تقرير ــ أحمد موسي:
عام مضي علي رحيل حسني مبارك عن السلطة في مصر, وقد جرت مياه كثيرة في نهر الاحداث الداخلية, والعلاقات المصرية الدولية. ولايزال الكثيرونسواء من الساسة أو كبار المفكرين بدوائر الابحاث العالمية يعيدون النظر فيما جري في مصر.
ويحاولون توصيف ماحدث, واستخلاص الدروس. والأهرام في هذه الصفحات يرصد جميع الزوايا, ويعرض كل الآراء, دون تحيز أو افنئات علي أحد
لماذا ندفع ثمن أخطاء مبارك؟!
بهذه الجملة ردت هايدي راسخ زوجة علاء مبارك علي طلب زوجها بمغادرة القصر الرئاسي بعد ظهر الجمعة11 فبراير2011 وهو اليوم الذي شهد تنحي الرئيس السابق عن سدة الحكم.
ربما كانت كلمات هايدي لزوجها علاء, خير دليل علي الأخطاء التي وقع فيها الإبن الأصغر جمال, نتيجة لسياسات أدت في النهاية للثورة التي أطاحت بالنظام السابق. رفضت هايدي المغادرة الجبرية إلي شرم الشيخ, لأنها كانت تعلم أنه لا عودة مرة أخري الي القاهرة أو بالأحري الاستقرار بها, فكانت هايدي تريد البقاء بجوار طفلها محمد, وفي النهاية رضخت ورحلت الي شرم الشيخ مع باقي الأسرة علي متن ثلاث طائرات.
كانت حالة الاحتقان في أعلي درجاتها وسط الغاضبين, والذين تدفقوا علي الميادين بالقاهرة وعدة محافظات. منذ يوم25 يناير201, ظلوا يطالبون بتنحي مبارك عن سدة الحكم, وظهرت حالة الصدمة وفقدان السيطرة علي القرارات في الأربع وعشرين ساعة الأخيرة من حكم مبارك, فيوم الخميس10 فبراير كان القصر الرئاسي يشهد حركة غير مسبوقة ويتقاطر عليه كبار المسئولين وفي مقدمتهم نائب الرئيس عمر سليمان ورئيس الحكومة أحمد شفيق ووزيرالدفاع القائد العام للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي ورئيسي مجلسي الشعب والشوري, بينما كان النجل الأصغر جمال مبارك يجلس في مكتبه وينتقل إليه أنس الفقي وزير الاعلام, والذي كان له دورا كبيرا في مسألة فرش الأرضية الاعلامية لعملية التوريث, ليرد الجميل لجمال لتدخله في آخر وقت وتأثيره علي والده لكي يظل الفقي وزيرا للاعلام, بعد إتخاذ رئيس الحكومة الجديد أحمد شفيق قرارا بابعاد الوجوه المكروهة في الشارع وهم: حبيب العادلي وأحمد المغربي ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي وحاتم الجبلي ومعهم الفقي, لكن تدخل الوريث وضغط علي الرئيس ليظل ذراعه اليمني أنس في موقعه علي غير رغبة المكلف بتشكيل حكومة الأزمة.
وفي إحدي الحجرات المجاورة لمكتب مبارك في القصر الرئاسي, كان رموز الدولة جالسون للتباحث للخروج من الأزمة. فالشارع يغلي وهناك إصرار علي تنحي مبارك, ومالبث أن دخل زكريا عزمي ورفع صوته وبنبرة حادة قال كلاما موجها للقائد العام للقوات المسلحة: ماتمسكوا البلد ياسيادة المشير!
ورد المشير طنطاوي لا مش هنمسك كده.. أنتو عارفين الشارع عايز إيه ؟! ولن أقترب من الشارع.
