كتب: د. علي بن عمر بادحدح06 يونيو, 2012 - 16 رجب 1433هـ
نجدد الصلة مع حديثنا أنوار آية، ونبقى مع الآية الحادية والأربعين من سورة العنكبوت في قوله جل وعلا: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].
وفي بداية الحديث عن الآية أقدم بتنوع وجوه الخطاب في القرآن العظيم، وهو تنوع له أثره في العقول والنفوس، فالقرآن كما جاء مقرراً للأحكام، وموجهاً للأوامر، ومحذراً من النواهي، جاء كذلك بالقصص والأمثال التي لها مزية كبيرة في الإقناع العقلي والتأثير النفسي.
ومن هذه الوجوه في التنوع: (الأمثال) والله سبحانه وتعالى بيّن بعض حكمتها كما في قوله عز وجل:
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت : 43].
والمثل هو: تقريب الأمر غير المعروف من خلال الأمر المحسوس المعروف، فهو نوع من التشبيه والقياس الغرض منه تقريب الفهم وتوضيحه من جهة، ومن جهة أخرى للمثل عبرة في القلب والعقل، فنحن عندما نُعلِّم ندرك تماماً أن التمثيل أبلغ في الإفهام، وفي بقاء المعلومة، وفي القدرة على تعليمها للآخرين، فعلى سبيل المثال عندما أتحدث عن صفة الوضوء وأقول: أن يغسل كفيه ثم يتمضمض بإدارة الماء في فمه، ثم يغسل يديه إلى مرفقيه. كل ذلك كلام حسن وعلم نافع وترتيب مقصود، لكن لو أخذت الماء فغسلت اليدين ومضمضت الفم، وغسلت الوجه أمام السامعين لكان ذلك أوضح بما لا يدع مجالاً للشك، فعندما أقول يغسل إلى الكعبين قد يكون فهمي للكعب غير فهم هذا فيختلف الأمر، أو إلى الكوع، لكن عندما يرى الجميع المثال يصبح الأمر لا خلاف فيه، والرؤية حينئذ حاكمة.
ومن هنا فإن المثل والتمثيل وضرب الأمثال من أعظم الأمور التي فيها إعانة على التفهيم والتوضيح والتعليم وحصول المقصود سواءً أكان المقصود أمراً بفعل، أو نهياً عن فعل أيضاً.
ثم نأتي أيضاً إلى أن المثل إما أن يكون مضروباً بحدث وقع، فيُذكر الحدث ليُضرب به المثل كما هي الأمثال السائرة، والأمثال السائرة هي عبارة عن كلمات قيلت في واقعة، فلما كانت هذه الواقعة تدل على معنى معين جُعِل المثل كأنه يشير إليها، ويدل على كل حالة من الحالات التي تشبهها.
وإما أن يكون المثل مضروباً بالأمور المحسوسة المعلومة، وإن لم يكن مرتبطاً بفعل الإنسان، كأن نقول معنى الضعف والهون مثل بيت العنكبوت فبيت العنكبوت يعرفه الناس، فيعرفون حينئذ المعنى المقصود في هذا الوهن.
وقد ذكر المفسرون عند هذه الآية على وجه الخصوص وغيرها من الآيات كلاماً في شأن الأمثال فيه مزيد من الفائدة، فمن ذلك ما ذكره الزمخشري في قوله: "لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيئات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، إضافة إلى فوائد أخرى، وفيه تبكيت للخصم الألد وقمع لسورة الجامح الأبي" فالذي يقول لا شيء في تبرج المرأة واختلاطها بالرجال ما دامت النية سليمة، سواء أكان مسلما أو غير مسلم، نضرب له مثلاً بأمور وقعت فتكون مخرسة له؛ لأنه حينما وقع هذا التبرج وحصل ذلك الاختلاط، وتحققت تلك الخطوة وقعت أمور كل الناس يعرفها من وقائع بعينها، فحينئذ يصبح هذا حجة قوية وإفحاماً كبيراً.
ولأمر ما -كما يقال- أكثر الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين من الأمثال.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الأمثال في أحاديثه كثيراً، ونحن نحفظ كثيرا من هذه الأمثال سواء في الجانب الايجابي: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم)، وفي الجانب التحذيري: (حتى لو دخلوا جحر ضب خرب)، حتى لما نبّه النبي عليه الصلاة والسلام على الأمثال في تلقي هدي الله عز وجل ما بين الأرض التي تشرب الماء وتنبت الكلأ، وما بين الأرض التي تحفظ الماء ولا تنبت الكلأ، وما بين القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ هذا أمره واضح وظاهر.
