مقومات ومعوقات التكامل الاقتصادي العربي ومقترحات إحيائه
د. أحمد محمد فراج قاسم
أستاذ مساعد
معهد بحوث الاقتصاد الزراعي – جمهورية مصر العربية
كلية الاقتصاد – جامعة عمر المختار - ليبيا
تمهيد:
يعتقد أنه قد آن الأوان لإعادة فتح ملف السوق العربية المشتركة التي لا توفر للعرب أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية فحسب وإنما توفر أيضاً أوضاعاً سياسية وتفاوضية يصعب تجاهلها وليس هناك أسلوب يصلح لإعادة فتح ملف السوق العربية المشتركة سوي أسلوب المصارحة والمكاشفة دون أي حساسيات، ولتكن البداية مجرد إشارة تستند إلي لغة الأرقام والإحصائيات التي لا تكذب أبداً والتي تؤكد أن عدد سكان العالم سيعبر حاجز السبعة مليارات فرد خلال أعوام قليلة وأن نصيب العالم العربي من هذه الزيادة السكانية سيكون كبيراً، ومن العجيب أن يهددنا تزايد السكان في العالم العربي برغم أن الأرض العربية مليئة بموارد طبيعية يحسدنا عليها الآخرون من بترول ومعادن وخامات في بعض الدول وانهار وأراض صالحة للزراعة في دول أخري، والحقيقة أن عدم النجاح في استغلال وتوظيف الموارد العربية الضخمة يرجع إلى أن العالم العربي برغم كل ما يتوافر له من عناصر الوحدة والتكامل مازال مقسماً ومفتتاً في شكل كيانات صغيرة تعكس بكل أسف واقع التردي وغياب الحيوية في الفهم والإدراك السياسي والاستراتيجي، لذا يتحتم علي العالم العربي في ظل رياح ثورات الربيع العربي أن نتفق علي ضرورة الخروج المبكر من خندق الأنانيات الإقليمية الضيقة التي يستحيل علي أي دولة عربية مهما تعاظمت قدراتها أن تواجهها بمفردها، ومن حسن الحظ أن معظم القيادات الحاكمة في العالم العربي الآن باتت علي اقتناع كامل بأهمية إنشاء سوق عربية مشتركة علي أساس أن التكامل الاقتصادي ليس فقط مجرد ضرورة حتمية وإنما التكامل الاقتصادي هو الخيار الوحيد، وأظن أن الحاجة إلي السوق العربية باتت أشد إلحاحاً من أي وقت مضي. وأن هذه السوق هي بمثابة إشارة إلي أن هذه الأمة مازالت تملك حيوية إثبات الوجود والقدرة على تجنب أي محاولات محتملة في الغد للتشهير أو الابتزاز في ظل العولمة التجارية والاقتصادية أو تحت وطأة الحاجة لمجاراة احتياجات الاقتناء لمنتجات العولمة التكنولوجية والعلمية، وليست كل دوافع الدعوة إلي إقامة السوق العربية المشتركة مجرد تعبير عن مشاعر سياسية طارئة وإنما أغلبها يعكس إحساسا بضرورة تأمين احتياجات الحاضر والاستعداد لأي مجهول يختبئ في تلابيب المستقبل، والأمم العظيمة هي التي تري الأخطار العظيمة وتتحسب لها قبـل وقوعها.
التكامل الاقتصادي العربي:
في ظل تمتع الوطن العربي بثروات طبيعية، ومالية، وبشرية ضخمة، ومهمة سواء من ناحية حجمها أو كمياتها، علاوة على ترابط الدول العربية في وحدة جغرافية متصلة من الأرض، وفي منطقة تتميز بمركزها الاستراتيجي المتوسط بين الشرق والغرب، ويضمها تاريخ مشترك ولغة واحدة، لذا فإن الوطن العربي بما فيه من طاقات وثروات طبيعية وبشرية، وموقعه الاستراتيجي، تتوفر له أكبر الإمكانيات ليصبح قوة اقتصادية كبيرة تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي.
