بقلمي / محمد البنا
Mohamed Elbanna" المخـــزن "
لا يزال عم عبده يحمل بيده براد الماء المغلي ، وعلى كتفه صينيةً معدنية تحتضن عددًا من الأكواب البلاستيكية ، يقطع المسافة بين مدخل العربة وبين مقعدي في سرعةٍ خاطفة ، استوقفه بإشارةٍ من يدي ، ألمح تنهيدة إرتياح تحفر طريقها في آخاديد وجهه ، وهو يزيح بكتفه الآخر الرجل الذي يجاوره ، ويُفسحُ لصينيته مكانًا
- سكرك إيه يا بيه ؟
لم أكلف نفسي عناء تحريك شفتيّ ، وأكتفيت بإنفراجةٍ بين أصبعيّ .
إلى هنا ينتهى المشهد ، ليعاد مراتٍ ومرات ، فلا هو صب الماء الساخن في الكوب ، ولا أنا تمكنت من مد يدي لأتناوله ، وقتئذ بالطبع لم أكن أعرف إسمه ، فما كان إلا بائعًا للشاي ، يدلف للقطار عندما يتوقف لدقائق في محطة بني سويف ، ويغادره عندما يتوقف لدقيقتين في محطة الواسطى ، وهو أيضًا لم يكن يعرفني ، بل ولم يكن ليهتم بمعرفتي ، فما أنا في معتقده البسيط إلا زبونًا أرسله الله له بما قدّره من رزق ، ولكن تلازمنا الطويل نسبيًا في تأدية ذلك المشهد ، ألقى بظلال الألفة بيننا ، حاول كثيرًا أن يملأ الكوب ، وحاولت جاهدًا أن أرفع يدي ، ودائمًا نفشل لنبدأ من جديد ، بينما الرجل الذي يجاوره لا يزال يجاوره ، وآخرون جالسون في مقاعدهم كأنهم موتى ، والعربة المهشمة من أثر الإنفجار ، لا تزال مُلقاة في مخزنٍ للنفايات .