الطلاق الرجعي
الطلاق الرجعي:
هو الطلاق الذي لا يحتاج فيه لعودة الزوجة إلى زوجها إلى تجديد العقد ولا المهر ولا الإشهاد ولا ترفع أحكام النكاح .
وهو أن يطلق الزوج امرأته المدخول بها طلقة واحدة، وله مراجعتها إن رغب ما دامت في العدة، فإن راجعها ثم طلقها الثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة، وهي في الحالتين زوجته ما دامت في العدة، يرثها وترثه، ولها النفقة والسكنى.
والعدة تختلف باختلاف حالات النساء ، فالمرأة المطلقة إذا كانت لها عادتها الشهرية المعتادة فعدتها ثلاثة قروء، أي نحو ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق، وإن كانت هذه المرأة ليست لها عادة إما لكبر سنها أو لطبيعة خلقتها، فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا فعدتها تنتهي بوضع الحمل، وهذا الطلاق فيه حرص من الإسلام على استقرار واستمرار الحياة الزوجية لأن الرجل ربما طلَّق لأمر عارض ثم ندم على ما كان منه، فمنحه الإسلام فرصتين، لإرجاع الزوجة إليه، دون رضاها،
و يقول الجمهور: إن الطلاق الرجعى لا يمنع الاستمتاع بالمطلقة، ولا تترتب عليه آثاره ما دامت المطلقة فى العدة ، فهو لا يمنع استمتاعه بها ، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، والنفقة عليها واجبة ، ويلحقها الطلاق والظهار والإِيلاء ، وله الحق أن يراجعها دون رضاها ، كما لا يشترط الإشهاد على الرجعة وإن كان مستحبًا، وهى تحصل بالقول مثل : راجعتك، وبالفعل مثل الجماع والقبلة واللمس.
ومن هنا فيمكن إرجاع الزوجة غيابيا والإشهاد على ذلك ثم إعلامها بالرجعة بأية وسيلة كانت .
ويتميز الطلاق الرجعي بالآتي
1ـ الزوجية قائمة مادامت المرأة في العدة
2ـ ينفق الزوج على زوجته طوال فترة العدة
3ـ اذا مات أحد الزوجين قبل انقضاء العدة ورثه الآخر سواء طلقها زوجها في حال صحته أو مرضه
4ـ تراجع بدون عقد جديد
5ـ تراجع بدون مهر جديد مادامت في العدة
6ـ تصح الرجعة قولا راجعتك ونحوه خطابا للمرأة
7ـ يلزم أن تكون المراجعة منجزة في الحال غير معلقة على شرط
8ـ تنقطع الرجعة وتملك المرأة عصمتها اذا طهرت من الحيضة الأخيرة (الثالثة)
9ـ مدة العدة ثلاث حيضات
10ـ الطلاق الرجعي أذا انقضت العدة فيه صار ما كان مؤجلا في المهر في ذمته حالا فتطالب به الزوجة.
11-يجب على المطلقة طلاقاً رجعياً وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين، بعد الدخول أو الخلوة أن تبقى وتعتد في بيت زوجها لعله يراجعها، ويستحب لها أن تتزين له ترغيباً له في مراجعتها، ولا يجوز للزوج إخراجها من بيتها إن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها.
أحكام الطلاق الرجعي والرجعة في الفقه
صحة المراجعة
[والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا إني قد راجعت امرأتي بلا ولى يحضره ولا صداق يزيده وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى, أنه تجوز الرجعة بلا شهادة]
وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضي المرأة, ولا علمها بإجماع أهل العلم لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة إمساك لها واستبقاء لنكاحها, ولهذا سمى الله – سبحانه وتعالى – الرجعة إمساكا وتركها فراقا وسراحا فقال: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وفي آية أخرى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد بها سبب زواله, فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة, فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح فأما الشهادة ففيها روايتان إحداهما تجب وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم} وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود, فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع والرواية الثانية, لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبي حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول, فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد, كالبيع وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد فإن قلنا: هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة فإن ارتجع بغير شهادة, لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الارتجاع, فيصح.(١٤)
وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول لقوله: المراجعة أن يقول وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه, فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول, فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذه إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية, تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد, والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين, وعطاء وطاوس والزهري, والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي قال بعضهم ويشهد وقال مالك وإسحاق: تكون رجعة إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطء, كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله, كوطء البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وذكر أبو الخطاب أننا إذا قلنا: الوطء مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها وإن قلنا: هو محرم لم تحصل الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل, كوطء المحلل.
