علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

مشاكل تربوية بسبب النية

إذا كان الإخلاص هو روح التربية و حياتها كماقدمنا فى المقال السابق فإن النية الفاسدة هى السبب الأول فى إفساد التربية إذ أن هذه النية هى التى تصيب بذرة التربية فى مهدها وتفسدها فإذا تساءلنا: وما هى النوايا السيئة التى يمكن أن تسكن القلب وهو يربى؟تذكرنا على الفور  بعض شوائب النية فمثلا: 

·   أن يربى أحدنا ابنه لكى يفتخر به سواء بتدينه أو بأخلاقه أو بتفوقه فى الدراسة ثم بعمله ومنصبه وليستطيع أن يتكىء فى المجالس ويقول كما يقول فلان عن ابنه : الدكتور ذهب .. الدكتورجاء!

·   أو يهتم بتربية ابنه حتى لا يسىء إلى سمعته فيقال: كيف يكون ابن الشيخ فلان سيئا أو هكذا!أو بنت الأستاذ فلان غير مؤدبة! أين التربية ؟

·        أو حتى يكون واجهة ممتازة للعائلة تكمل سمعة العائلة وشهرتها !

·   أو حتى يكمل تركيبة العائلة ففى العائلة طبيب ومدرس ينقصها شيخ مثلا أو محام فالاختيار عليه ليتخرج أزهريا يكمل مؤسسة العائلة!

·        حتى يسمع عبارة ابن الوز عوام!

·        أو يربى أحدنا ليطلق عليه لقب مربى وقد يكون لهذا اللقب بريق أو فخامة تسلب لبه إذا أطلق عليه وتشرف بحمله!

·        أولاكتساب الاحترام والتبجيل الذى يدين به التلميذ لمعمله ومربيه!

·   أوالزهو الذى يهتز له الوجدان عندما يمارس الانسان التوجيه والإرشاد من برج التعالى وإدعاء العصمة! فالناس يعتقدون عمل المربى بكل ما يأمر به ونزاهته عن كل ماينهى عنه.

وعندما نقول: إن غياب الإخلاص سبب لفساد التربية فلا يعنى ذلك أن فشلها مجردعقاب من السماء أو أن الله سبحانه سيضع العراقيل أمام تربيته مادام لم يخلص له كلا وإنما سنرى أن النية السيئة لها تاثيرعملى سىء محسوس على سير التربية أى على نفسية المربى وعلى أهدافه وأدائه وطريقته ووسائله التى يختارها .... الخ أليس الإخلاص يترشح من القلب على كل مايخرج منه من فكر أو عمل ؟؟ فكذلك النية والفكرةالسيئة.

الآثار السلبية للنية السيئة على التربية

النية الغير خالصة سبب رئيسى لكثيرمن المشكلات التربوية الخطيرة الشائعة ومنها:

مشكلة انقطاع الود والقبول بين الابن والأب وهذه مشكلة أساسية يتفرع منها كثير من أنواع الفشل فى التربية

إن وجود قدر من قبول المربى لشخصية من يربيه شرط فى  قبول التوجيهات  ومحاولة العمل بها

هذا الشرط قائم مهما كانت عيوب المتلقى أى نعم قد نكره فيه سلوكا أو سلوكيات بعينها لكنه فى مجمله عندنا مقبول ويزداد قبولنا وحبنا له كلما تحسن والعكس صحيح

ألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قاطع كعب بن ماالك رضى الله عنه لأنه ترك فرضا عليه ولم يشارك المؤمنين فى جهادهم اهتم صلى الله عليه وسلم بأن يدرك صاحبه أنه لم يلفظه تماما ؟

إن عدم قبول الابن للتوجيهات هى رد فعل طبيعى لإحساسه بعدم قبول الأب لشخصيته وعدم قناعته به

أى أن الأب عندما يقول إنه ينفخ فى قربة مثقوبة ويعيد ويزيد بدون استجابة من الابن بل لايجد من الابن إلامخالفته وعناده حتى وإن كان مقتنعا بخطئه

كل ذلك بسبب إحساس الابن أنه غير مقبول أى ساقط كشخصية فى نظر الأب أى أن الأب قد يئس منه ورمى طوبته

هذه الحالة هى أكبر خسارة للتربية لأنها تعنى ببساطة أنه لن تكون هناك تربية فقد خسرنا كل ركن من أركان التربية

ـ خسرنا الأب فهو لم يعد فى نظر الابن هو المربى المقبول الجدير بالتاثير فيه

ـ وخسرنا الابن كمتلقى فهوموجود معنا بجسده لكن الاستقبال منه معطل

ـ وخسرنا خط الاتصال بينهما فعندما أرسل الاب توجيهاته إلى شخصية لايعترف بها لم تستقبل الرسالة بل رفضتها بكل غضب وإصرار وتحد

ومن هنا تدخل العلاقة بين الأب والابن فى دائرة مغلقة من الفعل السىء ورد الفعل الأسوأ الأب يأمر؛الابن يرفض؛الأب يغضب؛ فتتأثر معاملاته للابن ويشدد فيرد الابن بمزيد من الجرأة فى المخالفة بل الإصرار والعناد والتحدى الذى يزيد العلاقة سوءاً

هذه المشاكل ما سببها ؟

سبب رئيسى فيها نية الأب.

متى ذلك ؟

عندما أربى من أجلى أنا فيحكمنى مثلا الخوف من ملامة الناس وما يقولون .