وقد حظي موضوع التكامل الاقتصادي العربي بمكانة متميزة في اهتمامات الأمة العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد بدأ الأمر بقيام جامعة الدول العربية عام 1944 بعضوية الدول السبع المستقلة آنذاك وهي: مصر، والعراق، والأردن، وسوريا، ولبنان، والسعودية، واليمن، وتوالى بعد ذلك انضمام باقي الدول العربية، حيث تضمن ميثاق الجامعة تعاون الدول المشتركة فيها تعاوناً وثيقاً في الشئون الاقتصادية مما يعكس مدى الاهتمام بالتعاون الإقليمي العربي قبل تحقيقه على المستوي العالمي.
وعلى الرغم من تعدد المعاهدات، والاتفاقيات، والقرارات التي أقرتها مؤتمرات القمة والمجالس الوزارية العربية، والتي استمد منها العمل الاقتصادي العربي المشترك مرجعيته على مدار نصف القرن الماضي، أي منذ تأسيس جامعة الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وذلك على النحو التالي: (1) اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت بين الدول العربية عام 1953 (2) اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية (3) اتفاقية السوق العربية المشتركة (4) اتفاقية تسديد المدفوعات وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية عام 1954 (5) اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية عام 1981 (6) منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى (7) المشروعات العربية المشتركة (8) المنظمات العربية المتخصصة والتي نشأت بعد قيام المجلس الاقتصادي عام 1950 ومن أهمها: صندوق النقد العربي، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، منظمات عربية تعمل في نطاق قطاعي على المستوى القومي العربي مثل (المنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومنظمة العمل العربية، والمنظمة العربية للمواصفات والمقاييس، والمنظمة العربية للدول المصدرة للنفط، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للثروة المعدنية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، بالإضافة إلى العديد من الاتحادات العربية المتخصصة، والتي بلغ عددها خمسة عشر اتحاداً). (9) الاتفاقيات الثنائية والتي بلغ عددها 122 اتفاقية منذ الخمسينات، وتهدف معظمها إلى تنشيط التبادل التجاري العربي، وتحرير عدد من السلع المتبادلة، وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الاتفاقيات الثنائية، فإن آثارها الإيجابية على تدفق الصادرات العربية البينية ظل محدوداً للغاية (10) التجمعات الاقتصادية الإقليمية والتي بدأت منذ عقد الثمانينيات في محاولة لإعادة بناء وصياغة محاولات التكامل الاقتصادي العربي على أساس إقليمي، نظراً لمحدودية وتواضع النتائج التي أسفرت عنها محاولات التكامل الاقتصادي العربي تحت مظلة جامعة الدول العربية، وتأثر الدول العربية بظاهرة انتشار التكتلات الاقتصادية العملاقة على الساحة الدولية. وتماشياً مع هذا المنهج التكاملي الجديد، والذي يعمل خارج نطاق جامعة الدول العربية، تم إقامة ثلاثة تجمعات إقليمية عربية، وهي: مجلس التعاون الخليجي 1981، مجلس التعاون العربي والذي تم الإعلان عنه عام 1989، اتحاد المغرب العربي: والذي تم الإعلان عنه عام 1989.
ومما سبق يتضح أنه على الرغم من توافر الإمكانيات، والطاقات، والثروات الطبيعية، والموقع الاستراتيجي للوطن العربي، والعديد من الاتفاقيات، والمداخل التكاملية فإن تجربة التكامل الاقتصادي العربي سواء تحت مظلة جامعة الدول العربية، أو من خلال التجمعات الاقتصادية الإقليمية العربية لم تستطع تحقيق إنجاز يذكر في هذا المجال، بسبب العديد من المعوقات، من أهمها: عدم توفر الإرادة السياسية، وتفاوت درجات النمو الاقتصادي، وتباين الأنظمة والتشريعات الاقتصادية القائمة، وعدم كفاءة الهياكل الأساسية للبنية التحتية العربية، وخاصة شبكة النقل والمواصلات، وضعف إلية التنفيذ اللازمة للاتفاقيات العربية، وتناقض خطط التنمية العربية، وأساليب تنفيذها، وسيادة نمط إنتاج الصناعات الاستخراجية، والتبعية الاقتصادية للأسواق الأجنبية المختلفة، وغياب المشاركة الشعبية في صنع القرار، ومتابعة تنفيذه على المستوى المحلي والقومي.
