الموقـــــع الرسمــــى الخاص بالبــــاحــــثه / أسمـــــاء محمـــــد الكيــــــلانى

موقـــــــــع متخصـــص فى علـــــوم التـــــاريخ العــــــام

ندرس الحضارة الإسلامية لماذا ؟

ندرس الحضارة الإسلامية للأسباب الآتية:ـ

1- الحاجة إلى هوية وتأصيل، فلزاما علينا الالتفات إلى حضارتنا وتراثنا وثقافتنا وعقيدتنا وتقاليدنا، وكما هو معلوم أن الحضارة ذات المصدر الإلهي تكون دائمة الجمع للإنسانية على الطريق القويم ، وخير من يمثل ذلك الأمة الإسلامية التي نشأت على تلك الحضارة الجامعة ويمكنها أن تجمع الإنسانية من جديد وخير شاهد يثبت لنا صدق ما قلناه قوله تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الشورى: 13.

   2 - تعتبر مبادئ الإسلام المنقذ للبشرية مما هي عليه من حال وصلت إليه ،وذلك لحيويتها واستقامتها وسموها الذي يتمثل في :

       أ - حضارة تقوم باسم الله بأسلوب إنساني وعمل بشري.

       ب - نظام يبنى على القيم العليا والحق والخير والجمال.

       جـ - حضارة البقاء والدوام والأصالة.

       د - حضارة متفتحة تقبل كل الثمرات الروحية والعقلية والمادية لعناصر كل حضارة صحيحة، وهذا هو سر تجددها.

       هـ - حضارة اليسر لا العسر.

       و - حضارة عالمية إنسانية تبنى على وحدة الشعوب ،لا تفرق بين جنس وجنس ،ولون وآخر.

       ز - حضارة الحرية في العقيدة والعبادة.

      ح - حضارة العلم وحب المعرفة والحكمة.

 3 - إظهار جهود المسلمين العلمية والثقافية والحضارية، تلك التي كان لها الفضل الأول على البشرية والإنسانية، والتي كانت غايتهم وهدفهم العلمي إسعاد البشرية وسلام الإنسانية.

   4 - لدراسة العوامل الحضارية والمؤثرة في حركة التاريخ البشري والحضاري ،للاستفادة من الإيجابيات وتجنب السلبيات.

   5 ـ دراسة التحديات الحضارية وأثرها ومستقبلها على الإنسان وما تحتاجه منها البشرية وما ترفضه.

 تعريف الحضارة:

الحضارة في اللغة العربية من الفعل "حضر" على وزن قعد، و"الحضارة "بفتح الحاء وكسرها :سكون الحضر، والحضر والحضُرة والحاضرة: خلاف البادية، وهى المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار.(المصباح المنير ولسان العرب مادة "حضر") وبذلك أخذت هذه الكلمة العربية دلالة مكانية ،وتطورت إلى الإقامة في الحضر، وأنها لا تظهر إلا في المدن والقرى وهي غاية العمران وتتصل بالتفنن بالترف والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه.(مقدمة ابن خلدون،ص168)

 التعريف الاصطلاحي للحضارة:

لم يتفق الباحثون في التاريخ، ولا علماء الاجتماع والحضارة، على تعريف معين للحضارة، وسنقدم عرضاً موجزاً للتعريفات ذات الصلة بالحضارة وباتجاهاتها المختلفة وبالشكل الآتي:ـ

   الاتجاه الأول:

    وهو الاتجاه العام،الذي يعرف الحضارة بأنها جهد البشر في شتى الميادين ويجعلها شاملة ومحيطة بكثير من جوانب الحياة

ويعرف

1ـ الدكتور محمد محمد حسين الحضارة بأنها كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ونواحيه،عقلاً،وخلقاً ـ مادة ـ وروحاً ـ دنيا ـ وديناً (الإسلام والحضارة الغربية،ص4).

2 ـ الدكتور أحمد شلبي الحضارة بأنها الإنجازات التي تُحقق للبشرية أو حققتها البشرية من خلق وسلوك ومعارف(الحضارة الإسلامية 1/20).

3 ـ الدكتور حسين مؤنس الحضارة هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته، سواء أكانت الثمرة مادية أم معنوية(الحضارة،ص13).

  الاتجاه الثاني:

وهو الاتجاه الإنساني،أو الروحي، أي الذي يبحث في حضارة الإنسان  نفسه،داخلياً،وعقلياً،وسلوكياً،وخلقياً،فهو يقيم الإنسان نفسه .

