الموقـــــع الرسمــــى الخاص بالبــــاحــــثه / أسمـــــاء محمـــــد الكيــــــلانى

موقـــــــــع متخصـــص فى علـــــوم التـــــاريخ العــــــام

كتب الغرب تاريخ البحر الأبيض المتوسط من وجهة نظره, 
فمتى يكتب مؤرخونا تاريخ هذا البحر وفق رؤية عربية؟

تأخذ الموسوعة البريطانية بالتقسيم التالي للفترات الحضارية البارزة من تاريخ البحر الأبيض المتوسط:

    1 ـ المرحلة الأولى أو الفترة الأولى وهي المعروفة باسم (ما قبل العهد الروماني) التي تميزت بتتابع قيام الدولة التجارية التي تطورت بالقرب من سواحل هذا البحر  ، ثم انسابت فيه, ناشرة فيه حضارتها, مثل فينيقيا واليونان وقرطاجة ، وقد أنشأت لها مراكز في بقاع مختلفة من هذا البحر, ثم استطاعت أن تتجاوزه إلى المحيط الأطلسي.

   2 ـ المرحلة الثانية وتبدأ في القرن الثالث الميلادي بظهور روما وتوسعها الذي أدى إلى احتواء جميع الأراضي المحيطة بهذا البحر, وتوحيده تحت رايتها وسيادتها, حتى عرف لديهم في ذلك الوقت, باسم بحرنا (MAR NOSTRUM) وهو الشعار الذي حاول أن يحييه (موسوليني) في العصر الحديث ، كما عرف باسم (بحر الروم) في المصادر التاريخية العربية.

    3 ـ أما الفترة الثالثة فهي عهد السيادة الإسلامية على البحر الأبيض المتوسط ولكن الموسوعة المذكورة لا تستخدم هذا التعبير, وتسلك سبيل الطمس, وتدخل هذا العهد ضمن الفترة التي امتدت من القرن الرابع الميلادي حتى القرن الحادي عشر وشاهدت انقسام الإمبراطورية الرومانية, وتمزق وحدتها وانهيارها, بفعل هجمات الجرمان عليها من الشمال وهجمات المسلمين عليها من الجنوب وانتصاراتهم في الشرق الأوسط/ والشمال الإفريقي, وصقلية وإسبانيا.

ونلاحظ هنا أن السيادة الإسلامية على هذا البحر أطول عهداً من أي سيادة سابقة أو لاحقة, خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ظهور الأسطول العثماني وسيطرته على البحر الأبيض المتوسط, تلك السيطرة التي امتدت حتى انهيار البحرية الإسلامية في العصور الحديثة تحت ضربات الموجات الاستعمارية, والواقع أن هذه الفترة المهمة من تاريخ البحر الأبيض المتوسط لم تظفر بالدراسة اللازمة, واقتصرت معالجتها على المصادر الأجنبية التي تتناولها بشيء من الطمس المتعمد والحرص على تصويرها على أنها فترة من فترات الركود في تاريخ هذا البحر, انقطعت فيها الاتصالات, وجمدت التجارة, وسيطر فيها القراصنة سيطرة مطلقة وتقول (لقد أضر العرب بالملاحة في هذا البحر, وشكلوا تهديداً للأمن والاستقرار على سواحله, وانخفضت التجارة بل جاء حين من الدهر توقفت فيه تماماً)... هذا ما يقولونه ويقررونه في موسوعاتهم.

الموسوعة الإيطالية

على أن الموسوعة الإيطالية تسلك سبيلاً أدنى إلى الموضوعية وأقرب إلى الانصاف في حديثها عن المراحل البارزة في تاريخ هذا البحر فتقول:

   (منذ القرن السابع حتى القرن التاسع الميلادي بدا الإسلام أقوى قوة في البحر الأبيض المتوسط, فما كادت الحركة العربية تواجه شواطئ سوريا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى استطاعت خلال سبعين سنة, أن تتجه نحو آسيا الصغرى لمحاصرة القسطنطينية, وتجتاز صحراء سيناء فتستولي على الساحل الإفريقي للبحر الأبيض المتوسط ثم إسبانيا حتى سلسلة جبال البرينيسه, وقد ساعدته على ذلك صيغته الحضارية الرائعة ومساهمة الشعوب السورية والفارسية والمصرية التي دخلت الإسلام.

