التباكي على العربية
.. هل هو المنهج السليم للدفاع عنها؟
- إعداد د. صالح هويدي
لا ريب في أن اللغة العربية تواجه اليوم تحدياً غير مسبوق في زمن العولمة الذي نعيشه. وقد سبق للغتنا أن واجهت مثل هذه التحديات التي تبرز اليوم، من جراء الاحتكاك الحضاري المتزايد بين اللغات
ويرجع سبب بقاء العربية وتأثيرها في عدد من اللغات، إلى ما تتمتع به من مزايا ذاتية كالحيوية والمرونة، فضلاً عن كونها كانت يوماً لغة العلم والفكر والتقدم في العالم كله
حيث كان الناس يضطرون لتعلمها؛ لأنها وسيلتهم لاكتساب العلوم في مراكزنا الحضارية التي كانت أشبه ما تكون بجامعات الغرب التي نقصدها، لتلقي العلم اليوم
وها نحن اليوم، ندلق الأحبار المعبرة عن الفزع على العربية ومصيرها، ونشن الهجوم على الغرب والعولمة التي كانت ثقافتها الرقمية وثورتها المعلوماتية العابرة للقارات السبب في تهديد ثقافتنا وكياننا جميعاً
وهو أمر لا يعبر إلا عن جهلنا بما يحدث، وقصورنا عن امتلاك الرؤية العلمية التي تظهرنا للعالم، وكأننا أمة من ورق وثقافة آيلة للانقراض
لقد تجاهل كثيرون فضائل الثورة التقنية على اللغة، حين رأوا ما تواضع عليه الشباب العربي اليوم من لغة كتابة، على شبكات (الإنترنت والفيس بوك والماسنجر) ذاهبين إلى أنه سيؤدي إلى زوال العربية والهوية الثقافية
وهي مبالغة في غير محلها. فهذه الرموز، لا تستعمل إلا في نطاق غرضها الضيق، وأن الشاب، إذا ما أراد الكتابة، في المدرسة أو الجامعة أو المؤسسات المختلفة، فإنه سيعود إلى الكتابة بلغته التي لن يقبل أحد منا بديلاً عنها
لقد بات معروفاً أن لغتنا اليوم، لا تتجاوز نسبتها على شبكة الإنترنت 1 في المئة، كلغة محتوى رقمي. وأن ما يتصدر اللغات اليوم، هي: الإنجليزية، ثم اليابانية، فالألمانية، فالصينية، فالفرنسية، فالإسبانية، فالروسية، فالإيطالية، فالبرتغالية فالكورية
أما أسباب تدهور حال العربية، فيعود إلى بواعث لا علاقة لها بكل هذه المظاهر. فاللغة ببساطة، كائن حي، يحيا ويزدهر بازدهار العلوم والمعارف والفنون والآداب، وأنها تتقدم وتتأخر، بما يبلغه الناطقون بها من رقي فكري وتقدم حضاري. ومن ثم فتطور اللغة جزء لا يتجزأ، من تطور المجتمع
فما حظنا من التطور في مجتمع اليوم؟ وما حجم استخدام العربية بين لغات العالم؟ وهل نتعامل مع لغتنا، بالاحترام اللائق بها في بلادنا، قياساً باللغات الأجنبية؟ كيف ندرّسها في مناهجنا المدرسية والجامعية؟
وهل ثقلنا الاقتصادي والعلمي يؤهل هذه اللغة اليوم للانتشار واحتلال الموقع الذي يليق بها؟ ما حجم المواقع الإلكترونية والبوابات ومحركات البحث، وبرامج التدقيق الإملائي والنحوي، وبرامج تعليم العربية للناطقين بغير العربية، وبرامج الترجمة والقراءة الآلية للنصوص، التي ابتكرناها؟
لقد تمكّنت منا (عقدة الخواجة)، والشعور بالدونية، في استخدام الإنجليزية في العلوم والمعارف والفنون، في مدارسنا وجامعاتنا، لم تكن لتتطلب كل هذه المبالغة، مع إقرارنا بأهمية الإنجليزية ودورها الراهن. فكيف لنا بعد ذلك أن نسأل عن شروط المواجهة، وقد أتقنا التفريط في لغتنا الجميلة؟
إن مستقبل اللغة مرهون بحال أهلها وتقدمهم، مثلما هو مرهون بالإرادة السياسية، والتوسع في نشرها، وإعداد الطلبة والمعلمين إعداداً علمياً سليماً، وتيسير تعلمها، وإصلاح مناهجها
وتخلي مجامع اللغة العربية عن آلياتها البطيئة، والنظر إليها نظرة حية، مع تطوير الأنظمة والبرمجيات التقنية. ينبغي للعربية أن تصبح لغة منتجة للعلم والمعرفة، لتعود لها مكانتها التي كانت لها، فلا تذوب في سواها، ولا تتراجع