المرأة قارورة ضد الكسر

 

مقدمة

لا يبدأ الحديث عن المرأة وقضاياها الإجتماعية حتى نصل إلى نقطةٍ لا تنتهي في جدالٍ عقيم لا يقدّم ولا يؤخّر,وهذا ما يثير اهتمامي دائماً للبحث عن الحقيقة حقيقة هذا المخلوق الذي يطول الجدل حوله وكأنه لا يمتّ إلى الإنسانية بصلة,فالجميع يدلوا بدلوه في قضاياه إلّا هو ..والجميع يقرّر الأصلح والأحسن له إلاّ هو..!

فهل أنصف المجتمع المرأة ؟وهل أنصفت المرأة نفسها والمجتمع؟ ومالذي يريده المجتمع من المرأة ,ومالذي تريده المرأة من المجتمع؟

هذا ما سأحاول التنقيب عنه ي الأسطر القادمة .......

 

ماذا يريدون؟

بين مؤيّدٍ ومعارض لضرورة تغيير وضع المرأة في الدول العربية ..تلوح أمامنا اتفاقيات دولية لجمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تدعو ليلاً ونهار و سرّا وجهاراً لضرورة التزام الدول المُوقّعة ببنود هذه الاتفاقيات وتطبيقها على أرض الواقع ,مثل اتفاقية سيداو الشهيرة ,والتي بموجبها تكون الدول الموقّعة مُطالبة بـالقيام بعدة إصلاحات اجتماعية يُعزّز فيها دور المرأة وتيسير عملها خارج المنزل ومعاملتها معاملةً فردية بغض النظر عن جنسها كأنثى وعن وضعها الاجتماعي,كما تقول هذه الاتفاقيات بضرورة إعطاء المرأة حريةً كاملةً منذ بلوغها ,وإذا لم يتم تطبيق هذه البنود فإن الأمم المتحدة تضغط على تلك الدول وخاصة الضعيفة والفقيرة منها بشتى وسائل الضغط المتاحة اقتصادياً –فتحرم من المعونات والقروض –أو سياسياً ,وإن كانت الإتفاقيات لا تخلو من بعض البنود الإيجابية كضرورة رفع الظلم عن المرأة والعدل في التعامل معها وإنصافها وحمايتها من العنف وغيره ,إلا أنها في جانبٍ آخر تحمل وجهاً سلبياً يهدف إلى تشجيع المرأة على إقامة العلاقات الغير مشروعة خارج إطار الزواج ,وتسهيل عمليات الإجهاض عند حصول الحمل وغيرها من البنود التي تتعارض جملةً وتفصيلاً مع الفطرة السليمة.

 

إذا كنت سأفكّر بعقلية المؤامرة فسأقول أن ما يحدث هو خطة محكمة تُحاك ضد مجتمعاتنا المحافظة وأسرنا لتقويض بنائها المتين فيدمرون الركن الرئيسي فيها وهو المرأة من خلال فتح باب الحرية الكاملة لها ودفع الحكومات قسرا للقيام بذلك وتطبيق هذا التغيير!

وبهذا سأغلق الملف ولن يتغيّر  في الواقع شيء فإمّا صدام ومواجهة لا يمكن أن تتحمّله مجتمعاتنا الضعيفة ,وإما تبعية عمياء لا ندري إلى أين ستصل بنا...

وإذا كنت سأفكر من جهة أخرى فستظهر أمامي صورتين:

 

نظرة واقعية

أولها\المرأة العربية امرأة مطحونة بكل معنى الكلمة في الريف وفي المناطق الفقيرة ,فهي تكدح طوال النهار لأجل لقمة العيش وتحصل على دراهم معدودة, لتعود من العمل ,ثم تقوم بواجباتها الزوجية والمنزلية إضافة إلى لعب دورها كأم في حدودٍ ضيقة بعد أن أنهكها التعب ...وهذا ما يمكنني أن أسميه بثقافة الإستنزاف والتواطؤ الإجتماعي المنظّم لجعل المرأة تفني نفسها لأجل الآخرين.

ثانيها\المرأة العربية في المناطق الغنية امرأة مرفّهة ,وهي مستهلكة من الدرجة الأولى ,إضافةً إلى كونها امرأة مكدّسة أي أن طاقاتها معطّلة وقدراتها ومهاراتها شبه ميتة ,لذلك يقلّ عطاءها ومساهمتها داخل الأسرة وتنعدم مشاركتها الخارجية ,أو أن تجدها تشارك خارج المنزل بينما تترك مهمّة رعاية الأسرة للخادمة ,فيحدث لديها خلط في الأولويات نتيجة عدم وعيها بمسؤولياتها الرئيسية .