مقومات التكامل الاقتصادي العربي:
تتوافر في الوطن العربي العديد من المقومات الأساسية لقيام التكامل الاقتصادي وإيجاد بنية ملائمة لعملية التنمية الشاملة. وفي الظروف الراهنة فان الانطلاق من اعتبار الوطن العربي ككل إطارا عاما لتحرك المقومات وفعلها هو ضروري عند التركيز على قضية التكامل, وذلك لأنه يسمح بتكامل موارد ومعطيات الأقطار منفردة أو في مجموعات إقليمية, وعملية التكامل تسهم في ترميم الخلل القائم في هيكلية الاقتصاد العربي وذلك إذا تكيف الإطار السياسي والإداري بالشكل الملائم ليفعل حركة النتاج بين الدول العربية. أي داخل الوطن العربي كوحدة اقتصادية. وان التعامل مع الوطن العربي كوحدة سياسية ترتكز على وحدة اللغة والتاريخ والعطاء الحضاري والآمال والمصالح المشتركة ووحدة الجغرافية. وهذه الخصائص والميزات تشكل مرتكزاً لعملية التكامل في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,وفي هذا المجال يمكن تحديد المقومات التالية:
تعدد وتنوع الموارد الطبيعية: حيث يمتلك الوطن العربي موارد اقتصادية كبيرة ومتنوعة سواء كان ذلك على الصعيد الزراعي والصناعي. فالوطن العربي يمتد على مساحة كبير جداً تبلغ حوالي 14 مليون كم2، وفي إطار هذه المساحة الكبيرة يتنوع المناخ والتضاريس وأنوع التربة وتتعدد مصادر المياه التي تبلغ حوالي 370 مليار م3 يستغل منها حاليا حوالي 175 مليار متر مكعب فقط.
ونتيجة ذلك تتعدد وتتنوع المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية ومصادر الطاقة من النفط إلى الغاز ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة. والوطن العربي من حيث وفرة هذه الموارد وتنوعها يمكن إن يحقق تكاملاً اقتصادياً يشكل عاملاً مساعداً لتوفير الأموال اللازمة لاكتشاف واستثمار الموارد المتاحة وغير المستثمرة, أو تحقيق استثمار نوعي وكمي مناسب للموارد المستثمرة.
حجم السوق العربية: تتوافر في الوطن العربي سوق مناسبة ومساعدة لعملية التكامل ترتكز على الامتداد الجغرافي الكبير للوطن العربي وأهمية موقعه الجيواستراتيجي والجيوسياسي والتعداد الكبير للسكان الذي وصل إلى أكثر من 300 مليون نسمة، وتعتبر السوق العربية عاملاً مساعداً لتصريف المنتجات المتوفرة في كل دولة على قاعدة تعدد الموارد المتاحة, ومن خلال عملية التبادل الداخلي والخارجي سواء بين الأقطار العربية أو المبادلات مع مناطق ودول أخرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي فقد شهدت الصادرات والواردات البينية بين الدول العربية وبين الدول العربية ودول العالم ارتفاعاً كبيراً خلال العقد النفطي أي بين عامي 1973- 1982 وبلغ ذروته عام 1981 حيث بلغ حجم التجارة النفطية حوالي379,7 مليار دولار، وفي عام 1980 بلغت الصادرات النفطية ذروتها حيث وصلت إلى حوالي 217,6 مليار دولار، حيث بلغت نسبة الصادرات إلى اليابان حوالي 63% عام 1985 وجدير بالذكر أن نصيب التجارة البينية العربية متواضع جداً بالمقارنة مع التجارة العربية مع الخارج حيث تبلغ حوالي 9,6% من جملة الصادرات وحوالي 7,8% من جملة الواردات لعام 1985.
