ثم قال يتكلم كأنه جمل مغتلم يقول هو كذا هو كذا
كان مالك يقول: المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل
8ـ في الحديث اشارة الى عدم تضييع الوقت في الاستماع الى الزنادقة والملاحدة والمنافقين فيما يشغلون به الناس ويشككون به المسلمين في دينهم بين فترة وأخرى في وسائل الاعلام
أقسام الأسئلة
قال الامام النووي :السؤال على أقسام:
ـ (الأول) سؤال الجاهل عن فرائض الدين والصلاة والصوم وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك وهذا السؤال واجب عليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) ولايسع الانسان السكوت عن ذلك قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون)
ـ (القسم الثاني) السؤال عن التفقه في الدين لا للعمل وحده مثل القضاء والفتوى وهذا فرض كفاية لقوله سبحانه وتعالى(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ...) الآية وقال صلى الله عليه وسلم (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)
ـ (القسم الثالث) : أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه ولا على غيره وعلى هذا حمل الحديث لأنه قد يكون في السؤال ترتيب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذ أشار صلى الله عليه وسلم )وسكت عن أشياء رحمة لكم  فلا تسألوا عنها )
 ـ وعن علي رضي الله عنه لما نزلت (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا )
 قال رجل أكُلَ عام يارسول الله؟
فأعرض عنه حتى أعادها مرتين أو ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ومايوشك أن أقول:" نعم" والله لو قلت "نعم" لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم؛ فاتركوني ماتركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه؛ فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)أي لم آمركم بالعمل بها هذا النهي خاص بزمانه صلى الله عليه وسلم أما بعد ان استقرت الشريعة وأمن الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه ) أ.هـ شرح النووي للأربعين النووية
8ـ كثرة السؤال للوصول لغرض النفس
كما يفعله بعض الناس من استفتاء مفت فاذا لم يفته بما يريد لجأ لغيره ثم غيره حتى يصادف غرضه وهواه وهذا مذموم
التوازن في الانشغال بالعلم
كان ابو شريح الاسكندراني يوما في مجلسه فكثرت المسائل فقال: قد درنت قلوبكم من اليوم فقوموا الى ابي حميد خالد بن حميد صقلوا قلوبكم وتعلموا هذه الرغائب فانها تجدد العبادة وتورث الزهادة وتجر الصدقة وأقِلوا المسائل الا مانزل فإنها تقسي القلب وتورث العداوة .
وبالتأكيد مراد الإمام هو المسائل المستحدثة التي يكثر فيها الخلاف لاأصول العلم ومسائله
وهذا يشير الى أهمية التوازن فيما ينشغل به طالب العلم فلايفرط في مسائل الفقه على حساب أوراده وطاعاته وما يرقق قلبه
ترتيب أولويات طالب العلم
وفي هذا الحديث ترتيب لما يشغل طالب العلم به نفسه
ـ فيبدأ بفرض العين ولا يبدأبفرض الكفاية
ـ وهو أيضا ترتيب للدعاة لما يبدأون به مع المدعو فيجب ان يبدأ الداعية مع المدعو بفروض العين قبل فروض الكفاية فيجب ان يعلمه أولا تلاوة القرآن والعبادات والتوبة الى الله مما اقترفه وكيفية الخروج من المظالم إن كانت
كل ذلك قبل أن يشغله بالأدوات كعلم النحو ومصطلح الحديث وأصول الفقه ونحو ذلك
هذا الحديث العظيم ترتيب لاهتمامات المسلم وانشغالاته وأولوياته
ـ ترتيب طريقة تفكير المسلم وذهنية طالب العلم
ـ لاينشغل بما لايجب عليه ويترك ما يجب عليه
ـ لاينشغل بفرض الكفاية ويترك فرض العين
ـ لاينشغل بما لم يكن ويترك ما هو كائن
ـ لاينشغل بما مضى وكان وانتهى تاركا ماهو كائن
ـ لاينشغل بقيل وقال وكثرة السؤال ويترك العمل
أولويات البحث العلمي واقسام الآراء في الحد من الاسئلة
قال ابن رجب وقد انقسم الناس في هذا الباب اقساما:
القسم الاول من أتباع الحديث مَن سدَّ باب المسائل حتى قلَّ فقهه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقيه.
القسم الثاني: ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها مايقع في العادة وما لا يقع واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك وكثرت الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه الناس وهذا ماذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه.
القسم الثالث فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله عز وجل وما يفسره من السنن الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم باحسان ،ثم عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها ثم التفقه فيها وفهمها والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بأحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهدوالرقائق وغير ذلك وهذا هو طريق الامام احمد ومن وافقه
سؤال : ولكن اين البحث في المستجدات التي تقع اذن؟
قال ابن رجب :ومن سلك طريقة طلب العلم على ماذكرناه تمكن من جواب الحوادث الواقعة غالبا لأن أصولها توجد قي تلك الاصول المشار اليها" أي أن العلم بأصول العلم يوصل الى المسائل الفرعية أما الانشغال بالفروع قبل أصول العلم وأساسياته فلا يوصل الى شيء
النية في العلم والأسئلة
قال ابن رجب(وملاك الامر كله أن يقصد بذلك وجه الله والتقرب اليه بمعرفة ما أنزل الله على رسوله وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق اليه ومن كان كذلك فقد الله والهمه رشده وعلمه مالم يعلم وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب بقوله تعالى(إنَّما يَخشَىَ اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)ومن الراسخين في العلم
 قال نافع بن يزيد: يقال: الراسخون في العلم المتواضعون لله والمتذللون لله في مرضاته لايتعاظمون على من فوقهم ولايحقرون من دونهم ويشهد لها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهل اليمن هم أبرُّ قلوبا،  وأرقُّ افئدة.. الإيمان يمانٍ والفقه يمانٍ والحكمة يمانية "رواه البخاري ومسلم
قيل للإمام احمد :من نسأل بعدك؟
قال: "عبد الوهاب الوراق"
 قيل له: انه ليس له اتساع في العلم.
 قال: إنه رجل صالح مثله يوفق لاصابة الحق.
قال بعض السلف: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا.
قال ابن رجب من لم يشتغل بكثرة المسائل التي لايوجد مثلها في كتاب ولا سنة بل اشتغل بفهم كلام الله ورسوله وقصده امتثال الأوامر واجنناب النواهي فهو ممن امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وعمل بمقتضاه؛ ومن لم يكن اهتمامه بفهم مانزل الله على رسوله واشتغل بكثرة توليد المسائل قد تقع وقد لاتقع وتكلف اجوبتها بمجرد الرأي خشي عليه أن يكون مخالفا لهذا الحديث مرتكبا لنهيه مخالفا لأمره.)
  ـ ترك المحرمات
يؤخذ من الحديث أن النهي أشد من الأمر لأن النهي لم يُرخَّص في ارتكاب شيء منه والأمر قُيِّد بحسب الاستطاعة  وروي هذا عن الامام احمد
ويشبه هذ قول بعضهم: أعمال البر يعملها البر والفاجر وأما المعاصي فلا يتركها الا صدِّيق.
قال الحسن: ماعبد العابدون بشيء أفضل من ترك مانهاهم الله عنه.
قال ميمون بن مهران: ذكر الله باللسان حسن وأفضل منه أن يذكر الله العبد عند المعصية فيمسك عنها
قال ابن رجب :وحاصل كلامهم يدل على اجتناب المحرمات وإن قلت فهي أفضل من الإكثار من  نوافل الطاعات فإن ذلك فرض وهذا نفل 
قاعدة مالايدرك كله لايترك كله
في الحديث اشارة الى قاعدة مهمة وهي "مالايُدرك كله لايترك كله"
مفادها : أنه إذا تعذر حصول الشيء كاملا، و أمكن المكلف فعل بعضه، فإنه يفعل المقدور عليه، و لا يترك الكل بحجة عجزه عن بعضه، لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده ـ مع الإمكان ـ أولى من إعدامه كلية
و تأتي أهمية هذه القاعدة من جهة اتساع مجال إعمالها، إذ يندرج تحتها مسائل كثيرة من أبواب شتى، لكونها تتعلق بالمأمورات الشرعية التي هي تمثل غالب التكاليف الشرعية، و قد روعي في امتثالها قدرة المكلف، و التدرج بحسب استطاعته، بالانتقال من الحال التي يعجز عنها إلى الحال التي يطيقها.
و قد جاء في معناها : القاعدة الشهيرة " الميسور لا يسقط بالمعسور "
.
 