 ويعرّف :

1- مالك بن نبي الحضارة،هي البحث الفكري والبحث الروحي(شروط النهضة،ص33).

2- أبو الأعلى المودودي الحضارة،هي تصور سليم للحياة الدنيا وغايتها في نظام اجتماعي،يقود الإنسان إلى الرقى والإخاء والأمان ( الحضارة الإسلامية ،ص4).

3- سيد قطب الحضارة،هي ما تعطيه للبشرية من تصورات ومفاهيم ومبادئ وقيم تصلح لقيادة البشرية،وتسمح لها بالنمو و الترقي الحقيقيين،النمو والترقي للعنصر الإنساني وللقيم الإنسانية وللحياة الإنسانية(المستقبل لهذا الدين،ص56).

4- الدكتور عفت الشرقاوي الحضارة،هي التراث التاريخي المتمثل في العقائد والقيم التي ترسمها للحياة غاية مثلى ومغزى روحياً عميقاً،متعالياً على متناقضات الزمان والمكان(فلسفة الحضارة الإسلامية،ص18).

 الاتجاه الثالث:

  يتناول الجانب المترف من النشاط البشري وبذلك يشكل الاتجاه المنظور،أو المستقرأ،ويعرف ابن خلدون من خلاله الحضارة، هي التفنن في الترف، واستجادة أحواله،والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه،من الصنائع المهيأة للمطابخ،أو الملابس،أو المباني،أو الفرش،أو الأواني،ولسائر أحوال المنزل، ويلزم لهذا التأنق صناعات كثيرة(مقدمة ابن خلدون2/876).

 صلة الحضارة بالمفهوم الإسلامي:

مما لاشك فيه أن نظرة الإسلام الحضارية تتسم بتميزها لقيامها على القيم والخصائص الإنسانية العليا،وذلك لأن المجتمع الإنساني يبنى على العقيدة،لا على الجنس أو اللون،والتعريف الإسلامي للحضارة،خلاصته القيم والأخلاق والعقيدة الخلاقة والخصائص الإنسانية العليا التي ينفرد بها الإنسان عن غيره من المخلوقات الأخرى،وتكون دافعاً له إلى تسخير ما خلق الله فيما أمر به ،لأن إنسانية الإنسان هي قيمته العليا في الحياة،فيجب أن تكون موضع التكريم والاحترام،وعقيدته هي ميزاته وقوته الدافعة وقانونه في نفسه ومجتمعه،فيجب أن تكون موضع النظر والاعتبار،وتصرفه في المادة التي هي من نعم الله يجب أن يكون على شكل يحقق الإفادة والنفع والهداية والشكر لواهب هذا الفضل و الإحسان،عندئذ يكون الإنسان متحضراً راقياً،مشيداً لصرح من الاستقرار والسعادة والتقدم(الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية،ص40).

وهذا بدوره يشير إلى لابد من تظافر جانبين يتم توظيفهما بالشكل الصحيح ،وخير صورة يقدمها كتاب الله العزيز من خلال وصفه لمجتمعات هيمنة عليها القيم المادية والتي كانت وبالاً عليها (أتبنون بكل ريع آية تعبثون،وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون،وإذا بطشتم بطشتم جبارين،فاتقوا الله وأطيعون،واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون،أمدكم بأنعام وبنين،وجنات وعيون،إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) الشعراء128ـ136. (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) غافر 82ـ85.

 الدورات الحضارية للتاريخ:

نظرية الدورات الحضارية هي إحدى النظريات التي قال بها كثير من فلاسفة التاريخ،وكان رائدهم في القول بها ابن خلدون،وتقوم على القول بأن التاريخ  يعيد نفسه في دورات حضارية،وليس بالضرورة أن تتشابه تلك الدورات في الشكل والمظهر،أو التفكير والثقافة،وإن كان يجري على كل منها الصعود والهبوط والانتكاس والتقدم.

 بعد تأمل ابن خلدون لطبيعة الدول وأصول العمران البشري خرج بتصور أن الحضارة تتعاقب في الأمم على أربعة أطوار :

 الأول : طور البداوة.

 الثاني : التحضر .

الثالث : الترف .

  الرابع : التدهور .

ويسمي ابن خلدون هذه الأطوار الأربعة: بانياً،ومباشراً له،ومقلداً،وهادماً،وفي هذا يقول : إن عمر الدولة كعمر الأشخاص، وهو في الغالب لا يعدو ثلاثة أجيال.

