في سفر الموت
ركنٌ صغير
كان حظه الأوفر بشئٍ من نور النافذة المطلة عليه .
تحت السلم الحجري المؤدية إلى سطح منزل بجوار الشارع.
انتهى بمشوارها المطاف
أرضه الصلبة احتضنتْ ساقا أم أسعد التي سقطتْ من جسدها عنوة ً.
حاولت قدر المستطاع أن تفرض سيطرتها عليهما،لكن عبثًا فعلتْ لم تستطع أن تصرخ وجعها بأعلى م̷ـن صوتٍ هامس خرج من ثغرها رغمًا عنها
كي لا توقظ رضيعتها الخالدة لنومٍ عميق في حضنها .
منذ مدة وهي غافية بعد أن أنهكها البكاء من شدة الصقيع والجوع والضجيج و قلقلة المسير .
أمي ...
صرخ هادي
ابن الخامسة مرعوباً على أمه بيده يمسك منذ بداية الطريق قطقة قماش متهدلة م̷ن ثوبها مازالت عالقة به لم تنفصل بعد .
وبيده الأخرى يمسك واحدة من حذائه الذي أكل جوع ُالطريق ونهمُ المسافة له نعله .
وما كان هادي ليتركه أبدا .
آثر حمله بيده وضمه إلى حضنه لربما غاب عنه أنه حذاؤه وليس دميته ، وارتداء الأخرى بقدمه حتى بدت قدمه العارية اكثر وسخًا وأكبر حجمًا م̷ـن نظيرتها .
لا تخف بني تعالى معي
أجابته أمه.
ما كانت أم أسعد لتستطيع مساعدة ركبتيها بلمسة حنان ٍ حتى
بل كلفتهما عبئاًجديداً.
هي مضطرة الأن للزحف إلى الحائط المقابل طمعًا ببعض الدفء لولديها من المدفأة التي تنفث دخانها في أعلاه.
زحفت على ركبتيها اللتين خطتا
أثرا أحمر خلفها من نريف ارتطامها بالأرض القاسية .
هذه الأمتار القليلة التي تفصلها عن الجدار بالنسبة لأم أسعد تعادل الأميال التي قطعتها هرباً من حرب ضربت أضنابها في بلادها وحطت أوزارها فيها
زوجها أبو أسعد مات أمام عينها عندما سقطت عليه جدار المنزل لحظة إنفجار لعين .
وسِيق ابنها أسعد ابن الخمسة عشر عامًا إلى حيث لا تدري أين .
بعد أن قيده غرباء ولثموه وكبلوا يديه خلف ظهره .
هامت على وجهها في طول البلاد وعرضها قاصدة النجاة بطفليها
وساعدها القدر بأن أغفل عنها عيون الغدر
مشتْ ومشتْ ومشت
تاركةً حربًا وأهلاً وبلداً
قاطعةً أرضًا وحدودًا
وأين هي الأن؟؟
إنها حقًا لا تعلم
أسندت ظهرها الذي التوى الإ قليلاً
علي الحائط خلفها .
واجلستْ صغيرها هادي على قدميها
هادي الذي أخذ يبكي بصمت دون صوت وهو يمسح الدم عن قدمي أمه بقطعةً م̷ن سروالها الممزق
ضمت أم أسعد ابنتها الى حضنها أكثر فأكثر
وهي تغني لها كما اعتادت أن تفعل رغم أن صغيرتها تغطُ في نوم عميق .
وراحت تربت لها بيدها
تضمها أكثر إلى حضنها وتلصق وجهها بوجه الصغيرة تريد أن تعطيها أنفاسها الدافئة كي تقتل صقيعاً سكن في جسدها .
أم أسعد رغم الملابس البالية تحس بجسدالصغيرة قطعة من الجليد في حضنها
أخذت تزيد م̷ن ضمها وربتاتها تزداد عنفًا بالتدريج .
هادي الذي أخذ يراقب أمه عن كثب وبإهتمام أكثر يدفعه للتحديق بها أعمق، بدا يبكي ولكن بصوت مرتفع الأن خوفاً واستغراباً.
أخذت ربتات الأم شكلًا عنيفاً
هي الأن تلطمها لطماً موجعًا
هذا ما أخاف هادي الذي أنفجر بكاءً خوفاً م̷ن أمه وعليها وعلى أخته الرضيعة الصغيرة. خوفه هذا هو ما دفعه للصراخ قائلاً :
أمي أمي أرجوك
أنت توجعين أختي قد توقظيها
أمي ي ي ي
أجابته أمه بحرقةٍ يقتلها كبرياءُ صبر ورباطةُ جأش .
لا يا بني
لا تخفْ
الميت
لا يستيقظ ابداً
الميت لا يتوجع 😭
نرجس عمران
سوريا