ومع سخونة الحالة سواء في القصر الرئاسي أو خارجه. وبعد منتصف النهار بقليل جلس عمر سليمان وطنطاوي وأحمد شفيق, لدراسة الوضع, واتفقوا علي صياغة بيان في ظل حالة التدهور بالبلاد, وتقرر أن يتضمن البيان التفويض الكامل من الرئيس الي نائبه لادارة شئون البلاد بكامل الصلاحيات وعدم الترشح مرة ثانية وتحديد مواعيد لاجراء الانتخابات الرئاسية وأن يبتعد مبارك عن الحياة السياسية نهائيا. ولم يكن بالفعل هناك معارضة من جانب الرئيس السابق. ولبي الرغبة في ظل ماتم شرحه من سوء للأوضاع والتي قد تؤدي الي محاولات الهجوم علي القصر الرئاسي في اليوم التالي, فقد كانت الاعداد الضخمة وبالآلاف لا تبعد سوي كيلو متر واحد من مقر إقامة مبارك وعائلته.
لكن المفاجأة التي دفعت طنطاوي وسليمان وشفيق للغضب هي التدخل الذي قام به جمال مبارك وأنس الفقي علي البيان, وقاما بحذف مايتعلق بالتفويض أو البعد عن الحياة السياسية ونقل السلطات, وصاغا بيانا مختلفا بعيدا عن الجميع وأقنعا الرئيس السابق. بأن هناك من لا يريد له البقاء في الحكم من المقربين منه..!
وأمتثل لرؤية نجله ووزير إعلامه. ولم يستمع للأصوات التي كانت تريد الخروج من المأزق بأقل الخسائر والتجاوب مع طموحات الشعب. غضب المشير حسين طنطاوي وتحدث بشكل عنيف عن التأثير الذي تعرض له قائده الأعلي في ذلك الوقت ـ ولم يكن المشير راضيا علي البيان الذي ألهب مشاعر الملايين ودفعهم للحديث عن الاقتحام للقصر الجمهوري في اليوم التالي.
ومع حالة الغضب وردة فعل الشارع علي البيان المأساوي, لم يكن أمام مبارك سوي مغادرة القصر الرئاسي في ظل حالة الانعقاد للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بدون رئيسه الأول مرة في تاريخه, ولم تكن مغادرة الرئيس السابق مصادفة نتيجة لإحساسه بأن الوضع إنفجر بصورة كبيرة بعد بيان جمال ـ الفقي, وتم الاتفاق علي أن يغادر وقت صلاة الجمعة من مطار ألماظة علي أن تلحق به باقي عائلته.
وسرب خبرا لقنوات العربية والجزيرة ولـ بي. بي. سي, عن توجه مبارك للاقامة في شرم الشيخ, ولم تذع الجزيرة الخبر ـ بينما بثته العربية وبي. بي سي بصورة عاجلة, كان الهدف هو تهدئة الشارع وضمان عدم وصول المتظاهرين الي قصر العروبة, وأعتبر هذا مقدمة للمرحلة المقبلة.
وبعد الصلاة توجه عمر سليمان وأحمد شفيق وأحمد أبو الغيط ومحمود وجدي وسليمان عواد الي مقر الحرس الجمهوري, وكان مقررا حضور المشير طنطاوي, لكن لم يأت
فانتقل إلي مقر وزارة الدفاع عمر سليمان وأحمد شفيق فقط, وكان المشير طنطاوي يجتمع مع المجلس الأعلي.
لدي المشير طنطاوي ما يؤكد أن هناك محاولات جرت لكي لا يتنحي مبارك, قال هذا لمسئولين في الحكم, فكل الشواهد التي كانت أمامه هي بقاء الحال علي ما هو عليه, فهناك تأثير كبير لجمال ووالدته علي مبارك وأنضم إليهما أنس الفقي وزكريا عزمي وهؤلاء هم الذين قادوا مسألة التوريث, وفي إحدي المقابلات التي أجراها الجنرال بتريوس قائد القيادة الأمريكية المشتركة مع القائد العام للقوات المسلحة عبر طنطاوي عن رفضه التام لمسألة توريث الحكم وكان ذلك بين عامي2007 و2008, وفي يوم29 يناير2011 كانت هناك خطة للتخلص من المشير طنطاوي والمجيء بوزير دفاع آخر بدلا منه, واأقترح جمال وبطانته علي والده إبعاد طنطاوي عن منصبه لكونه العقبة الوحيدة التي وقفت ضد رغبة الابن, وعرض مبارك علي القائد العام للقوات المسلحة منصب نائب الرئيس بجانب عمر سليمان, وفهم المشير الرسالة جيدا في هذا التوقيت, ورفض قبول هذا المنصب.