الجيل الأول: لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والاشتراك في المجد ،فلا تزال بذلك صورة العصبية محفوظة فيهم ،وجانبهم مرهوب،والناس لهم مغلوبون.

الجيل الثاني :تحول حالهم بالملك والترف من البداوة إلى الحضارة ، ومن الشظف إلى الترف والخصب ، ومن الاشتراك بالمجد إلى انفراد الواحد به، وكسل الباقين عن السعي فيه.

الجيل الثالث: ينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر ، ويبلغ فيهم الترف غايته ،فيصيرون عيالاً على الدولة ، ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم ،ويلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحسن الثقافة يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها ،حتى يأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت(مقدمة ابن خلدون 2/486)،ثم تأتي أخرى غيرها ويجري عليها ما جرى على التي قبلها وهكذا ....

المفهوم الحضاري في الإسلام أسسه ومظاهره:

 أولاً - التصور الإسلامي للكون :

تقر البشرية بوجود مدبر لهذا الكون العجيب ،حسبما ورد في قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) الرعد15 .

ويقدم التصور الإسلامي أن كل هذا الموجود هو من خلق الله تعالى ، والذي أودعه قوانينه التي يعمل ويتحرك وفقها وبتناسق حركة أجزائه فيما بينها (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار،وكل في فلك يسبحون) يس40.

وبحركة محسوبة ومقدرة تقديراً دقيقاً(وخلق كل شيء فقدره تقديرا) الفرقان2.

ويثير العقل عدة أسئلة حول هل الإسلام متفق مع العلم روحاً ومنهجاً ، وما هو مبلغ هذا الاتفاق ومظاهره؟ وإذا كان العلم الحديث قد توصل في مجالات شتى إلى تكوين صورة معينة بل ملموسة عن هذا الكون ، كما أثبت قدرة الإنسان على تسخير كثير من القوى في الكون وتطويعها لمنفعته، فإلى أي حد تكون نظرة الإسلام إلى هذا المجال، والمتأمل في آيات الكتاب العزيز وفق نظرة متأنية فاحصة يجد فيها توجيه للعقل إلى استخدام منهج متكامل في البحث في الكون ، يتكون من الآتي:ـ

  1 - النظرة العلمية البحتة إلى الأشياء من خلال تحدي القرآن بالمنهج العلمي والحجة و الدليل كقوله تعالى ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة 170، (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) الأنعام 148، ( إن شَرَّ الدَّواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) الأنفال 22، وبهذا يتضح لنا أن القرآن الكريم يريد من الإنسان أن لا يخطو خطوة إلا بالعلم،وقد وهب الإنسان أدوات البحث والنظر، فيقول تعالى(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) الأنبياء 36،وكان ذلك بمثابة صيحة في وسط عالم كان يعبد الكواكب ويؤلهها، فحول الإسلام تلك النظرة غير الواقعية إلى نظرة واقعية علمية فقال لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) فصلت 37.

 2 - محاربة الدجل العلمي من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم والمتمثلة بالتنجيم والكهانة  والعقائد الباطلة والعرافة، واعتبر الكهان ليس بشيء(مختصر صحيح مسلم للمنذري رقم 494).

3 - عدم الربط بين الظواهر الطبيعية والعالم ،أي نفي الربط بين ظواهر الطبيعة وحركات العوالم ونفع الناس وضرهم،أو حياتهم وموتهم،فيوم وفاة إبراهيم بن رسول الله حدث كسوف الشمس فظنه الناس معجزة حدثت لوفاته،فرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفاه،وقال:إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته(مختصر صحيح مسلم للمنذري رقم 445).

4 - الإرشاد إلى المنهج الصحيح في المعرفة ومن ذلك رد القرآن على مؤلهة الكواكب،في اهتداء إبراهيم عليه السلام (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي،فلما أفل قال : لا أحب الآفلين،فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي ، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي هذا أكبر ، فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون .إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) الأنعام 75ــ79، إذا انطلق إبراهيم عليه السلام  من نظرة علمية في نظرته لها،كما أن من طبيعة القرآن أنه يقرر الأصول العامة للدلائل العقلية ، أما تفصيلاتها وكشف قوانينها وطرق استخدامها فهي وظيفة العقل البشري.