 وقد أشار الامام النووي الى بعض الأحكام الفقهية المبنية على هذه القاعدة المفيدة في الفقه وفي الحياة عامة
قال النووي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وما أمرتكم به فاتوا منه مااستطعتم) فيه مسائل:
ـ إذا وجد ماء للوضوء لايكفيه فالأظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي
ـ إذا وجد بعض الفطرة فانه يجب اخراجه
ـ إذا وجد بعض مايكفي لنفقة قريب أو الزوجة أو البهيمة فانه يجب بذله
ـ هلك المتنطعون
 في الحديث إشارة الى ذم التنطع
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم والمعنى أنهم هلكوا في الدين كما هلكت الرهبانية ونحوهم.
ويعرَّف التنطع بأنه التكلف والمغالاة في القول والفعل، والمتنطعون هم الخائضون في ما لا يعنيهم، وقيل هم: المبالغون في عبادتهم بحيث يخرجون عن قوانين الشريعة قولاً أو فعلاً،
ودافع التنطع حب التدين، ولكن عن غير بصيرة وهدى من الله تعالى، وهو في الحقيقة تزيُّدٌ على الإسلام الذي جاء  منسجماً مع الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها، 
وقد وى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدوة والروحة وشيء من الدلجة) وفي رواية : (القصد القصد تبلغوا)
وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل المقصود منع الإفراط المؤدي إلى الملال
وفي صحيح البخاري : آخى النبي ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء،  فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال له: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال له: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال له: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا جميعا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له فقال النبي ﷺصدق سلمان)
وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل المقصود منع الإفراط المؤدي إلى الملال
وقد ذكر أهل العلم أمثلة للتشدد والتنطع، منها:
ـ  تكلف الشخص من العبادة ما لا يستطيع فيؤدي به ذلك إلى فوات الأفضل أو إلى السآمة فينقطع الشخص
  ـ وذلك كمن يتكلف في قيام الليل ويطيل فيه حتى يتعب من السهر، فتغلبه عيناه عن صلاة الفجر في الجماعة، أو عن أدائها في وقتها المختار أو الضروري،
 ـ ومن ذلك الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة كمن يترك رخصة الفطر في حال السفر أو المرض، أو يترك التيمم فيستعمل الماء وهو يضره

 

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,559