طباعة المزيد من الدولار «التيسير الكمي 2»itative easing
الخبير اﻻقتصادى الدكتور حمادة صلاح صالح
خبير التقييم المعتمد لدى البتك المركزي المصري
ما هو التيسير الكمي؟
ولماذا يلجأ إليه الاحتياطي الفيدرالي، بل والبنوك المركزية في دول العالم؟ وكيف يعمل؟
ببساطة شديدة، التيسير الكمي هو قيام الاحتياطي (البنك المركزي) بتخفيف القيود على الكميات المصدرة من الدولار من خلال طباعة كميات جديدة منه، ثم استخدام هذه الدولارات في شراء أوراق مالية، مثل السندات الحكومية؛ لتضاف إلى محفظة الأصول التي يملكها، فيرتفع جانب الأصول في ميزانية الاحتياطي (البنك المركزي) ، وبالطبع يتم تسجيل الدولارات الجديدة التي يصدرها في جانب الالتزامات في ميزانية الاحتياطي . (البنك المركزي)بهذا الشكل يكون كل من جانبي الأصول والخصوم في الميزانية قد ارتفع بقيمة الأوراق المالية التي قام الاحتياطي (البنك المركزي) بشرائها، ويزيد بالتالي حجم ميزانيته؛ ولذلك يطلق على التيسير الكمي سياسات زيادة حجم الميزانية (ميزانية البنك المركزي).
ويعد التيسير الكمي إحدى أدوات السياسة النقدية التي تستخدم في أوقات الأزمات؛ ونظرا إلى أنه نادرا ما يستخدم، فإنه يعد من الأدوات غير التقليدية للسياسة النقدية، حيث تلجأ إليه البنوك المركزية في الظروف غير الطبيعية مثل الأزمة الحالية، وببساطة شديدة، مرة أخرى، فإن السياسة النقدية إما أن تستهدف سعر النقود (معدل الفائدة) من خلال استخدام أدوات تؤدي إلى رفع أو تخفيض معدلات الفائدة، حسب مقتضيات النشاط الاقتصادي، وعندما يتغير معدل الفائدة ارتفاعا أو انخفاضا ينتقل أثر ذلك إلى النشاط الاقتصادي (الطلب الكلي) من خلال ما يسمى بـ "قناة معدل الفائدة" التي تتولى نقل تأثير خفض أو رفع معدل الفائدة إلى الطلب الكلي، ومن ثم معدلات النمو والتوظف والبطالة. أو قد تستهدف السياسة النقدية كمية النقود المتداولة في الاقتصاد، والتيسير الكمي هو أداة لتحقيق الأخيرة.
أما عن كيفية عمل التيسير الكمي، فإن المشكلة الأساسية التي تواجهها البنوك المركزية التي تلجأ إلى هذه السياسية هي أنه في أوقات الكساد تعمل البنوك المركزية على خفض معدلات الفائدة؛ حتى تبلغ مستويات متدنية للغاية، ربما إلى الصفر، وعندما نصل إلى معدل الفائدة الصفري نكون قد وصلنا إلى ما يسمى بأرضية معدل الفائدة الاسمي، حيث لا يمكن تجاوز هذا الحد إلى أسفل، ومن ثم يفقد البنك المركزي فرصة استخدام جميع أدواته المتاحة لخفض معدلات الفائدة بصورة أكبر لتشجيع عمليات الائتمان في الاقتصاد، أي تصاب أدوات السياسة النقدية التقليدية بالشلل، ويصبح التيسير الكمي خيارا أكثر جاذبية للبنك المركزي، على الرغم من مخاطره. وبما أن مستهدفات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي حاليا هي الحفاظ على معدل الفائدة بين صفر في المائة - 1/4 في المائة، فليس هناك مجال أكبر أمام الاحتياطي (البنك المركزي) لتخفيض معدل الفائدة المستهدف؛ لذا كان الحل في اللجوء إلى التيسير الكمي.
عندما تصل معدلات الفائدة إلى حدها الصفري فإن خيارات السياسة المتاحة أمام صانع السياسة النقدية مع بلوغ معدلات الفائدة المستهدفة إلى مستويات قريبة من الصفر لتحفيز الاقتصاد، تصبح محدودة جدا، ومن هذه الخيارات شراء السندات ذات الآجال الأطول لتعديل هيكل معدلات الفائدة، أو التيسير الكمي، وتخفيض معدلات ا لفائدة على الاحتياطيات الزائدة التي تحتفظ بها البنوك لدى الاحتياطي (البنك المركزي) ، وهو ما يؤدي إلى تقليلإقبال البنوك على الاحتفاظ بفوائض السيولة لديها لدى الاحتياطي (البنك المركزي)، الأمر الذي قد ينشّط أسواق الائتمان الخاص، أو رفع معدلات التضخم المستهدف؛ وذلك بهدف تعديل التوقعات التضخمية للجمهور، وهو ما قد يساعد على استعادة مستويات الأسعار المتوقعة بواسطة الجمهور عندما يقومون بعقد عقود في الأجل الطويل، مثل عقود الديون قبل أن يحدث الانكماش السعري. غير أن مثل هذه الاستراتيجية غير مناسبة للولايات المتحدة في الوقت الحالي، حيت تتوافق التوقعات التضخمية مع التضخم الفعلي. وقد أثبت التيسير الكمي من خلال تأثيره على هيكل معدلات الفائدة أثبت أنه كان إجراء فعالا في تخفيض معدل الفائدة من ثم تخفيض تكلفة الاقتراض في أسواق الائتمان الخاص.