وفي سنة 717 عندما كانت الحشود الإسلامية تهاجم القسطنطينية من جهة, وتجتاز جبال البرينيسه, من جهة أخرى, متجهة نحو قلب فرنسا, بدت الحركة الإسلامية كمحاولة رائعة لاحتواء حوض البحر الأبيض المتوسط, وذلك بربط ذلك الجهد المضاعف فوق الأرض الأوربية, والوصل بين الجهدين المبذولين عند أقصى الطرفين الشرقي والغربي. وهو الجهد الذي لو تحقق لجعل من البحر الأبيض المتوسط (بحراً إسلامياً) كما كان في القديم (بحرا رومانيا), وقد سقطت هذه المحاولة في الشرق, إزاء المقاومة التي أبدتها القسطنطينية, وفي الغرب بانتظار شارل مارتل, ولكنها تركت الإسلام سيداً على صقلية وإفريقيا الشمالية وإسبانيا, وقادراً على احتلال بقية الجزر الكبرى به, والاحتفاظ بها مثل جزر البليار وقبرص. بينما بقيت المسيحية في الأجزاء الباقية منه, وقد شع من المراكز الإسلامية في البحر الأبيض المتوسط نور عظيم من الحضارة والازدهار الذي لا تكاد تصمد له القسطنطينية إلا بجهد ومشقة, رغم ما كانت تحتفظ به من أهمية كمدينة كبيرة, وفي الوقت الذي كان فيه العالم المسيحي في غربي البحر الأبيض المتوسط يعاني مخاضاً عسيراً لصياغة حضارة جديدة, بصهر ومزج العناصر الرومانية والبربرية, تولد عن ذلك العناء الإعلان عن أولى بشائر النور, حين تمكن شارل مان من أن يوحد في المنطقة الغربية من البحر الأبيض المتوسط إيطاليا وفرنسا وجزءاً من إسبانيا, وأعاد بتتويجه في روما فكرة إحياء الإمبراطورية, وأصبح النور قوياً وغامراً عندما تمكنت في القرن الحادي عشر, الجمهوريات البحرية الإيطالية, بحروبها ضد المسلمين في جزر البحر التريني وإفريقيا الشمالية أن تحرك المسيحية الغربية إلى اليقظة ضد الإسلام, والزحف نحو الشرق, في تلك الملحمة المعروفة باسم (الصليبية) والتي تواصلت منذ القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر).

كسر الموجة

   4 ـ وهم يعتبرون هذه الفترة الصليبية فترة سيادة لهم على البحر الأبيض المتوسط الأمر الذي يدحضه الواقع التاريخي, ويبطله الوجود الإسلامي المستمر, والمقاومة الباسلة التي أبداها في كسر حدة هذه الموجة التي لم تتمكن من أن تحقق ما تريد من محو الوجود الإسلامي من هذه المنطقة البحرية, ويرون أن القرن الحادي عشر قد سجل عودة الازدهار إلى هذا البحر, وساعد الصليبيون في إعادة فتح موانئ الشرق وعاد إلى القسطنطينية والموانئ الإيطالية وضعها التجاري السابق الذي استطاعت أن تحافظ عليه حتى القرن الخامس عشر, حيث بدأت مرحلة جديدة في تاريخ هذا البحر, بظهور الأسطول العثماني وسيطرته على الحوض الشرقي, والبلقان والشمال الإفريقي, وقد نقل ساحة القتال إلى الحوض الغربي والمناطق الوسطى منه, ورد الموجة التي ظهرت في الفترة الصليبية إلى مركزها السابق على الحملة. وهم يعتبرون هذه الفترة من تاريخ البحر الأبيض فترة ركود وكسوف وانهيار, ويتفق المؤرخون والدارسون على أن الفترة الصليبية رغم ما سادها من صراع وحروب, قد عمقت الاتصال بين الشرق والغرب, وأدت إلى قيام جاليات إيطالية ـ خاصة ـ في الشمال الإفريقي وآسيا ونشطت جنوا وبيزا وفينيسيا في علاقاتها التجارية مع الموانئ العربية وانتشرت البضائع الواردة من أقصى الشرق عن طريق الموانئ السورية والمصرية, والبضائع الواردة من أقصى إفريقيا عن طريق طرابلس وتونس وقد صحب هذا التبادل التجاري تبادل ثقافي, فنفذ الأثر الحضاري العربي إلى الغرب, وساعد على التعجيل بالنهضة الحضارية التي شهدتها أوربا فيما بعد, وقد تصدرت إيطاليا موقف الطليعة في أوربا, بقيام عصر النهضة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر, وفي الوقت الذي أخذت تزداد فيه قوة البحرية العثمانية في المناطق الشرقية من حوض الأبيض المتوسط وتشمل البلقان والساحل الإفريقي حتى ليبيا ثم أخذت قوة السلطان تظهر بعد ذلك في تونس والجزائر لتقف في وجه الموجة المسيحية الجديدة التي بدأت تظهر في إسبانيا وفرنسا وقد انتهت الحرب بينهما إلى السيادة الإسبانية التي كانت لها الغلبة على شبه الجزيرة الإيطالية وبعض المراكز الإفريقية التي كانت تعرف باسم الحاميات (PRESTDIOS).