وفي القرآن أيضاً ما يشير إلى أهمية اعتبارنا بالأمثلة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] لأن الكفار قالوا ما ضرب الله لنا مثلا إلا بالبعوضة، سبحان الله! الله يختار ولكن ضرب المثل أيضاً ببعض صغائر الأمور هو من أعظم الحجة فيما يدل على ما هو أكبر منها، ومن هنا قال القائل مقولته الشهيرة: في أن الكائنات الدقيقة ربما نرى أنها في إبراز عظمة خلق الله أكثر مما نراها في أمور كبيرة ومشهودة:
يا من يرى مدّ البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها *** والمخ في تلك العظام النُحّل
كيف يمكن أن نرى مد البعوض جناحها؟ هي البعوض لا تراها في الليل فكيف ما وراء ذلك من هذه الأمور، هذا أمر نحتاج فيه إلى هذه الحقائق والمعاني.
هذه الآية التي عندنا فيها قضية مهمة وهي الاعتماد على غير الله عز وجل سواء أكان ذلك كفراً وشركاً، أو كان عند بعض المؤمنين ممن يركنون إلى غير الله سبحانه وتعالى ولا يلتجئون إليه حق الالتجاء، فهذا الله سبحانه وتعالى ضرب به المثل، وبيّن فيه عجز الخلق في آيات كثيرة، وهي واحدة منها، كما قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] وهذا المثل الذي معنا في هذه الآية قريب من هذه الدلالة.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "إنها مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله" وإن لم يسمِ جل وعلا الآلهة لكنه ذكر هنا ما تتخذ الآلهة لأجله، لم يتخذ الناس آلهة إلا ليلتجئوا إليها ويركنوا إليها، ويستمدوا منها ويستعيذوا بها، هذا هو المقصد الأعظم لهذه الآلهة بغض النظر عنها، ونحن عندما نؤمن بالله عز وجل ونتخذه إلهاً ونخضع له ونعبده، إنما هذه صورة من صور تولينا لله عز وجل وتوليه لنا فلا ولي لنا إلا الله سبحانه وتعالى، فإذا سدّت الأبواب ليس لنا إلا الالتجاء إليه، وإذا جاءت الصعاب ليس لنا إلا الدعاء له، وهكذا.
ومن هنا جاءت الآية في هذا المعنى بذكر الآلهة لكن من خلال ذكر ما يُعتمد فيه على الآلهة، أو ما تُقصد الآلهة لأجله.
وهذه الآية فيها تصوير عجيب فالله سبحانه وتعالى قال: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ}
معنى الاتخاذ يشعر بالقصد والإرادة والتوجّه ليس أمراً عابراً، عندما تتخذ الشيء فإنك تقصده وتذهب إليه وتختاره من بين غيره، ولذلك هذا المعنى مهم؛ لأن أنواعا في حياة البشر من الآلهة كانت مختلفة، واليوم قد يقع الناس في ضروب من العبوديات والألوهيات ليست بالضرورة عبادة أصنام أو أشجار أو أحجار، لكن هي ضروب أخرى من التعلق والاتخاذ، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة) هذه صور من العبودية فيها شيء من التأليه والالتجاء، فهو يلجأ إلى ذلك المال، يلجأ إلى ذلك الجاه، يلجأ إلى ذلك السلطان، كما هو واقع في حياة الناس.
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} وهذه الكلمة تتكرر في القرآن كثيراً وهي عظيمة المعنى، كل من في هذه الأرض ممن له قوة أو سلطان أو عنده قدرات أو إمكانيات كلهم مجموعون في لفظة واحدة يسمون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} الملوك والجبابرة والجيوش والأسلحة والخطط، وكل شيء في هذا الكون هو اسمه {مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا تصغير؛ لأن فيه دونية، وهو أيضاً تصغير من جهة أن كل القوى وكل البشر على امتداد التاريخ منذ خلق الله الأرض وحتى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل ذلك هو من دون الله، فالبداية قبل أن نمضي إلى المثل من العاقل الذي يتخذ من دون الله، ثم قال {أَوْلِيَاءَ} والولي هو الذي تحبه بقلبك، وتلجأ إليه عند كربك، ولا شك أنك تنتظر منه النصر؛ لأن هذه طبيعة الولاية فالولاية محبة ونصرة، فنحن نقول: إن الله ولينا، فنحبه وننصره بأن نقيم أمره، ونقول: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم ولينا من جهة أخرى، فنقول: إننا نحبه وننصره وهكذا.