 خلق الكون:

تكلم القرآن عن أكوان وعوالم خلقها الله سبحانه وتعالى قبل أن يعرف الناس شيئا عن تلك الأكوان وهذه العوالم، وقبل ان توجد المراصد والتحليلات الرياضية وغير الرياضية،فأخبرنا في أول سورة من القرآن وفي أول آية منها بعد البسملة ( الحمد لله رب العالمين )،ثم جاء العصر الحديث فأظهر عوالم متعددة بجانبها عالمنا المشاهد وليس شيئا مذكورا،فهناك المجرات الهائلة المترامية الأطراف التي تعد بالملايين.

أما فيما يتصل بخلق السماوات والأرض ،فقد تكلم القران عنها وفصلها تفصيلا منبها العقول إلى الكثير من الحقائق التي يجب على الإنسان أن يبحثها،ليصل إلى:

  أ. معرفة قدرة الخالق وإنعامه.

  ب. الحقائق التي تسعى البشرية إلى معرفة أسرارها، ولتشبع رغبتها المتطلعة الى معرفة المجهول( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين،وجعل فيها رواسي من فوقها،وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين،ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً،قالتا :أتينا طائعين،فقضاهن سبع سموات في يومين،وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً،ذلك تقدير العزيز العليم) فصلت 9ـ12،واليوم في الآية الكريمة عبارة عن حقبة من الزمان وهذه لا يستطيع أن يحدد مداها إلا العلم،وقد يقال :أن يومي خلق الأرض ،عبارة عن طور الانفصال من الشمس والانطفاء والبرودة التي أعقبها تكثف البخار السابح حولها،والطور الثاني:هو طور تجمد القشرة الأرضية،ويبقى طوران آخران عنتهما الآية بقولها( وجعل فيها رواسى من فوقها،وبارك فيها،وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام )أشار هنا إلى طور خلق الجبال،ثم طور إعداد الأرض للحياة،بخلق جميع العناصر اللازمة للحياة من هواء وماء وتربة، (وبارك فيها،وقدر فيها أقواتها) ،ولا بركة بغير ماء،ولا تقدير أقوات بغير خلق جميع العناصر اللازمة للزراعة والإعاشة والإنبات والنماء نباتيا وحيوانياً.ثم تكلم القرآن على خلق السماء بعد خلق الأرض(ثم استوى إلى السماء وهي دخان،فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً،قالتا أتينا طائعين)ومعنى ذلك أن السماء كانت سديمية حين انفصلت الأرض عن شمسها في اليوم الأول،أو الطور الأول من خلق الأرض،مصداقاً لقوله تعالى( أو لم يَرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) الأنبياء 30.

ويكتشف العلم في العصر الحديث أن السماء كانت يوماً دخاناً،ولا تزال كتل هائلة مما سماها الله دخاناً يشاهدها الفلكيون بمراقبهم المتطورة اليوم في السماء وإن تكتل داخل أكثرها نجوماً،ويسمونها في العصر الحديث سدما،سواء تكتل منها نجوم أو لم يتكتل بعد ( التفسير العلمي للآيات الكونية،ص 207 ).

ثم ذكر القرآن حول خلق الكواكب والنجوم ( تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ) الفرقان 61، ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) الأنبياء 33.

 ثانيا - المنهج الإسلامي في النظر إلى الكون

    نظر المنهج الإسلامي إلى الكون نظرة منطقية واقعية،فجعله مصدر الثقافة،ذلك شيء يقرره الواقع نفسه،فأبصارنا وأسماعنا تقع على هذا الكون وتتفاعل معه بما أودع الله في الإنسان من عقل وسمع وبصر وحس( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) النحل 78،ولما كان الكون مصدر ثقافة الإنسان دعانا الله إلى النظر فيه والتفكير في آلائه ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض،وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) يونس 101،وبذلك تطلب الآية من الإنسان النظر إلى الكون بحاستين:الأولى ـ الحواس الظاهرة والثانية ـ الحواس الباطنة ،وهي القلب والفكر، إذاً فالنظرة الإسلامية تتكون من شيئين:

الأول ــ الإدراك الحسي :  ويتناول الرؤية العامة للأشياء ،ومظاهرها،و خواصها،وهيكلها،وما يؤثر فيها سلباً وإيجاباً،ومقاييسها،وكمها،وكيفها،وهذه الأشياء التي تكون مقدمة لتفكير واستجلاء المكنون منها،وتكون كالمادة بالنسبة لتكون الأشياء وإنشائها، ففي قوله تعالى:( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) الرعد2،( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) الرعد 4، فمشاهدة هذه الأشياء مادة لإعمال العقل واستجلاء ما وراء المشاهدة من أسرار.