صراع حاد

وقد شهد البحر الأبيض المتوسط خلال هذه الفترة صراعاً حاداً بين القوى العثمانية في الشرق وعلى الساحل الإفريقي وبين القوى الإسبانية في الغرب, وقد انتهى الصراع إلى حماية الساحل الإفريقي من الموجة المرتدة عليه كما نقل التهديد المباشر في الكثير من المرات إلى أوربا ذاتها, وقد بلغ هذا الصراع قمته في حصار الأتراك (مالطا), ثم في (لبانتو) التي كانت معركة حاسمة في تاريخ البحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط وعلى الرغم من الهزة العنيفة التي أصيب بها الأسطول العثماني في هذه المعركة والنتائج المعنوية المترتبة عليها في نفوس الأوربيين, فإنهم لا يستطيعون حتى ذلك الوقت أن يتحدثوا عن سيادة كاملة على البحر المتوسط, فقد نشأت في ظل تلك السيادة العثمانية دويلات الشمال الإفريقي التي تعرف لديهم باسم (البربارسك), وتولت بالتضامن أو بصفة فردية مهمة تأكيد وجودها في هذا البحر, والدفاع عن حوزتها وديارها إلى الحين الذي ظهر فيه على مسرح هذا البحر الصراع الفرنسي ــ الإنجليزي, وما لحقه وصاحبه من اتجاهات استعمارية, أدت إلى وقوع مراكزه المهمة في أيدي الإنجليز ووقوع الساحل الشمالي لإفريقيا في أيدي الفرنسيين وليبيا في أيدي الإيطاليين ومصر في أيدي الإنجليز والفرنسيين وأمكن للجنرال (اللنبي) أن يقول: (لقد عدنا يا صلاح الدين), ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وما تبعها بعد ذلك من صراع على مناطق النفوذ والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط مما لا نزال نتابع صوره ونشهد أحداثه..

تلك هي المراحل البارزة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط.

وهذه الجزر التي شاعت لها شهرة سياحية في العصر الحديث بعد أن كانت لها قيمة استراتيجية في القديم, خضعت كلها للسيادة الإسلامية ولها تاريخ متصل بتطور البحرية الإسلامية والحضارة الإسلامية, فرودس وقبرص وكريت وبنتا لييريا ومالطة وصقلية وكورسيـــكا وســـردينيا وبالما مايوركا, كلها خضعت للسيادة الإسلامية أو لتأثير غزواتها على سواحلها ولا تكاد تجد في كتب الإرشاد السياحي ما يشير إلى ذلك عند الحديث عن تواريخها.

ووقوع هذه الجزر كلها في إطار السيادة يوضح وحده مدى السيطرة التي أحكمها العرب على هذا البحر الذي احتفظوا لهم بوجود فيه يفوق كل وجود وقد اتخذوا من هذه الجزر قواعد انطلاق نحو السواحل الشمالية كلها وكادت إيطاليا بالغزوات المتتالية عليها تصبح كما يقول ول ديورانت (ملكا للعرب) ولو أن روما التي هددوها أكثر من مرة سقطت في قبضتهم لزحفوا على البندقية ولو أنهم استولوا عليها لأطبقت على القسطنطينية قوتان إسلاميتان واحدة من الشرق وأخرى من الغرب.

ويهمنا من هذا التاريخ اليوم وجهه الحضاري وما مثلته هذه الجزر من تأثير في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الغرب على نحو ما قامت به إسبانيا وصقلية.