وفي كلتا الحالتين سنجد أن المرأة لم تُنصف والظلم وقع عليها من الجهتين ,فالمرأة الكادحة  تشارك في بناء المجتمع ,ولكنها لم تجد من ينصفها مادياً ولا معنوياً ,فمن حقها أن تحافظ على صحتها و أن تمارس دورها كأم وكزوجة وقبل هذا وذاك أن تشعر بذاتيتها ...أما المرأة المرفهة فغالباً ما تتحول إلى امرأة مهمّشة ذاتياً واجتماعياً أو تفشل في إدارة ذاتها وحياتها وأسرتها.

 

وهذا يعود إلى موروث اجتماعي وديني ضخم يعبّر فيه المجتمع عن موقفه من المرأة ,فالرجل دائما يكرر أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة وووووهذا أمر معلوم بداهة ,كما أن المجتمعات الإسلامية تفاخر بإنصاف الإسلام  المرأة  ,ولكن ماهو السلوك الذي نراه على أرض الواقع.... إنه أمر مختلف تماما!

فلماذا هذا التناقض بين النظرية والتطبيق؟

 

المرأة والتاريخ

-الإسلام في بداياته جاء وحرّر المجتمع من قيود الجاهلية رجالاً ونساءاً على حدٍّ سواء ,فنشر العدل والإنصاف وكفل حقّ المرأة في التعليم والمشاركة الإجتماعية وفي ممارسة الأعمال التي تفضلها ,ومع ذلك فقد كرّمها بإفراد سورة قرآنية كاملة باسم (النساء) و(مريم) وعرض  لكل ما يخص المرأة في حياتها العامة والخاصة حسب ما تقتضيه خصوصيتها كأنثى لها تركيب فسيلوجي مختلف عن الرجل فساهمت المرأة في وضع لبنات البيت الإسلامي الأول وعاشت فيه كما ينبغي أن تكون , فشعرت بقيمتها الذاتية وانطلقت تشارك الرجل في الرقي بالمجتمع الإسلامي دون ضغطٍ أو قسرٍ من أحد ودون أن يحجبها أو يمنعها أحد تعلمت وعلّمت وعملت مُدركةً معنى وجودها والدور الذي يجب أن تقوم به في تلك المرحلة ,وقد أفسح لها المجتمع الإسلامي الفتيّ الطريق منذ أن شعشع نوره الأول حين لعبة السيدة خديجة دوراً يسطّره التاريخ بماء الذهب وتبعتها أخواتها على ذات الطريق.....

ومع مرور الزمن وتوسّع الدولة الإسلامية ودخولها عصور الضعف لم تكن المرأة بعيدةً عن ذلك ,ومع بداية نقل العلوم اليونانية إلى اللغة العربية تأثّر العرب بأقوال الفلاسفة اليونان في المرأة ,ليقول المفكّر المسلم يوماً ما :( والغالب عليهن سوء الخلق , وركاكاة العقل...)

ويقول آخر:

(واختلف العلماء في العامة والنساء الذين على جملة الدين إذا خطر ببالهم التشبيه على قولين ... )

وغيرها من الأفكار والأوصاف الغريبة التي توصم بها المرأة ,والتي مازلت تمارس ضغطها الإجتماعي والنفسي على المرأة ليحرمها حقها في الحياة الطبيعية ,ففكرنا عن المرأة وحقيقتها مشوّشاً ومشوباً بكثير من الأوهام والاعتقادات الغير منطقية,هذا إضافةً إلى خلط العادات والتقاليد الموروثة وإسقاطها على الدين وهذه معضلةٌ أخرى تمثّل عائقاً ضخماً في سبيل إنصاف المرأة..كالقول بأن المرأة عورة وبالتالي منعها من الخروج من البيت .

إن التخلف الفكري الذي حصل في العالم الإسلامي طال الجميع رجالاً وإناثاً وإن كان على المرأة مضاعفاً فغياب العدل داخل المجتمع انعكس حتى على علاقة الرجل بالمرأة ,فأصبحت المرأة حبيسة البيت لا رأي لها ولا مشورة محرومة من العلم وتُعامل كما تُعامل الجواري ,وعندما دخل المستعمر  إنبهر بعض العرب بالعالم الغربي وتطوّره وقرّروا محاكاتهم في أدقّ التفاصيل وترك كل ماله صلة بالماضي ,وأنه على المرأة العربية أن تقلّد المرأة الغربية في كل شيء حتى تحرر نفسها من ظلم المجتمع ,فاستجابت المرأة لذلك ودفعت بنفسها في أتون الحياة حتى فقدت أنوثتها وشخصيتها الذاتية ,بل وفي أحايين كثيرة فقدت احترامها لنفسها حين أصبحت تُعامل وتتعامل بصورة مبتذلة ومخلّة بالأخلاق ...

