تنظيم القاعدة ..قراءة في مرحلة
مجرّد إعلان مقتل زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن)بعد ملاحقةٍ استمرت لسنوات ,خبرٌ يستحق الوقوف ليس نعياً للفقيد فهو في ذمة الله –رحمه الله-,وإنما مجرد قراءة لأحداث مرّ ويمرّ بها العالم العربي والإسلامي ..فتنظيم القاعدة الذي ظهر عام 1988م كان يعبّر بشكل من الأشكال عن رغبة الشعوب الإسلامية في الإنعتاق مما هي فيه من مآزقٍ تقتل حاضرها وتدفن مستقبلها وهي عاجزة عن الحراك ,لقد كانت هذه الشعوب تطمح في الدفاع والإنتقام أحياناً لنفسها من كل من تسبب في إذلالها وظلمها من قوىً خارجية ,ومن تغييب مستمر لدورها كشعوب وحقها في التعبير والتغيير داخل أوطانها ...وهذا ما ظهر في هيئة تعاطف الشارع العربي والإسلامي مع هذا التنظيم مما جعلهم يرفعون صور (أسامة بن لادن) في معظم المظاهرات التي قامت في بعض الدول الإسلامية إبان الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان ,بل وقبل ذلك في أحداث 11سبتمبر وسقوط البرجين فهناك أسر احتفلت بذلك كما علمت! ...مثل هذا التعاطف صدر خاصةً ممن يُساقون خلف عاطفتهم الوطنية والدينية الجيّاشة التي لم تجد لها مخرجاً سوى في هذا الرمز المدعو (أسامة بن لادن )وكأن (صلاح الدين الأيوبي)المُخلّص بعث من مرقده وجاء ليخلّص الأمة ..
بهذه الصورة انخرط بعض الشباب في معسكرات التنظيم ومنهم من حمل فكره مؤيّداً أو مُقتنعاً بكل ما يقوم به أو مجرّد تعاطفٍ معه ,هنا اتسعت دائرة التنظيم وباتت له أذرعه في العالم الذين ينتهجون ذات النهج ويعتنقون ذات الفكر ويمارسون ذات العنف ,ورغم أن تنظيم القاعدة بكل إشكالياته وتشكّلاته وإيجابياته وسلبياته وأخطائه التي استغلّها الكثيرون لتحقيق مصالحهم في المنطقة ,إلاّ أنه برأيي يمثل مرحلةً من المراحل العنيفة التي صنعتها ظروف معينة عايشها العالم الإسلامي محاولاً اكتشاف ذاته وتشكّل وعيه بأهمية الخروج من مأزقه ,والتعرّف على أولويات المرحلة التي لابد من معالجتها أولاً.
إن الأخطاء التي ارتكبها تنظيم القاعدة وأنصاره خصوصاً في ممارسة العنف ضد الأبرياء في داخل الدول وخارجها ,وما جرّته من ويلات على أبناء العراق وأفغانستان لابد أن تظلّ في الذاكرة التأريخية للشعوب الإسلامية ,وهذا بالتحديد ما جعل بريق تنظيم القاعدة يخفت في عيون مؤيديه وهو أيضاً ما جعل الشعوب العربية اليوم تتجه نحو التغيير السلمي في شكل الثورات الشبابية المنظّمة والبريئة من أي توجّهات سياسية أو حزبية أو طائقية.
إن تنظيم القاعدة أعتقد أنه لم يكن ليُخلق في أجواء حرّة وديمقراطية عادلة أو لنقل في حالة من الوعي الفكري الكافي ,وهذا ما يجب أن تتنبّه إليه الدول اليوم فمزيد من القمع والمصادرة والتغييب والملاحقة سيكون سبباً في بعث القاعدة من جديد أو إحياء فكرها ولو بطريقةٍ أخرى بل ربما أشد عنفاً ودمويّة .
علا باوزير
29-5-1432هـ
3-5-2011م
ساحة النقاش