أين ما كتبه العرب؟

لقد كتبت كل شعوب البحر الأبيض المتوسط تاريخها بالطريقة التي تراها ، وحرصت على إبراز وجهة نظرها الخاصة ، وحاولت أن تؤكد حضورها ، إلا العرب الذين ينفردون بالساحل الجنوبي والساحل الشرقي منه ، فلم يكتب أحد منهم حتى الآن تاريخاً مرجعياً للبحر الأبيض المتوسط يصحح الآراء المدسوسة ضد العرب في الدراسات الغربية لهذا البحر الحضاري العظيم ، والغريب أن أقل الناس شعوراً بهذا البحر وتاريخه الحضاري وأهميته بين البحار هي الشعوب العربية القائمة على سواحله.

وتخلو المكتبة العربية من المؤلفات المرجعية عن هذا البحر, وما وجد بها لا يزيد على ملخصات عن الدارسين الأجانب ويتجه أغلبه إلى تحديد الموقع الحالي الذي يحتله هذا البحر في الواقع السياسي الدولي في العصر الحديث وما يمثله كل بلد في الخارطة السياسية العالمية من أهمية استراتيجية، وحتى في هذا الإطار تشعر أن ما يقدمه الباحثون إنما هو خلاصات لقراءاتهم ومتابعاتهم لتاريخ هذا البحر في المراجع الأجنبية.

لقد خصوا البحر الأبيض المتوسط بتأليف وكتابات غاية في الروعة الأدبية والجمال الفني ونشروا عنه الكتب المصورة الفاخرة التي تظهر معالمه الحضارية التي قامت على ضفافه, ومنها المعالم الإسلامية المتميزة بمعمارها الإسلامي الخاص، كتب (اميل لدفج) سيرة رائعة للبحر الأبيض المتوسط, ترجمها بشيء من الحذلقة اللغوية عادل زعيتر ونشرتها منذ أعوام بعيدة دار المعارف بمصر وكتب فرناند بروديل المؤرخ الشهير في الأعوام الأخيرة كتاباً عن البحر المتوسط ترجمه إلى العربية عمر بن سالم من تونس, وهو محاولة لاكتشاف الذات العميقة للبحر الأبيض المتوسط التي اشتركت في صناعتها الحضارات التي قامت على ضفافه والبحث عن الفرصة الثمينة التي يتيحها لتقديم معالجة أخرى للتاريخ تكتشف الوحدة والتجانس، والتآلف فيه.

 كما ألف ERNLE BRADFORD كتاباً جذاباً بعنوان MEDTTERRENEAN (PORTRAIT OF A SEA) عني فيه مؤلفه عناية خاصة بتاريخ البحرية والمعارك التي جرت فوق مياهه.

أما آن لنا أن نكتب تاريخ هذا البحر من وجهة نظرنا, كما كتبوه هم من وجهة نظرهم فلعل الوجهتين تلتقيان عند مؤرخ منصف يخرج لنا التاريخ النزيه الدقيق الوثيق لهذا البحر الحضاري العظيم, الذي تحتاج شعوبه اليوم ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى التعاون والتآزر لإبراز سيرته الحضارية واعتمادها قاعدة لعلاقات إنسانية جديدة؟!.

المصدر: إعداد الباحثه / أسماء الكيلانى
asmaaelkelane

إن أهم سبب في االابتهاج بالحياة هو أن يكون للإنسان ذوق سليم ومهذب يعرف كيف يستمتع بالحياة..وكيف يحترم شعور الناس ولاينفص عليهم ...بل يدخل السرور على أنفسهم...فالذوق السليم قادر على استجلاء القلوب وإدخال السرور على نفس صاحبه ومن حوله.. أحمد أمين

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 477 مشاهدة

ساحة النقاش

أسماء محمد أحمد الكيلانى

asmaaelkelane
الباحثه / أسماء الكيلانى فى التاريخ الإسلامى والتاريخ العام _ دراسات عليا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,591

حيــــاتى كـــــــلها للـــــه




قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

أيها الناس احتسبوا أعمالكم .. فإن من احتسب عمله .. كُتب له أجر عمله وأجر حسبته


سُئل الإمام أحمد :

متى يجد العبد طعم الراحة ؟

فقال : عند أول قدم يضعها في الجنة !!


قال مالك إبن دينار :

اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الارباح من غير بضاعة ..


قال وهيب بن الورد:

إن استطعـــت ألا يسبقـــك الى الله أحـــد فافعــــــل


قال عمر بن عبد العزيز :

إن الليل والنهار يعملان فيك

فاعمل أنت فيهما .


قال الزهري رحمه الله :

مــا عُـــبـِد الله بشيء أفضل من العلم