وتعتبر سعة السوق العربية تشكل مجالاً رحباً للتكامل العربي الذي يمكن أن يقوم على أرضية التعاون بهدف تلبية حاجات السوق العربية ويؤكد هذه الحقيقة توافر عدد كبير من الموارد والإمكانات الضرورية لتوسيع الطاقة الإنتاجية وتحسينها إلى مدى بعيد ثم إنماء إستراتيجية ترتكز على التعاون والتكامل. ولابد من الإشارة إلى أن درجة اندماج الاقتصاد العربي في اقتصاد الدول المتقدمة لا يقاس فقط بمقياس كثافة التبادل التجاري معه, وإنما يقاس أيضاً بمعيار كثافة الاعتماد الثفافي عليه والتعامل الواسع مع مؤسساته المالية والاعتماد المفرط عليها بالرغم من الوفرة النسبية في الموارد المالية العربية, والاستخدام الكثيف لتسهيلات الاقتصاد الغربي في مجالات الاتصال والإعلام, ويلاحظ أن قدراً كبيراً من الواردات هي من النوع الاستهلاكي التي يمكن الاستغناء عنها في سبيل توفير المزيد من الموارد المدخرة للاستثمار المنتج. وكذلك فإن قدراً كبيراً من الواردات الاستهلاكية الضرورية يمكن إنتاجه في المنطقة لو تم تبني سياسة التعاون والتكامل أما واردات الأسلحة والنظم الدفاعية فتشكل قضية تستحق الوقوف عندها وذلك للأسباب التالية:
(1) انتهاج سياسة مشتركة لضمان الأمن القومي مما يسهم في خفض الحاجة إلى هذه الواردات (2) تساهم السياسة الإنتاجية المشتركة في تحقيق قدر ملموس من توسيع دائرة الإنتاج المحلي (3) تؤدي إعادة النظر في تقييم الحاجة الدفاعية إلى خفض الموازنات الدفاعية, خاصة وأن قسماً كبيراً من ترسانات الأسلحة الضخمة المتوافرة حالياً غير موجهة لمعارك تحرير الأرض العربية وحماية أمنها القومي من التهديد الخارجي, كما أثبتت التجارب الكثيرة خلال السنوات الماضية.
توافر الكوادر: يمتلك الوطن العربي كوادر مختلفة ومتنوعة سواء كان ذلك على الصعيد التكنولوجي أم الإداري. ومن العوامل التي أسهمت في تحقيق ذلك اتساع التعليم الأكاديمي وتعدد مراكز البحث العلمية. ففي الوطن العربي الآن مئات من الجامعات وحوالي 337 مركز بحث علمي وتتنوع الآن حقول الاختصاصات في المراحل التعليمية المختلفة, الإعدادية والثانوية والجامعية. وفي العديد من الدول العربية كوادر اقتصادية مدربة بالإضافة إلى توافر البني والوسائل المساعدة لعملية التكامل تنظم الاتصالات المختلفة من شبكات الهاتف ووسائل الاتصال المتطورة ووسائط النقل المختلفة, البرية والبحرية والجوية.
معوقات التكامل الاقتصادي العربي:
يمكن حصر أسباب فشل محاولات التكامل الاقتصادي في ثلاث مجموعات رئيسة، هي: مجموعة أسباب اقتصادية، وسياسية، وتنظيمية:
(1) الأسباب الاقتصادية: سيطرة نوع أو نمط الإنتاج الأولى على الاقتصاديات العربية وضآلة نصيب الصناعة التحويلية أو الصناعات النهائي التي تعتمد على القيمة المضافة للمنتج، وتفاوت أسعار مستلزمات الإنتاج بين الدول العربية الأعضاء في الاتفاقيات أدى إلى لجوء الأعضاء إلى حماية صناعاتها ذات التكلفة العالية من خلال القيود الإدارية، وعدم الاهتمام بشبكات النقل البري والجوي والبحري بين أجزاء الوطن العربي، واختلاف الأنظمة والسياسات الاقتصادية، وتباين مستوى الدخول بين الدول.
(2) الأسباب السياسية: التخوف من التعدي على السيادة القطرية، وأزمة الثقة السياسية بين الدول العربية بعد أحداث هامة مثل معاهدة كامب ديفيد، ومقتل الحريري، وغزو الكويت، وانتشار الفتن الداخلية في العراق، لبنان، السودان والصومال، ثورات الربيع العربي.