الثاني ـ الإدراك العقلي : وهو الإدراك الباطني والفكري،وله خواص في استجلاء حقائق الأشياء،منها إدراك السببية بين الأشياء،إذ ترى في الكائنات ارتباط كل كائن بمسبب أحدثه،ويدرك بالعقل لا بالحواس الظاهرة، وهذا معيار فطرى من معايير العقل التي بدرك بها حقائق الأشياء في الكون،وقد قادنا القرآن إلى درس عملي مع إبراهيم عليه السلام وقومه،وكان ميدان هذا الدرس هو الكون بما فيه من نجومه وأقماره وشموسه( وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) الأنعام 75،وخلص إبراهيم عليه السلام من الدرس بأن هذه العوالم لا تملك من أمرها شيئا،فضلا عن أن تملكه لغيرها،وأن لها خالقا،وعلى الناس أن يتوجهوا إليه ( إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) الأنعام 79،ويوضح القرآن أمر السببية،ويصل بها الى الحياة المعيشية ،والمخالطة اليومية( أفرأيتم ما تحرثون،أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟...أفرأيتم الماء الذي تشربون،أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون؟...أفرأيتم النار التي تورون،أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون؟) الواقعة 63 ـ 72،والحقيقة التي يقررها القرآن،وهي أنها جميعاً من خلق الله تعالى.والحقائق التي يمكن الاستفادة منها من خلال هذه النظرة تتمثل بالآتي:ـ

الحقيقة الأولى ـ أن الأشياء خلقت لغاية وحكمة،ولم تأت باطلاً وعبثاً ( إن في خلق السموات واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب)  ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) الأنبياء 16،الدخان 38 (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) ص 27.

الحقيقة الثانية ـ هذه العوالم وهذا الخلق:متقن الصنع،متناسق المعالم،مكتمل الأجزاء،وثيق البنية ( صنع الله الذي أتقن كل شيء) النمل 88، ويظهر الإتقان في خصائص أربع : ـ

   أ - تمام النظام ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا،فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقصبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، متاعا لكم ولأنعامكم) عبس 24 ـ32،وجعل السماء ذات بناءً محكماً مزيناً منسقاً( هو الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا،وقدره منازل،لتعلموا عدد السنين والحساب) يونس 5، ويشير النص القرآني إلى إحكام متناسق بين السماء والأرض وإلى وحدة شاملة متعانقة ( إن في خلق السموات والأرض،واختلاف الليل والنهار،والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس،وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة،وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة 164، إذاً نجد في هذا نظاماً فريداً، يجمع بين دوران الأفلاك وجريان الفلك، ونزول الماء ووجود النماء، وبين تصريف الرياح وتسيير الدواب، وتسخير كل هذا النظام فريدا عجيبا يؤدى دورا في الحياة في إحكام وطاعة وانقياد.

  ب - دقة التقدير ( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) الحجر19 ،( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) الفرقان 2، ( سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى ) الأعلى 1ـ3، ( وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) الرعد8.

  جـ - شدة الإحكام إذ تسير النواميس في الكون بنظام متقن بعيد عن العصيان والتمرد والفوضى (ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين ) قصلت 11.

  د - اهتداء كل شيء إلى وجهته ( ربنا الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) طه 50 ، ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) النحل 68.

الحقيقة الثالثة ـ هذه المخلوقات خير نافع محمود الأثر في كل حال ( ويسبح الرعد بحمده ) الرعد 13،إن الرعد سبباً في إنزال الغيث وفي الحياة والنماء والجودة ثم انه يمزج كثيرا من الأوكسجين والنيتروجين ، ويصل هذا النيتروجين المركب إلى الحقول عن طريق المطر ، وتقدر الكمية التي تحصل عليها الحقول من هذا المركب بسهولة كل سنة ما يقرب من خمسة أرطال لكل فدان من الأرض ،وهى تساوي ثلاثمائة رطل من نترات الصوديوم ، فتكتسب الأرض قوة وحياة ( فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها ) الروم 50،( وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها ) الروم 24،( وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ) الجاثية 5،( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) البقرة 29، وتشير هذه الآية إلى نفع جميع خلق الله.

