"مصر العربية" تكشف..
فساد بـ "السكة الحديد" تهدر 800 مليون جنيه
كشف مصدر مسئول بوزارة النقل، عن واقعة أدّت إلى إهدار مئات الملايين من الجنيهات في صفقة شراء 80 جرارًا أمريكيًا للسكة الحديد عام 2006 غير مطابق للمواصفات والمعايير التي تستخدم في السكك الحديد المصرية، مما أدى إلى تكهين 75 جرارًا بعد أقل من 4 سنوات.
وأضاف المصدر في تصريحات لـ "مصر العربية" أن هذه الجرارات دخلت الخدمة عام 2009 في عهد وزير النقل الأسبق محمد منصور، وهو أيضًا وكيل الشركة الموردة للجرارات "جنرال إليكتريك" الذي تعاقد عليها دون تضمين العقد توريد الشركة لقطع غيار للجرارات أو متابعتها بالصيانة الدورية، وتم اكتشاف عيوب فنية بها بعد أيام من تشغيلها، وتسببها في بعض الحوادث وإتلاف القضبان، حيث اضطرت هيئة السكة الحديد إلى تحويلها للعمل بقطارات البضائع، إلا أن هذا لم يشفع، فتمت إحالتها للتقاعد بعد فشل إصلاحها.
ورغم محاولات الدكتور حاتم عبد اللطيف، وزير النقل السابق في حكومة الدكتور هشام قنديل، حل المشكلة بالاتفاق مع الشركة الأمريكية بعمل صيانة شاملة لها، وإصلاح العيوب الفنية الموجودة بها، بعد أن عقد اجتماعًا موسعًا مع لورينزو سيمونيلى، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إليكتريك، وتعهدت الشركة بعمل الصيانة الفورية للجرارات وإصلاح العيوب الفنية، إلا أن الشركة لم تلتزم بهذا الاتفاق.
تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن هذه الصفقة الذي اطلعت "مصر العربية "على نسخة منه، كشف عن تعاقد هيئة السكك الحديدية على صفقة جرارات (عدد 80 جرارًا) بقيمة 1.6 مليار جنيه لاستخدامها في تشغيل قطارات الركاب، وأن هذه الجرارات غير مطابقة للمواصفات وتهدد حياة الركاب بالخطر، وتسببت في الكثير من حوادث القطارات، التي راح ضحيتها العديد من الأرواح.
وقال تقرير المحاسبات الصادر في مايو 2011: إن هيئة السكك الحديدية اضطرت بعد حادث العياط الشهير، إلى اتخاذ قرار بناء على تعليمات وزير النقل حينها، بتحويل 40 جرارًا من هذه الجرارات لتعمل في قطارات البضائع بدلاً من قطارات الركاب، وذلك تجنبًا للحوادث التي تتسبب بها وعدم توافر مقومات الأمن والسلامة بها، وهذا وفقًا لنص تقرير جهاز المحاسبات، بينما الـ 40 جرارًا المتبقية تم تحويلها أيضًا بعد ذلك هي الأخرى لتعمل بقطارات البضائع.
وأضاف التقرير أن هذه الصفقة ضمت 80 جرارًا، بدأت تعمل في تشغيل قطارات الركاب منذ بداية 2009، بعدما تعاقدت عليها الهيئة بالأمر المباشر في ديسمبر 2006 مع شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية بقيمة 1.6 مليار جنيه (1.355 مليار جنيه منحة من قطر وليبيا والـ245 مليون جنيه المتبقية من ميزانية الهيئة)، رغم أن عرض هذه الشركة كان مرفوضًا فنيًا وماليًا، والتعاقد شمل شراء الجرار الواحد بقيمة 3.08 مليون دولار، وأن هذا التعاقد تم رغم ما انتهت إليه لجنة التعاقد المباشر من رفض هذا العرض فنيًا وماليًا، في ضوء وجود عرض آخر من شركة "الكتروموتيف ديزل بنك" الأمريكية، مقبول فنيًا وأرخص سعرًا.
وذكر تقرير المحاسبات أنه بالإضافة إلى عرض شركة "الكتروموتيف ديزل بنك" الأمريكية، الذى تم استبعاده، تم استبعاد عرضين آخرين تقدم بهما شركتان صينيتان دون تحديد أسباب الاستبعاد، رغم أن عرضهما كان مقبولا فنيا وأقل سعرًا بكثير عن العرضين الواردين من الشركتين الأمريكيتين بما يقدر بنحو 10 ملايين جنيه في الجرار الواحد، لافتًا إلى أن هذا التعاقد يعد مخالفًا للنصوص والإجراءات الواردة بقانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998، فضلاً عن ضياع فرصة الحصول على أفضل العروض الفنية والمالية من العروض الأربعة، مما أضر بمصلحة الهيئة لما في هذا التعاقد من شبهة إهدار للمال العام بما يقدر بنحو 800 مليون جنيه تمثل فروق أسعار 80 جرارًا بين شركة "جنرال إلكتريك" التي تم الترسية عليها بقيمة 3.08 مليون دولار للجرار، وأقل سعر تقدمت به شركة "كاتيل" الصينية بقيمة 1.17 مليون دولار للجرار، بالإضافة إلى أن جرارات "جنرال إلكتريك" غير مطابقة لمواصفات سكك حديد مصر.
وكشف تقرير المحاسبات أن التعاقد تم من خلال عقدين تم إبرامهما مع شركة جنرال إلكتريك (GE)، على أن يكون كل عقد لتوريد 40 جرارا، وباللغة الإانجليزية دون ترجمته إلى اللغة العربية بالمخالفة لأحكام القانون رقم 115 لسنة 1958، الذى يقضى بوجوب استخدام اللغة العربية في المكاتبات وغيرها من المحررات والوثائق التي تقدم إلى الحكومة والهيئات والعامة، كما أنه لم يتم عرض العقدين على مجلس الدولة لمراجعتهما بالمخالفة لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وترتب على ذلك تضمن العقدين لشروط ومواد تهدر حق الهيئة في الرجوع على الشركة الموردة للجرارات بالتعويض وتحميلها المسئولية عن الأضرار، التي قد تحدث في الجرارات نتيجة لعيوب فنية أو توقفات خلال فترة الضمان (للصيانة أو تغيير أجزاء معينة)، فضلا عن تضمن العقدين بندا نص على أنه في حالة حدوث خلاف بين الطرفين يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي وليس المصري، وهو ما أعقبه عدم اتخاذ الهيئة لأية إجراءات قانونية تجاه الشركة الموردة بعد افتضاح العيوب الفنية الموجودة بهذه الجرارات وما ترتب عليها من حوادث قطارات.
وأفاد التقرير بأن الهيئة استغرقت مع الشركة الأمريكية وقتًا طويلاً بهدف إعادة تصميم وضبط مقاسات هذه الجرارات (غير المطابقة للمواصفات) من حيث الارتفاع والعرض لكي تناسب سكك حديد مصر، وهو ما لم يتم على أرض الواقع.
ساحة النقاش