ولكن إذا كان معدل الفائدة صفريا أو قريبا من الصفر فكيف يسهم التيسير الكمي في رفع مستويات النشاط الاقتصادي والخروج من حالة الكساد؟. يمكن وصف الوضع الحالي في الولايات المتحدة على النحو التالي، أن معدل الفائدة الأساسي على قروض ما بين البنوك، أو ما يطلق عليه معدل الأموال الفيدرالية، وهو المستهدف الأساسي للسياسة النقدية الأمريكية، منخفض جدا (صفر تقريبا)، معنى ذلك أن البنوك الأمريكية تقترض احتياجاتها من الأموال بمعدلات منخفضة جدا، ويتمثل الهدف الأساسي من ذلك في حث البنوك على اقتراض المزيد من الأموال، ثم إعادة ضخ هذه الأموال للمقترضين من المستهلكين؛ لتمويل إنفاقهم الاستهلاكي، ولقطاع الأعمال الخاص، لتشجيع عمليات الاستثمار الخاص، ومن ثم زيادة مستويات الطلب الكلي، لكن البنوك الأمريكية لا تقوم بالإقراض، على الرغم من الفارق الكبير بين تكلفة اقتراضها ومعدل الفائدة على تلك القروض؛ نظرا إلى ارتفاع حالة عدم التأكد لديها حول احتمالات قيام المقترضين من المستهلكين وقطاع الأعمال الخاص بإعادة سداد هذه القروض، طالما أن الاقتصاد في حالة كساد، وبدلا من ذلك تقوم باستثمار أموالها في شراء سندات طويلة الأجل، هذه السندات تقدم للبنوك معدلات فائدة منخفضة، لكن درجة المخاطرة المصاحبة للاستثمار فيها منخفضة أيضا.
الأموال إذن لا تتدفق من القطاع المالي إلى الاقتصاد للمساعدة في تنشيط حركة النمو، وتسريع عملية الخروج من الكساد الحالي، وليس هناك أي سبيل لحث البنوك على القيام بذلك، طالما أن توقعاتها حول مستويات النشاط الاقتصادي في المستقبل تشاؤمية. ماذا يفعل الاحتياطي الفيدرالي إذن؟ الحل المقترح للخروج من هذا المأزق هو اللجوء إلى أسلوب غير تقليدي، يقوم من خلاله الاحتياطي الفيدرالي بطبع مئات المليارات من الدولارات، ثم استخدام هذه الدولارات في شراء الأوراق المالية من البنوك، مثل السندات، فيؤدي ذلك إلى رفع أسعار هذه السندات، ومن ثم انخفاض معدلات العائد الذي تحصل عليه البنوك من الاستثمار في هذه الأوراق المالية، الأمر الذي يجعل عملية الإقراض للأفراد ومؤسسات الأعمال التي ترتفع درجة ملاءتها المالية نسبيا أمرا أكثر جاذبية من الاستثمار في تلك الأوراق. بهذا الشكل تصل النقود المصدرة من جانب الاحتياطي الفيدرالي إلى أسواق الائتمان الخاص، ومع زيادة عمليات الائتمان للقطاع الخاص ترتفع مستويات الطلب الاستهلاكي والاستثماري، ومن ثم ترتفع مستويات التوظف والنمو وتتسارع عملية الخروج من الكساد. هذا باختصار شديد آلية عمل التيسير الكمي، أو طباعة الدولار.
وأخيرا، فإن البعض يعتقد أن الأزمة الحالية تمثل نهاية الاقتصاد الأمريكي، الذي لن تقوم له قائمة بعد اليوم، فهل فعلا سيقع الاقتصاد الأمريكي في مصيدة الانكماش السعري ومن ثم في الركود طويل الأجل؟.. الإجابة هي بالتأكيد لا، لأسباب عدة، أهمها المرونة الكبيرة والاستقرار الهيكلي الذي يتمتع بهما الاقتصاد الأمريكي، فقد تعرض الاقتصاد الأمريكي عبر عشرات السنين لعشرات الصدمات وأثبت قدرة واضحة على امتصاص جميع الصدمات التي تعرض لها، واستعاد نشاطه واستكمل نموه، وقد ساعدت مرونة الأسواق الأمريكية في رفع قدرة الاقتصاد الأمريكي على التعامل مع تلك الصدمات، وعلى الرغم من قوة الصدمة الأخيرة التي تعرضت لها سوق المال الأمريكية، إلا أن البنوك الأمريكية الكبرى ما زالت حتى الآن في وضع متين.
ساحة النقاش