عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو إمامة فقال له “يا أبا إمامة ما لي أراك جالسا في غير وقت صلاة؟” قال: هموم لزمتني وديون أثقلتني يا رسول الله، فقال: “ألا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك؟” .
قال: بلى يا رسول الله . قال: “قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال” .
قال أبو إمامة: فعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى ديني
قد يفهم البعض من هذا الحديث أن الإسلام يحث أتباعه على التواكل والسلبية ويدفعهم إلى مواجهة مصاعب الحياة بالأدعية وترديد كلمات وليس بأعمال فعلية . . لكن كل من يعرف الإسلام كما يقول د . محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر يدرك أن الإسلام دين الحياة الكريمة وهو دعوة إلى العمل الصالح الذي يثري الحياة، ويبعث في ربوعها النماء والازدهار
تلك هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي علمها لأبي إمامة وطالبه بتكرارها في الصباح وفي المساء يوقظ بها عقله ووجدانه ويغذي بها جسده حتى ينطلق من عقاله لتعطيه الحياة من خيراتها بمقدار ما يعطيها من إمكاناته، ويهبه الله من فضله ما يذهب بهمه ويقضي عنه دينه ويفرج كربه وهو القائل “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب”
ملاذ المكروبين
لكن . . ما الذي نستفيده من هذه الوصية النبوية الكريمة؟
يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر والداعية المعروف: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا دائماً بالالتجاء إلى الله نطلب منه العفو والرحمة ونطلب منه أن يزيل همومنا وأن يخلصنا من أحزاننا، وقد علمنا صلوات الله وسلامه عليه أن الدعاء والابتهال إلى الله دليل صدق إيمان، وكل إنسان لا يرفع يديه إلى السماء ويقول “يا رب” هو إنسان قاسي القلب، ليس لديه رحمة وليس بداخله ضمير حي، فالدعاء يزيل عن نفس المسلم صدأها ويغسلها من أدرانها، ويعيدها إلى صفائها ونقائها، ولذلك فإن كل إنسان مطالب بأن يكثر من ذكر الله في كل الأحوال وأن يتضرع إليه في أوقات اليسر وفي المحن والشدائد، والذين يلجأون إلى الله في أوقات الشدة فقط مخطئون، فعلى الإنسان أن يكون قريبا من خالقه في كل الظروف والأحوال
ويضيف: الدعاء يحقق للإنسان راحة نفسية حتى ولو لم تتحقق أمنياته ولم يجد استجابة لدعواته، لأنه بدعائه يشكو همومه ومتاعبه لخالقه، فكأن هناك حواراً بين الإنسان وخالقه في لحظات الدعاء، ولذلك يرى بعض أطباء النفس أن مجرد الدعاء يحقق للإنسان راحة نفسية، وإذا كان الدعاء في الظروف الطبيعية مطلوباً ومحبباً إلى النفس طمعاً في عفو الله وغفرانه وطمعاً في المزيد من الرخاء والنعيم والبركات في الدنيا والآخرة، فإنه في أوقات الشدة والظروف الصعبة أكثر حاجة وإلحاحاً للمسلم، فهو ملاذ لكل مكروب وأمل لكل خائف، وراحة لكل مضطرب، به يجأر الإنسان إلى خالقه عندما تشتد الكروب وتنقطع الأسباب وتعجز الحيل، فيشعر الإنسان في هذه الظروف بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية
ويوضح د . مبروك عطية أن المسلم مطالب بالأمر الإلهي بأن يدعو ربه وأن يخلص في دعائه حتى يكون محلاً للقبول، فالقرآن الكريم يقول: “ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين . ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين” ويقول: “وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين” . ويقول: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” . فهذه الآيات الكريمة تحمل دعوات من الله تعالى لعباده أن يكثروا من الدعاء وأن يخلصوا فيه، وأن يلتزموا بالآداب والأخلاقيات التي تجعل دعواتهم محلا للقبول والإجابة من الخالق القادر الواهب
اللجوء إلى الله
د .عبلة الكحلاوي الداعية الإسلامية الشهيرة وأستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر تقول: ما أجمل وأروع أن يلجأ الإنسان إلى خالقه يطلب عونه وعفوه ورحمته، ما أحلى أن يكون المسلم قريبا من خالقه يناجيه بخشوع ويبتهل إليه بتضرع وينشد دعمه وعونه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرنا بأن الدعاء هو أكرم شيء على الله ويقول في الحديث الشريف “من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ولا يرد القضاء إلا الدعاء فعليكم بالدعاء”
والإنسان الذي لا يسأل ربه كما تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي هو إنسان قاسي القلب يجلب لنفسه بهذه القسوة والجحود غضب الله وعقابه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ''من لم يسأل الله يغضب عليه'' . فالدعاء عبادة، والانصراف عنه جحود وقسوة وعصيان وتمرد . والدعاء لون من ألوان ذكر الله والتقرب إليه وذكر الله هو طب النفوس ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها، به تطمئن القلوب، وتنفرج الكروب، وتغسل المعاصي والذنوب، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الإنسان الذاكر لخالقه القريب منه بالدعاء يجد كل ما يسره ويسعده، فالله سبحانه وتعالى يقول كما جاء في الحديث القدسي: “أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة” . وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نلجأ إلى الله عندما تضيق بنا الدنيا ونواجه عوارض الحياة، كالشدائد، والغضب، والكروب، والديون، وعسر المعيشة، وغير ذلك من الأمور الشاقة على النفس والتي يتعرض لها الإنسان في حياته . ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لحق به شيء من ذلك لجأ إلى الله تعالى بالتضرع والدعاء، واتخاذ الوسائل المشروعة لدفع الشدائد والبلاء . وهذه بعض الدعوات التي أوصانا رسول الله بترديدها في مثل هذه الأحوال:
** عند الكروب والشدائد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكروب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) . وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) . ومن أقواله أيضا في هذه الظروف: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث” . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أعلم كلمة، لا يقولها المكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخي يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”) . وقال الصحابي الجليل أبوهريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: (سبحان الله العظيم) وإذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم)
** عند تكاثر الديون وتعسر المعيشة قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يمنع أحدكم إذا عسر عليه أمر معيشته أن يقول إذا خرج من بيته: (بسم الله على نفسي وعلى مالي وديني، اللهم رضني بقضائك وبارك لي في ما قدرت حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت)
|