إننى أزعم أن ما يغضبنى هو عدم إدراك الابن لمصلحته بينما فى الحقيقة أنا أدافع عن سمعتى وشهرتى وهذا هو سبب هياجى وسبب عدم سماعى من ابنى

أو لأنه ليس هذا هو الولد الذى كنت أتمناه وأضع له صورة معينة فى تصورى وذهنى

لقد كنت أتمنى أن يكون ولدى مواصفاته كذا وكذا أما هذا فمواصفاته غير مطابقة فياخسارة وهذا هو الذى لايرضينى بل يلهب قلبى بالسخط

هذا هو السبب الكامن فى أعماقى ولكن ربما لا أحب ان اصرح به فما النتيجة وما رد الفعل؟

إننى هنا وزنت إبنى بميزان طبعى أنا وتصورى ورغبتى وليس بميزان الشرع وما يريده الله تعالى منا شرعا وقدرا ولذا ترى ابنا ملتزما فى نظر الشرع وكل الناس تمدحه وتحبه وتذكر محاسنه إلا واحد هو الذى لايرى إلا مساوئه!

إنه أبوه!!

 فما النتيجة؟

النتيجة أنه لما كان هدفى الأساسى هو أنا وسمعتى ركزت على هذا الهدف ونسيت غيره

 ـ ولذلك أثور من أجل أمر تافه لكنه يسىء إلى ويهز صورتى أمام الناس بينما لاأهتم بأمر أعظم منه بميزان الشرع مادام  لايسىء إلى!

هذه الثورة والغضب يحدث كثيرا من الأزمات الغير مبررة

ـ وترانى أهتم بالمظاهروخصوصا التى تعطى للناس انطباعا بحسن تربيتى فأهم شىء عندى أن يتكلم ابنى بعبارات معينة وأن يظهر بمظهر لايعيبه أحد فإذا حدث ذلك فليس مهمًا بعده أى شىء فقد انتهت مهمة التربية التى تهمنى أى بمعنى أصح انتهى المطلوب الذى يشغلنى بينما لاأهتم بالأصول التربوية الهامة مثل حقيقة الإيمان فى قلب الابن ، وتقوى الله تعالى ومراقبته ، والعمل لليوم الآخر، وحب الخير للناس ...الخ لماذا لأنها أمور خفيةغير ظاهرة ولاأهتم بالأصول العملية مثل: تعظيم الفرائض وأولها الصلاة، والتعود على النوافل، وحفظ القرآن، وطلب العلم .....الخ

2ـ مشكلة خيبة الأمل وهى قريبة من المشكلة الأولى وهى شعور من الحسرة واليأس يملأ قلب الأب عندما لايرى الابن سالكا طريق الهداية وإنما سادرًا فى طرق الشقاء مع صحبة فاسدة مثلا! وهذا شعور طبيعى لكنه فى نفس الوقت يسبب مزيدا من الفشل وتفاقم المشاكل؛

كيف ذلك؟

عندما تكون النية لله يسلك الأب هنا مع ابنه ما يسلكه مع أى إنسان يدعوه؛ فيتقرب إليه أولا ،ويحببه فى دعوته، ويصبرعليه، ويساعده، ويأخذ بيده.

النية وحدها هى التى تمنح الأب هذا الصبر.

 أما عندما يدخل فى النية "أنا" ،وتأثير وضع الابن على مكانتى وسمعتى؛ هنا تحترق أعصابى وأتوتر وتختلط الأمور، ونمارس مع الابن طرقا مخالفة تماما لكل مانعلمه، ونطرح خبرتنا جانبا، ونأمرفقط وننهى، ونغضب ،نزجر ونتوعد

ومادام ليس بين الأب والابن علاقة قرب وحوارومشاركة وإنما اكتفاء الأب بالتعليمات والتوجيهات والعقوبات ففى هذه الحالة تبدأ المشكلة من ساعة شعور الابن بأنه عاجزعن تلبية مطالب أبيه فأبوه لايساعده ولايعذره ولايكف عن ملاحقته بالمشاكل فهنا تبدأ الدوامة التى وصفناها من قبل

وقد يكون هدفى من التربية هو إخراج نسخة طبق الأصل منى والولد لايقر عينى برؤيتى لشخصيتى تتكرر ولذا فأنا مستعجل أن أرى عليه ما أريد

 فما النتيجة؟

النتيجة أن للإبن كما لكل إنسان صفاته الوراثية وقدراته واستعداداته وميوله ومواهبه ؛ كل ذلك خاص به وحده بينما نحن نطالبه بمطالب فوق قدرته وليست فى استعداداته ولا من مواهبه مثلا وهو يحاول أن يرضى الأب بتغيير نفسه ولكن هيهات وكلما حاول وعجز أحبطه عجزه خصوصا عندما يرى اليأس وعدم الرضى فى عين أبيه وعلى لسانه ومن هنا نبدأ الانزلاق إلى الأزمة التى سبق وصفها .

إننا فى هذه الحالة نمارس التربية تحت ضغط و شد أعصابٍ هذا الضغط هو ضغط ماذا يقول عنى الناس؟

وضغط مرارة الإحساس بالفشل فى تحقيق الهدف المستحيل

هذه بعض التأثيرات التى تتركها االنية المشوبة الغير مجردة لله تعالى وهذه التاثيرات هى سبب رئيسى لكثير من المشكلات التربوية الشائعة عافانا الله جميعا منها ربنا لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله آمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • Currently 254/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
84 تصويتات / 886 مشاهدة
نشرت فى 9 يناير 2010 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,584