جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
نادر على طريقته .....
مات عبقري الرواية العربية " الطيب صالح " و نقل جثمانه إلى القبر محمولا على كواهل الرؤوس الكبيرة في السودان يتقدمها الفريق عمر حسن البشير، الذي أتى به انقلاب عسكري فاقد للعذرية السياسية فالتمس حصانة العفيفات في المسميات لا في الأصول، فسمى نفسه " ثورة الإنقاذ "، و لست أدري من أي الجوانب كان يعاني السودان الشقيق شبق الاستعمار، حتى ينقذه العسكر من براثنه.
و مما لا أشك فيه قيد أنملة هو أن المشير المفلس من كل البشائر و سمات الحسن، لو قرأ دومة ود حامد التي كتبها ذات يوم هذا الراحل الكبير، و فهمها و قدرها حق قدرها العظيم، لما اقترف في حق السودان الشقيق كل تلك الجرائم و الآثام و الرزايا التي توجت نفسها بانشطار الوطن الواحد إلى دولتين، شمالية للعرب و جنوبية للزنوج الأفارقة، دون أن يجلب ذلك التقسيم أية فائدة تعم الجميع، لأن الجنرال الرمادي تربي منذ نعومة أظفاره على أغنية الكل أو اللاشيء، بدل تقاسم المغانم و المغارم، و لهذا أراد دارفور خالصة للجنجويد بأرضها و سمائها و خيرات باطنها، مع أن الأمر كان يسمح بتقاسم الخيرات بين الضيوف و أهل البيت دون توتر يذكر.
الطيب صالح بالنسبة لي سقف لا يمكن بلوغه إلا بشق الأنفس، لأن بريقه يزداد بزيادة السنين التي تفصلنا عن رحيله، و لست أدري أيَّ حجاب غيب هذا الذي فتقه القدر ليدخل عبره العبقري و يخرج إلينا برائعته الروائية " منسي : إنسان نادر على طريقته "، لأن توصيف شخصية المنسي على لسان مبدعها لا تخلو من إسقاطات تنطبق في مجملها على جبل " قاف " الماكث على صدر الخرطوم لا تهزه ريح، منذ 1989 إلى يوم الناس هذا.
يقول الطيب صالح في وصفه لشخصية المنسي : رجل قطع رحلة الحياة القصيرة وثبا، و شغل مساحة أكبر مما كان متاحا له، و أحدث في حدود العالم الذي تحرك فيه ضوضاء عظيمة، حمل عدة أسماء، و مثل على مسارح الحياة عدة أدوار، حمالا و ممرضا و مدرسا و ممثلا و مترجما و كاتبا و أستاذا جامعيا و رجل أعمال و مهرجا...و كم أمتعتنا النوادر العربية تهريجا.
كاتبنا الذي أضحى واحدا من أولئك الأسلاف في مراقدهم النائية، ينبعث من رماده من حين إلى آخر ليعلم الأدعياء و الحمقى و الأغبياء ما معنى وطن و ما معنى أن يتحول حادي الثيران إلى سيد مطلق السلطان يأمر و ينهي و يقرر مصير الأحرار و العبيد على حد سواء.
المنسي جاء من قلب الظلام السوداني لينير طريق الحائرين و ينشر الضوء في كل الطرقات، و يخلص الناس من الهلوسات التي لا تعني أي شيء و لا تحمل أي فكرة، و ينقذ الوطن من الهواة الذين يدخلون غمار السياسة بنفس المؤهلات التي يملأون بها ورقة اليانصيب، و عندما ينكشف زيفهم تضج الدنيا بنباحهم المليء بعبارات لا يكتبها إلا أدباء تافهون داخل نصوص الشر التي يؤلفونها.
إن الوهم لا يصنعه الواهمون بالضرورة، فقد يؤسس له المحيطون بهم بفعل الشحن المستمر مع أن بطارياتهم الإبداعية خالية من أية طاقة أو قدرة أو فولط يولد التيار و يشل عزم الكمون.