 

 

المرأة اليوم

واليوم ماهو الواقع الذي نشهده في مجتمعاتنا العربية ؟

إننا نراقب عن كثب تلك الثورات التي تهزّ العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه فهي ليست ثورة على الأنظمة السياسية وحسب ,هي ثورة اجتماعية على المنظومة الفكرية العامة للعالم العربي نحو تحريره من قيوده القديمة التي اعتادها ليشعل الضوء في جهاتٍ طالما غطّت في سباتٍ عميق ,كانت سبباً في تهتّك المجتمع وضعفه ..ومنها موضوع المرأة ,فالمرأة العربية اليوم تلعب دوراً غير مسبوق في دعم الثورات العربية يدفعها إيمانها بعدالة القضية التي تدافع عنها والتي بنجاحها ستمثّل نصراً للمجتمع عامةً ولها خاصةً ...

وإذا كان السؤال الذي يطرح نفسه اليوم في ساحات التغيير :هل ستحافظ الثورات على مكاسبها ؟

فنقول في موضوعنا هنا :هل ستحافظ المرأة على المكانة التي اتخذتها لنفسها ؟...هذا ما ستجيبنا عنه الأيام ,ولكني متفائلة بدور جديد تلعبه المرأة دور يحقق ذاتيتها ويخدم أمتها في ظلّ  منظومة اجتماعية فكرية قانونية تمنحها الفرصة وتقدّر قيمتها ..

حينها لن يتجرّأ أحدهم على فرض أي قيود أو شروط اجتماعية علينا متظاهراً بمدّ يد العون لنا مبتغياً تحقيق مآربه أياً كانت .

 

اتزان

يقول صلى الله عليه وسلم: (رفقاً بالقوارير) يتخذه البعض ذريعةً لفرض حصارٍ أبديّ يمنع المرأة من الإندماج في المجتمع ,بينما سياق الحديث يشير إلى الحفاظ على عاطفة المرأة الجيّاشة وليس منعها من المشاركة الإجتماعية ,وهذا يضيف إلينا االيوم بعداً آخر فيقول عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال) بأن لا نعتبرها صخرة أو ترساً في آلة بقتل عاطفتها حين نقبل بخروجها للمساهمة في بناء الحياة وعمارة الأرض  , هي تحمل ذات القدرات العقلية التي يمتلكها الرجل إذا أحسنت إدارتها واستغلالها وهي أنثى لها رقةّ الزجاج علينا أن نقدّر فيها هذا المعنى والإختلاف الذي فُطرت عليه لتمنح الحب والحنان لزوجها وأبنائها وعائلتها بعاطفتها,ولتساهم في نهضة المجتم بعقلها وجهدها وإن قلّ...

هكذا سنتمكّن من تحقيق التوازن المطلوب حين نمنح المرأة الفرصة ونشجعها  لتثبت ذاتها وتسهم بيدها في نهضة المجتمع على قدر استطاعتها مع مراعاة أنوثتها والحكمة من خلقتها المتمايزة عن الرجل لتحقيق التكامل والتناغم الذي تتطلّبه الحياة ,كما علم بذلك جلّ وعلا.

وواجب المرأة اليوم أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع لا عبءً عليه بالمساهمة قدر استطاعتها في بناء المجتمعات الجديدة ,وذلك باستغلال كل الإمكانيات المتاحة وخلق ممكنات تجعلها تثبت جدارتها كنموذج يحتذى بها ,محافظةً على أخلاقها ملتزمةً بآداب الإسلام وأحكامه الصحيحة ومدركةً مسؤولياتها وأولوياتها في الحياة ,فعلى عاتقها سيتشكّل مجتمع إسلامي جديد جدير بأن يكون مضرب المثل بين الأمم.

 

علا باوزير

arwa7

علا باوزير

  • Currently 17/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 504 مشاهدة
نشرت فى 7 سبتمبر 2011 بواسطة arwa7

ساحة النقاش

ahmedjama3

نحتاج الى دراسات فكرية ودينية واجتماعية واقتصادية وسياسيه لنعيد للمراة دورها الفعال في المجتمعات فإن لم نصل نحن اليها كمسلمين استغلها الاعداء كنقطة ضعف ضدنا كما يحدث الان...من افضل الدول الاسلامية الرائدة في مجال المراة هي ماليزيا . فقد انشأت ماليزيا وزارة للمراة تعني بكل شؤون المراة ...

علا عمر باوزير

arwa7
من فكرٍ تمتد لنا آفاقه..وأدبٍ يطيب لنا مذاقه..وقّعت اسمي هنا..كانعكاساتٍ قابلةٍ للتعديل ..وضوءٍ يكون هنا دليل..وعزفٍ لحروفنا يروي أرواحنا الخصبة بالحب والعطاء.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,695