تعليق الرجعة على شرط
ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح, ولو قال: راجعتك إن شئت لم يصح كذلك ولو قال: كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح كذلك ولأنه راجعها قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال: إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط.(١٥)
حصول الرجعة بالقول
القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه: راجعتك, وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة, فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال: {فأمسكوهن بمعروف} يعني: الرجعة والرجعة وردت بها السنة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مره فليراجعها) وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم يسمونها رجعة, والمرأة رجعية ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق, والاحتياط أن يقول: راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي فإن قال: نكحتها أو: تزوجتها فهذا ليس بصريح فيها لأن الرجعة ليست بنكاح وهل تحصل به الرجعة؟ فيه وجهان أحدهما لا تحصل به الرجعة لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود, ولا تحصل بالكناية كالنكاح والثاني تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأنه تباح به الأجنبية, فالرجعية أولى وعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق.
لا يعتد برضا الزوجة
ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة لقول الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} فجعل الحق لهم وقال سبحانه: {فأمسكوهن بمعروف} فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختيارا ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية, فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا.(١٦)
حق الزوج في الرجعة ما كانت في العدة وآثار الرجعة
أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة بعد دخوله بها أقل من ثلاث, بغير عوض ولا أمر يقتضي بينونتها فله عليها الرجعة ما كانت في عدتها, وعلى أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها لما ذكرنا في أول الباب وإن طلق الحر امرأته الأمة فهو كطلاق الحرة إلا أن فيه خلافا ذكرناه فيما مضى, وذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثا كالحرة.(١٧)
والرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره, وإيلاؤه ولعانه ويرث أحدهما صاحبه, بالإجماع وإن خالعها صح خلعه وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة ولنا, أنها زوجة صح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق, وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها والنكاح باق, ولا نأمن رجعته وعلى أننا نمنع كونها محرمة.(١٨)
المراجعة بدون علم الزوجة و حكم زواجها بآخر
وإذا طلقها, ثم أشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم نكحت من أصابها, ردت إليه ولا يصيبها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني وجملة ذلك, أن زوج الرجعية إذا راجعها وهي لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها, فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت, ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته, وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها هذا هو الصحيح, وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد, وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي ـ رضي الله عنه وعن أبي عبد الله – رحمه الله- رواية ثانية, إن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم, ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز له العقد في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول, فقدم بها ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها, كما لو لم يطلقها فإذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما, وردت إلى الأول ولا شيء على الثاني وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطء شبهة, وتعتد ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه وإن أقام البينة قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول, بغير خلاف في المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف, والوطء محرم على من علم منهما وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه فأما إن لم يكن لمدعي الرجعة بينة فأنكره أحدهما, لم يقبل قوله ولكن إن أنكراه جميعا فالنكاح صحيح في حقهما, وإن اعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء وإن أقر له الزوج وحده, فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه مهرها إن كان بعد الدخول, أو نصفه إن كان قبله لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها, وإنما يلزمه في حقه ويكون القول قولها وهل هو مع يمينها أو لا؟ على وجهين والصحيح أنها لا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل إقرارها, فإذا أنكرت لم تجب اليمين بإنكارها وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ النكاح لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين: أحدهما: لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف, كما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته والثاني يستحلف قال القاضي: وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام: (ولكن اليمين على المدعى عليه) ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي العلم لأنه على نفي فعل الغير فإن زال نكاحه بطلاق, أو فسخ أو موت ردت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني, فإذا زال زال المانع وحكم بأنها زوجة الأول, كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال وذكر القاضي أن عليها له مهرا وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق, فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت, أو أسلمت أو قتلت نفسها فإن مات الأول وهي في نكاح الثاني, فينبغي أن ترثه لإقراره بزوجيتها أو إقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها, لأنها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في إبطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك وإن مات الزوج الثاني, لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه.(١٩)
المغني :ابن قدامة – كتاب الرجعة .
ساحة النقاش