(3) الأسباب التنظيمية: افتقار نصوص الاتفاقيات بين الدول العربية إلى الدقة في تحديد الهدف ورسم الوسيلة، وعدم توفر البيانات والإحصاءات عن الأنشطة الاقتصادية المختلفة في الدول العربية، وترك المجال لكل دولة في حرية عقد ما تشاء من اتفاقات مع الدول الأخرى حتى لو تعارضت مع مصالح اتفاقيات الدول العربية الأخرى أو ميثاق الجامعة العربية، وازدواجية المهام التي تقوم بها الأجهزة والمنظمات التي تشرف على العمل العربي المشترك.
مقترحات وتوصيات لإحياء التكامل الاقتصادي العربي:
في الوقت الراهن تتجدد الدعوة لإحياء التكامل الاقتصادي العربي وذلك من خلال إقامة السوق العربية المشتركة نظراً لكونها تمثل تكتلاً عربياً لمواجهة التغيرات العالمية الجديدة لتجد الدول العربية مكاناً متميزاً لها بجانب التكتلات العالمية، وفيما يلي بعض المقترحات والتوصيات لإحياء هذا المشروع:
(1) تكثيف الاهتمام العربي الرسمي بمشروع ربط الدول العربية بشبكات سكك حديدية، والتحرك الجدي لوزراء النقل العرب باتجاه الدفع نحو بناء شبكات تعود بفوائد اقتصادية واجتماعية عديدة على دول العالم العربي. وذلك لأهمية دور السكك الحديدية في النمو الاقتصادي القطري والإقليمي، فالمنطقة العربية واحدة من مناطق قليلة جداً لا تملك مثل هذا النوع من الربط فعليا بين دولها، أو حتى على الأقل بين الاثنتين من دولها. فالقطارات تعتبر من أهم سبل المواصلات بين الدول الأوروبية، ولم يقف البحر حاجزا أمام تطوير هذا النوع من الربط بين دولها، فالنفق الرابط بين بريطانيا وفرنسا تحت بحر المانش، يشكل شرياناً حيويا لقطاع النقل بين الجزيرة البريطانية والقارة الأوروبية.
(2) الاستخدام الأمثل لما يملكه الوطن العربي من موارد وتوزيع الاستثمارات في المشروعات الصناعية بين الدول العربية وفقاً للميزة التنافسية لكل دولة .
(3) تحقيق المزيد من الاستثمارات والتوظف داخل الوطن العربي، مما يعني المزيد من الإنتاج وزيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة لأفراد المجتمع في الوطن العربي.
(4) زيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية واتساع حجم السوق العربي أمام المنتجات العربية. وتعتبر المبادرة لتعزيز هذا المقترح من شأنه أن يحقق فرص اكبر للتنمية بين الدول العربية، علماً بأن حجم الاستثمار العربي البيني بلغ (1985 – 2000) حوالي 15 مليار دولار فقط في حين بلغ حجم الاستيراد العربي من الدول الأجنبـية حوالي 154 مليار دولار لنفس الفترة.
ولمواجهة العقبات التي تحول دون قيام هذا التكتل العربي نجد أن هناك عدة أمور يجب أخذها في الاعتبار وهي :
(1) التنسيق بين السياسات الاقتصادية التي تطبقها كل دولة عربية على حدة وبين السياسات الاقتصادية الرامية إلى تحقيق أهداف التكتلات الاقتصادية العربية.
(2) التنسيق بين أي تكتل اقتصادي عربي مصغر وبين التكتل الاقتصادي الشامل بحيث لا يكون هناك تعارض بينهما.
(3) الاتجاه إلى تحقيق زيادة في حجم التجارة البينية بين الدول العربية وإعطاء الأفضلية للأسواق العربية في تسويق المنتجات العربية.
(4) ضرورة الحفاظ على كيان كل دولة عربية داخل التكتلات الاقتصادية العربية.
(5) الاهتمام بتوفيرالأجهزة والمؤسسات العربية الكفيلة بتنفيذ برامج التعاون الاقتصادي العربي للوصول إلى التكتل الاقتصادي الفعال.
(6) العمل على توفير البعد التكاملي بين الاقتصاديات العربية ومحاولات تقليص التنافسية بين الاقتصاديات العربية.