 خلق الإنسان:

يحدثنا القرآن الكريم في كثير من الآيات عن خلق الإنسان، ويذكر مراحل هذا الخلق ومادته( الماء والتراب)،والطين المكون منهما، فتارة يلقى الضوء على كل عنصر على حدة، وتارة يجمع بينهما، فيتكلم أولاً على أن أصل الكائنات الحية هو الماء( وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء30 (والله خلق كل دابة من ماء) النور 45،( وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ) الفرقان 54،( ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) السجدة 8،ثم ألقى القرآن الضوء على العنصر الثاني وهو التراب( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ) غافر 67،( خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل عمران 59،( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) الروم 12،ثم على العنصرين بعد خلطهما( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين )المؤمنون 12،( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) الرحمن 14،( وبدأ خلق الإنسان من طين )السجدة 7

 ثالثا ـ التصور الإسلامي للإنسان :

ينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة واقعية بديهية فطرية،ولكنها فريدة التصور،غابت عن كل التصورات الحضارية السابقة،شاملة الجوانب،عميقة الجذور،فينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه جسم وعقل وروح.

فالعقل مهمته تبصرة الإنسان ومعاونته في التغلب على العقبات والمحافظة على تلك الحياة على أوفق حال،واختيار أفضل الطرق لسعادة الإنسانية( أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) الزمر 18. والروح وهي شيء علوي لا طيني، وقد فصل القرآن الكريم ردا على سؤال وجه لرسول الله  صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) الإسراء 85.

والإسلام يعترف بكل جوانب الإنسان، ويساير النشاط الحيوي له، ويوجهه حتى لا يطغى على النفس أو على الغير،  ويوجه الحركة الإنسانية لتحقيق غايتها في الحياة، وتحقيق المقصود منها أمل هدف خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان لكي يقوم بعمارة الأرض ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها )هود 61،وجعل سبحانه وتعالى الدافع الى ذلك أمران هما الأرض والإنسان ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه وإليه النشور ) الملك 15.

وكرم الإسلام الإنسان، وجعله سيد الأرض وخليفة عن الله ( إنا جعلناك خليفة في الأرض ) ص 26 و ( إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة 30، الذي خلقه بيده ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )ص 75، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين،فسجد الملائكة كلهم أجمعون )ص 73،وسخر له الأشياء وفضله على الكثير من الخلق ( ولقد كرمنا بنى آدم،وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء  70،وجعله سميعاً بصيراً صاحب عقل ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) ، وشرفه بالمعرفة، وفضله بالعلم ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.قال يا آدم أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) البقرة 30ـ33.

 رابعا ـ التصور الإسلامي لغاية الحياة:

ينظر الإسلام إلى أن النظام في الكون مسير ومنظم لراحة الإنسان وسعادته ( ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد،والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد،وأحيينا به بلدة ميتاً ) ق 11، ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون،وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) يس 72، ( هو الذي أنزل من السماء ماءً،لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون،ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات،إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر،والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون،وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه،إن في ذلك لآية لقوم يذكرون،وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طريا،وتستخرجوا منه حلية تلبسونها،وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله،ولعلكم تشكرون،وألقى في الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون،وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون ) النحل 10ـ16.

 خامسا ـ أسس الحضارة الإسلامية:

تقوم الحضارة الإسلامية على أسس راسخة عميقة تتمثل في رصيد ضخم من القيم الإنسانية التي لابد منها لقيادتها،وهي مع هذا الرصيد الهائل من القيم لا تنكر الإبداع المادي في الأرض ،لأنه يعد من وظيفة الإنسان الأول منذ أن وجد على ظهر الأرض،ولكنها ترشده لتحقيق غاية الوجود الإنساني في الحياة، لأن قضية التصور الإسلامي الكبرى والأساسية هي الإنسان.

ا ـ العقيدة هي الأساس الأول الذي يقوم عليه التصور الإسلامي للحضارة الإنسانية ألا وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،وهو العبودية لله وحده دون سواه،ثم تصبح هذه العقيدة قاعدة لمنهج كامل،تقوم عليه حياة الأمة الإسلامية بكاملها،فأركان الإسلام من مقتضياتها،والاعتراف بالعقيدة والدينونة لله رب العالمين،يقتضي الطاعة وحده،والتسليم لحكمه دون سواه ( قل إن صلاتي ونسكى ومحياى لله رب العالمين،لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين ) الأنعام 162ـ163،وللعقيدة عطاءات منها:

   أ ـ السمو الإنساني.

   ب ـ التصور الحقيقي للأشياء.

   جـ الرجاء وطمأنينة القلب.

   د ـ الجرأة والشجاعة.

   هـ الإحاطة والشمول.

