عاد هولاكو السفاح بوجه جديد وعاد لويس التاسع الأسير المهزوم بثوب جديد وعاد ريتشارد قلب الأسد بقلب غير القلب الذي كان يحمله . أجل عادوا جميعا بوجوه جديدة وثياب جديدة وقلوب جديدة لاقتسام غنيمة ظلوا يحلمون بها على الدوام . ورغم أن هولاكو عاث فسادا في العالم الاسلامي ثم لتسقط بغداد على يديه فتجري الدماء أنهارا فان هولاكو هذا لم يشبع من غنائمه ولم يرتو من ضحاياه فعاد من جديد وهو المغولي الوثني الى بغداد ليبطش مرة أخرى . ليس من الضروري أن يكون هو هولاكو نفسه ذلك أنه شبع موتا منذ زمن بعيد ملعونا من التاريخ والأجيال الا أن أشباهه كثيرون يحذون حذوه ويسيرون سيرته . أما الصليبي لويس التاسع ملك فرنسا الذي هزم شر هزيمة هناك في دمياط على أيدي المصريين ثم أدخل السجن ليذوق المهانة ، ثم ليطلق سراحه بفدية عظيمة فان أحفاده ظلوا يتطلعون الى اعادة الكرة التي فشل هو فيها فدخلوا مصر في عهد نابليون ليذوقوا الهزيمة بعد احتلال لم يدم سوى سنوات ثلاث . ولم تمض ثلاثة عقود حتى اقتحموا أرض الجزائر فكانت وبالا عليهم لأكثر من قرن ، وبذلوا جهودهم لطمس الهوية العربية الاسلامية غير أنهم اعترفوا آخر الأمر بفشلهم وليرحلوا بجيشهم وأسلحتهم ملعونين مدحورين . وكانت ثورة الجزائر صاحبة المليون شهيد بحق أسطورة في النضال والتحدي والصمود . أما ريتشارد قلب الأسد ملك انكلترا الذي أغار على فلسطين بحربه الصليبية القذرة في عهد صلاح الدين الأيوبي فان بيت المقدس لفظه فانسحب بوجه حزين تأكل قلبه المرارة .غير أن أحفاده وبني جلدته الذين تأسست لهم امبراطورية عظمى فيما بعد لم يتناسوا هزيمتهم من قبل ليدخلوا في حرب استعمارية غايتها احتلال الأوطان ونهب ثرواتها . وهكذا أصبحت مصر وفلسطين والعراق تحت قبضة الغول البريطاني صاحب اليد الطولى في المستعمرات . الا أن المعركة لم تنته فقد ظهرت ثورات مضادة في هذه الأقطار متمثلة بثورة 9 1 9 1 في مصر التي قادها الزعيم الوطني سعد زغلول ، ومن قبل كانت ثورة أحمد عرابي . وفي العراق كانت ثورة العشرين التي أعطت درسا قاسيا للبريطانيين بأن الشعوب تتطلع الى الحرية دائما . أما في فلسطين فكانت ثورة عز الدين القسام عام 6 3 9 1 وما أن مضت السنون حتى تحررت مصر بثورتها عام 2 5 9 1 والعراق بثورته عام 8 5 9 1 غير أن فلسطين نكبت في عام 8 4 9 1 لأسباب متعددة ، وكانت نكبتها ايذانا باحتلال صهيوني بعد أن مهدت له بريطانيا لسنين طويلة فاتحة أبواب الهجرة ليهود العالم نحو الأرض المقدسة، وبدأت صفحة جديدة من الصراع لتبدو نهايتها متشابكة معقدة لعل السنين القادمة تكشف طياتها .
بقلم ناجح صالح
ساحة النقاش