آفاق مستقبل السوق العربية المشتركة:
يمكن طرح بعض المقترحات التي نرى عند تبنيها، أو تطبيق بعض من بنودها قد تساهم في تحقيق تنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة، والتي نوجزها على النحو التالي:
(1) التأكيد على وضع تصور واضح لتنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة يحمل في طيته إستراتيجية خطة شاملة مستقبلية، تتضمن بنوداً للخطوات والتوصيات ذات أولويات واضحة، واليات التنسيق التي تكفل التطبيق وقبول مشاركة جميع الدول العربية بقطاعيها الحكومي والخاص، وان تحرص الجهات المختصة في الدول العربية بأن تضع مصلحة قيام السوق العربية المشتركة فوق مصالحها القطرية، وأن تحرص الدول العربية على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد الاقتصادية المتوفرة لديها، وان يسعى المجلس الاقتصادي الأعلى العربي إلى ضرورة إحداث هيئة عامة مسئولة عن المنتجات العربية والاهتمام بالخصائص التي لها علاقة بالمواصفات النوعية والجودة.
(2) أن يبذل المجلس الاقتصادي الأعلى العربي جهوداً نحو الاهتمام بالبحوث والتطوير في بنك المعلومات عن كل ما يتعلق بالتبادل التجاري البيني، خاصة التصدير والاستيراد، وان يحرص على تحديث هذه المعلومات بصفة سنوية ويقوم بتوزيعها ونشرها.
(3) أن تحاول الجهات المعنية في الأقطار العربية تخفيض تكاليف النقل بين دولها لأن هذا يساهم في تخفيض أسعار السلع، مما يجعلها في وضع أفضل أمام المنافسة العالمية، ولتعزيز وتفعيل التجارة العربية البينية لابد وان تحرص الجهات المختصة في كل دولة عربية بتخصيص نسبة تتراوح ما بين 5% - 10% من إجمالي الناتج المحلي لها وضخه في مشاريع استثمارية داخل الدول العربية، لأنه من الضروري تنويع الإيرادات الحكومية للأقطار العربية، وذلك من خلال توجه الحكومات العربية نحو التعاون مع القطاع الخاص في الدول العربية المختلفة في الاستثمار بمشروعات مشتركة، خاصة في المجالات غير التقليدية، مثل الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات، والتجارة الالكترونية، وتطبيق التكنولوجيا في الجهاز المصرفي وسوق الأوراق المالية، حيث أن مجال التقدم في الثورة المعلوماتية متاح للدول العربية، وقد يكسبها ميزة نسبية نظراً لعدم وجود حواجز أو منافسة شديدة مقارنة بالمجالات التي تتعلق بالثورة الصناعية على الساحة الدولية.
(4) إن تبني هذه المقترحات أو بعضها قد يساهم في تحقيق تنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة وقد تلعب دوراً كبيراً في الوصول إلى المرحلة الأخيرة في التكامل الاقتصادي العربي وهي الوحدة الاقتصادية العربية، التي تعتبر من أهم الطموحات والحلم الكبير لكل مواطن عربي داخل الوطن العربي وخارجه مما يشكل حافزاً قوياً للعقول العربية المهاجرة لعودتها إلى ديارها، التي هي أحق بها من غيرها، وسيحد من هجرتها في المستقبل، كما أن تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية لابد وأن يفضي إلى تعزيز ثقة رجال الأعمال والمستثمرين العرب في قوة ومتانة الاقتصاد العربي، وان الأموال والاستثمارات العربية الضخمة في الخارج والتي قدرت حسب الإحصائيات الأخيرة بنحو 850 مليار دولار سيتوجه جزء كبير منها إلى السوق العربية المشتركة والتي ستتحول مستقبلاً إلى الوحدة الاقتصادية العربية وسيصبح حجم التجارة العربية البينية 306,5 مليار دولار، وحجم التجارة العربية الخارجية 28,5 مليار دولار، أي عكس التقديرات الحالية، وهذا بالتالي سيتولد عنه ارتفاع ملحوظ في الناتج المحلي للأقطار العربية، مما سينعكس ايجابياً على رفاهية المواطن العربي من المحيط إلى الخليج.
ساحة النقاش