النصوص العظيمة لا تنتجها دردشة في حوش أو شارع مظلم، و الإيقونات لا تنجبها عبارات إعجاب مستهترة على موقع تواصل اجتماعي، و الخلود يصنعه عمق الموهبة لا سطحية انعدام المواهب، و ملايين المحبطين الذين يعيشون على حافة الشقاء الإبداعي ظمآى لإشارات الإعجاب و تعليقات المجاملة و النفاق، في غياب أي بشائر للفرح وسط حياة ماضية في توفير التعاسة يوما بعد يوم، بفضل الحروب و الديكتاتوريات المغرمة بفرم الشعوب حتى النهاية، و لا يبقى منها إلا النسخ المشوهة عن المنسي النادر على طريقته.
الطيب صالح بالنسبة لي سقف لا يمكن بلوغه إلا بشق الأنفس، لأن بريقه يزداد بزيادة السنين التي تفصلنا عن رحيله، و لست أدري أيَّ حجاب غيب هذا الذي فتقه القدر ليدخل عبره العبقري و يخرج إلينا برائعته الروائية " منسي : إنسان نادر على طريقته "، لأن توصيف شخصية المنسي على لسان مبدعها لا تخلو من إسقاطات تنطبق في مجملها على جبل " قاف " الماكث على صدر الخرطوم لا تهزه ريح، منذ 1989 إلى يوم الناس هذا.
يقول الطيب صالح في وصفه لشخصية المنسي : رجل قطع رحلة الحياة القصيرة وثبا، و شغل مساحة أكبر مما كان متاحا له، و أحدث في حدود العالم الذي تحرك فيه ضوضاء عظيمة، حمل عدة أسماء، و مثل على مسارح الحياة عدة أدوار، حمالا و ممرضا و مدرسا و ممثلا و مترجما و كاتبا و أستاذا جامعيا و رجل أعمال و مهرجا...و كم أمتعتنا النوادر العربية تهريجا.
كاتبنا الذي أضحى واحدا من أولئك الأسلاف في مراقدهم النائية، ينبعث من رماده من حين إلى آخر ليعلم الأدعياء و الحمقى و الأغبياء ما معنى وطن و ما معنى أن يتحول حادي الثيران إلى سيد مطلق السلطان يأمر و ينهي و يقرر مصير الأحرار و العبيد على حد سواء.
المنسي جاء من قلب الظلام السوداني لينير طريق الحائرين و ينشر الضوء في كل الطرقات، و يخلص الناس من الهلوسات التي لا تعني أي شيء و لا تحمل أي فكرة، و ينقذ الوطن من الهواة الذين يدخلون غمار السياسة بنفس المؤهلات التي يملأون بها ورقة اليانصيب، و عندما ينكشف زيفهم تضج الدنيا بنباحهم المليء بعبارات لا يكتبها إلا أدباء تافهون داخل نصوص الشر التي يؤلفونها.
إن الوهم لا يصنعه الواهمون بالضرورة، فقد يؤسس له المحيطون بهم بفعل الشحن المستمر مع أن بطارياتهم الإبداعية خالية من أية طاقة أو قدرة أو فولط يولد التيار و يشل عزم الكمون.
النصوص العظيمة لا تنتجها دردشة في حوش أو شارع مظلم، و الإيقونات لا تنجبها عبارات إعجاب مستهترة على موقع تواصل اجتماعي، و الخلود يصنعه عمق الموهبة لا سطحية انعدام المواهب، و ملايين المحبطين الذين يعيشون على حافة الشقاء الإبداعي ظمآى لإشارات الإعجاب و تعليقات المجاملة و النفاق، في غياب أي بشائر للفرح وسط حياة ماضية في توفير التعاسة يوما بعد يوم، بفضل الحروب و الديكتاتوريات المغرمة بفرم الشعوب حتى النهاية، و لا يبقى منها إلا النسخ المشوهة عن المنسي النادر على طريقته.
بقلم الأستاذ سمير فضل
ساحة النقاش