2 ـ النظام الاجتماعي هو الأساس الثاني للحضارة الإسلامية والمتمثل بالنظام الاجتماعي المتكامل الذي جاء به الإسلام،وصبغ به الحياة الإسلامية،وهو نظام رباني،اختاره الله للبشرية،لينظموا حياتهم عليه،ومن أهم أسس هذا النظام:

ا ـ المساواة بين البشر.

ب ـ العدالة المطلقة.

جـ الحرية ويقرر الإسلام أنواعاً متعددة من الحريات منها حرية الاعتقاد( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى )البقرة 256، ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )الغاشية 18،( وما على الرسول إلا البلاغ المبين )النور 54،وحرية الفكر( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكرون )سبأ 46، وحرية القول( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )آل عمران 104.

د ـ الأخوة من خلال التصور الإسلامي الأخوة الإنسانية العامة ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة،وخلق منها زوجها،وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذى تتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )النساء 1،ودائرة الأخوة الإيمانية( إنما المؤمنون إخوة ) الحجرات 10،( واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً )آل عمران 103،( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )التوبة 11،(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان) الحشر 10.

هـ الاتحاد والتعاون( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )آل عمران 103، ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) الأنفال 46،( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) الأنفال 46،( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ) آل عمران 105، ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء 59، ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )آل عمران 104، ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة 2.

و ـ الأخلاق و الفضائل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب 21،( فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ،فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر ) آل عمران 159.

  المناهج العلمية التي قامت عليها الحضارة الإسلامية:

    أولا ـ تعريف المنهج

  يعرفها الجوهري في الصحاح: المنهج والمنهاج والنهج.هو الطريق الواضح، كما عرفها مجمع اللغة العربية بالقاهرة " المنهج هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر،ويتتبعها للوصول إلى نتيجة" ( الصحاح في اللغة والعلوم،مادة نهج).

   ثانيا ـ أساس الناهج في الحضارة الإسلامية

تتمثل أسس المناهج الإسلامية للحضارة بالربانية : وبذلك ترتكز هذه المناهج على قاعدة إيمانية تمتد جذورها إلى أعماق الحياة الإنسانية جميعها، وتظهر في شؤون الحياة. وشملت الربانية عالم الغيب،بحيث قدم الإسلام تصوراً للألوهية والوجود الكوني وللحياة وللإنسان ولواقعه في الحياة،تصور شامل كامل ( لا تدركه الأبصار،وهو يدرك الأبصار،وهو اللطيف الخبير ) سورة الأنعام 103،وأخبرنا عن الملائكة،والجن،والروح،والقضاء،والقدر،وخلق الإنسان،والشيطان.

و أن هذه الشريعة ربانية ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً،والذي أوحينا إليك،وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) الشورى 3، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة 44.

  ثالثا ـ الانطلاقة الإسلامية العلمية:

وتنطلق من أعماق عقائدية،وتفكير حضاري سليم.وكما هو معلوم أن ظهور الإسلام كان في جزيرة العرب،في قلب الصحراء،البعيدة عن مركز الحضارات والمدنيات بكل معطياتها،وبظهوره وضع لهم الأسس الحضارية ونقلهم تلك النقلة التي صورها القرآن ( أو من كان ميتا فأحييناه،وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات،ليس بخارج منها ) الأنعام 122،ودعوته المؤمنين إلى العلم الشامل،والبحث والنظر والتأمل في الكون،ودراسة كل شيء دراسة بحث وتعمق:الأرض وتركيبها،وما فيها من معادن،وما ينبت عليها من زرع،ويتضمن ذلك كل ما يدخل الآن في نطاق العلم،من فيزياء،وكيمياء،ورياضيات،ونبات،وحيوان،و فلك،وطب،وصيدلة،وهندسة،إلى جانب العلوم النظرية المعروفة،واعتبار العلم فريضة،وأشاد القرآن بالعلماء (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)آل عمران18،(إنما يخشى الله من عباده العلماء)فاطر28.