مغادرة مبارك إلي شرم الشيخ لم تكن للتنحي أو حتي ترك الحكم, لكنه كان ذاهبا للراحة فقط..!
وفي مقر وزارة الدفاع عرض سليمان وشفيق علي المشير مسألة إدارة شئون البلاد في هذا الظرف العصيب, ولم تكن هناك رغبة للمشير في هذا الأمر, وطلب منهما أن يعرض الأمر علي المجلس الأعلي. وعاد المشير طنطاوي, وتباحث الثلاثة في الأمر, وطلب من عمر سليمان التحدث للرئيس السابق ليبلغه بصعوبة الموقف وأن الظروف تقتضي تنحيه عن الحكم, فالبلد أصبح علي فوهة بركان وكانت فكرة التنحي وليدة اليومين الأخيرين من حكم مبارك10 و11 فبراير, وتمت صياغة البيان والذي قرأه علي مبارك تليفونيا عمر سليمان, ولم يطلب الرئيس السابق سوي تعديل كلمة واحدة بدلا من التنحي لتصبح التخلي عن الحكم.
رفض المشير طنطاوي أن يتلو هذا البيان وترك الأمر للنائب عمر سليمان, وسجلت الكاميرات البيان الأخير في حكم مبارك, وكان الرجاء الوحيد من الرئيس السابق أن تتم إذاعة البيان بعد مغادرة أفراد أسرته جميعا القصر الرئاسي وكلف المشير طنطاوي, اللواء إسماعيل عتمان عضو المجلس الأعلي بالتوجه بالشريط لمبني التليفزيون وعدم إذاعة البيان إلا بعد صدور تعليمات من القائد العام شخصيا, لم يكن هذا الأمر متداولا ولا يعلم به أحد خارج مقر وزارة الدفاع, حتي مسئولو التليفزيون لم تكن لديهم أي تفاصيل عما يحويه الشريط الذي كان بحوزة اللواء عتمان.
بطبيعة الحال لم يكن صحيحا أن طلب أحد من مبارك قبل يوم10 فبراير التنحي عن الحكم, وهو ما دعا الرئيس الأمريكي أوباما يتحدث قبل ساعة من خطاب مباركالصدمة مساء10 فبراير, ويعلن أن مصر ستشهد حدثا تاريخيا الليلة.
تصريحات أوباما جاءت من خلال تقارير المخابرات الأمريكية, والتي أكدت أن مبارك سيتنحي الليلة10 فبراير.
كانت الولايات المتحدة قد قطعت إتصالاتها بالرئيس السابق منذ يوم29 يناير عقب تكليف عمر سليمان بتولي منصب نائب الرئيس, وسارع نائب الرئيس الأمريكي جوبايدن بطلب التحدث مع سليمان, والذي رفض إستقبال المكالمة, وقال: لايزال هناك رئيس في الحكم والاتصالات تتم معه.
قدرة وقوة الشبكة المحيطة بالرئيس السابق, وخاصة من جانب زوجته ونجله الأصغر ووزير إعلامه ورئيس ديوانه كانت السبب الرئيسي في تدهور الموقف وعدم التجاوب مبكرا مع مطالب الثائرين في التحرير والميادين الأخري, وتمتم أنس الفقي في حضور مجموعة من كبار السياسيين بالقصر الجمهوري بعبارة: همه الأولاد دول هيمشوا البلد علي مزاجهم..!
كان الفقي يقصد بهؤلاء الأولاد, من يثورون ضد النظام ويطالبون بإسقاطه.. وقد حدث ذلك قبل عام من الآن.
ساحة النقاش