إن أعظم ما يمكن أن يفخر به العلم الإسلامي في عصر ازدهاره،إضافته بالتدريج معنى جديد لمفهوم العلم، ألا وهو المنهج التجريبي،والذي بمعناه العام:هو المنهج المستخدم حين نبدأ في وقائع خارجة عن العقل،سواء أكانت خارجة عن النفس لإطلاقها أم باطنة فيه. "والمراد بأنها خارجة عن العقل،أي عن الاستدلال الرياضي"،فالمنهج التجريبي موضوعه الوقائع الخارجية،لا المخلوقات العقلية،والمنهج التجريبي على هذا يخالف المنهج الاستدلالي الذي موضوعه المخلوقات العقلية.وخطواته ثلاث:الأولى ـ الوصف والتعريف،الثانية ـ بيان الروابط، و افتراض تفسيرها،وامتحان صحته،من خلال التجارب المختلفة على هذا الفرض حتى يثبت صحته ووضع قوانين معينة به،الثالثة ـ تنظيم القوانين الجزئية التي تم التوصل إليها في الخطوة الثانية،لكي تدخل في نطاق أعم،بحيث تصبح مبادئ عامة كلية.وبذلك يكون المنهج التجريبي وفق الفقرات الثلاث الملاحظة ـ الفرض ـ التجريب.

ومثالا لتطبيق هذا المنهج ما أدركه الحسن بن الهيثم من وقوع الخطأ عند بطليموس وأويقليد،إذ قالا أن العين ترسل أشعة بصرية على الأشياء المراد رؤيتها،فأعلن ابن الهيثم خطأ تلك النظرية بعد ملاحظته وتجربته،وقال أن العين لا ترسل شعاعاً،وإن هذا الشعاع ليس هو الذي يسبب الرؤية،ولكن العكس هو الصحيح،فإن الأجسام المرئية هي التي ترسل الأشعة إلى العين،وإن عدسة العين هي التي تستقبل تلك الأشعة فترى بها الأشياء،ولكي يثبت ذلك جلس في حجرة مظلمة فلم يرى شيئا،فسقط شعاع على بعض ما في الغرفة،فرأى ذلك الشيء الذي سقط عليه الشعاع فقط.إذاً لو كانت العين هي التي ترى ترسل الأشعة لرأينا الأشياء في الظلام،ولكننا  لا نراها إلا إذا وقع عليها الضوء،وانعكست منها الأشعة،وأكمل تجاربه،وأخرج القانون( الواعي،الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية،ص296ـ297). وهكذا يمكن ملاحظة تعامل المسلمين مع الجانب العلمي وبالشكل الآتي:

1 ـ هم أول من استعمل المنهج التجريبي،واستخرج المجهول من المعلوم،واستنبط العلل من المعلولات،ولم يسلموا إلا بما يثبت بالتجربة والترصد.

2 ـ فحصوا تراث الإغريق العلمي،الذي انتقل إلى البيزنطيين وغيرهم،فلم يستفيدوا منه،أو يمحصوه،فلما آل إليهم خلقوه خلقا آخر،وأبانوا مافية من زيف،ومافية من علم يستحق التطوير.

3 ـ اعتمادهم على المنهج التجريبي منح مؤلفاتهم دقة وإبداعا وثقة فتحت آفاق بعيدة في العلم.

4 ـ قاموا بفتح آفاق العلم والمعرفة للآخرين الذين استفادوا مما قدموه إليهم من أسس ضمن حلقات العلم المتسلسلة والمستمرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

 (*) استاذ التاريخ والحضارة والفن المشارك - هولندا .

المصدر: إعداد الباحثه / أسماء الكيلانى
asmaaelkelane

إن أهم سبب في االابتهاج بالحياة هو أن يكون للإنسان ذوق سليم ومهذب يعرف كيف يستمتع بالحياة..وكيف يحترم شعور الناس ولاينفص عليهم ...بل يدخل السرور على أنفسهم...فالذوق السليم قادر على استجلاء القلوب وإدخال السرور على نفس صاحبه ومن حوله.. أحمد أمين

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 194 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2012 بواسطة asmaaelkelane

ساحة النقاش

أسماء محمد أحمد الكيلانى

asmaaelkelane
الباحثه / أسماء الكيلانى فى التاريخ الإسلامى والتاريخ العام _ دراسات عليا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

27,278

حيــــاتى كـــــــلها للـــــه




قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

أيها الناس احتسبوا أعمالكم .. فإن من احتسب عمله .. كُتب له أجر عمله وأجر حسبته


سُئل الإمام أحمد :

متى يجد العبد طعم الراحة ؟

فقال : عند أول قدم يضعها في الجنة !!


قال مالك إبن دينار :

اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الارباح من غير بضاعة ..


قال وهيب بن الورد:

إن استطعـــت ألا يسبقـــك الى الله أحـــد فافعــــــل


قال عمر بن عبد العزيز :

إن الليل والنهار يعملان فيك

فاعمل أنت فيهما .


قال الزهري رحمه الله :

مــا عُـــبـِد الله بشيء أفضل من العلم