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} تركوا الله عز وجل وهو القادر على كل شيء، وهو العالم بكل شيء، وهو سبحانه وتعالى صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلى، واتخذوا من دونه أولياء. كلمة (من دونه) معبّرة، جاء المثل بماذا؟ {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} ومعنى اتخذت أي أنها قصدته ونسجته وعملته واتخذت له الموقع المناسب والمكان المهيأ والمواد المناسبة له.
لماذا يتخذ الناس البيوت بالمناسبة؟ يقول الرازي: "إن البيت لا بد له من حائط حائل، وسقف مظل، وباب يغلق، وأمور ينتفع بها ويرتفق"، وإن لم يكن كذلك فلا بد من أحد أمرين إما حائط حائل يمنع من البرد وإما سقف مظل، هذا أقل شيء! وهو المقصد الأعظم من البيت، فالبيوت تتخذ للوقاية والحماية، ولحفظ الأسرار وبقاء الخصوصيات، وللراحة والسكون والهدوء، فهل يتحقق هذا في بيت العنكبوت؟!.
هكذا جاءت الآية، واضحة! نحن نعرف ما معنى البيت؟ وهنا سمي بيت العنكبوت لكنه لا يحقق المقاصد التي نعرفها في البيوت، ولذلك قال الرازي: "فمن لم يحصل له شيء من ذلك فهو كالبيداء، ليس ببيت لكن بيت العنكبوت لا يجنها ولا يكنها وأدنى ريح تنتهي به".
قيل: إن أعرابية شريفة وعزيزة النفس وجميلة، تزوجها أحد الخلفاء وأسكنها في قصر منعمة مكرمة، ولكنها اشتاقت إلى حياة البادية فقالت بيتين جميلين يحققان لنا معنى متعلقاً بقضية معنى البيت:
لبيت تخفق الأرياح فيه *** أحبُّ إليَّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني *** أحبُّ إليَّ من لبس الشفوف
هناك حرية وهدوء وطمأنينة وأمور أخرى، فقارنت هذا بذاك، ولذلك نقول هذا المعنى مهم جداً في حقيقة معنى البيت، الذي نتحدث عنه أو تريد الآية أن تبيّنه لنا، هؤلاء ماذا قصدوا بالأولياء والآلهة، إنهم لا يلجؤون إليها في أمر عارض، بل في أعظم الأمور، يوم تكون هناك مشكلات كبرى ومواجهات عظمى يلجؤون إلى هذه الأولياء، سبحان الله فالأمر عظيم والمعتمد عليه في غاية الضعف والوهن الذي ضُرب له ببيت العنكبوت، العنكبوت يأتي في البيوت عندما نهجرها قليلاً فماذا نصنع؟ ننظفها بأي شيء أحياناً بالمنشفة، وأحياناً تنفخ فيه نفخة فيزول هذا البيت وينتهي أمره، وهذه هي الحقيقة الفعلية الواقعية لكل من اعتمد على غير الله عز وجل، ولذا كانت العبرة بفرعون وهامان وقارون والأمم السابقة كلها كانت عندها قوات وجيوش، فرعون يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وكان يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] ثم ماذا؟ كل هذا في الأخير غرق، وقال الله عز وجل: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] وقارون كانت خزائنه {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76] وخرج على قومه في زينته وقال كذا، ثم ماذا؟ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81].
وهكذا قصة صاحب الجنتين، وكل قصص القرآن تبين لنا أن من اتخذ إلهاً غير الله، وولياً غير الله وجعل معتمده على غير الله، حتى لو كان في الأصل مؤمناً بالله، فإنه يخسر ولا يحقق مراده ولا تتحقق له السكينة والطمأنينة من خلال الحماية والوقاية، ولا تتحقق له النفع والفائدة من خلال المدد والنصر، فإن ذلك كله يُحرم منه من لا يجعل الله عز وجل هو معتمده ومقصده، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 5] والناس كلهم يموتون، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء: 217] العزيز القوي الباطش، لكنه يوم تعتمد عليه وهو من بين بني البشر ربما غداً ينقلب بطشه عليك، لكن الله جمع العزة والرحمة سبحانه وتعالى، فصار توكلنا عليه هو أعظم توكل يحصل به النفع في كل الظروف والأمور والأحوال.
ثم أيضاً بيت العنكبوت نسجه مفيد له، وهو محقق لبعض أغراضه ومقاصده، وصيد طعامه من الذباب وغيره، لكن أنت كيف تتخذ هذا بيتاً لك؟ الذي تحتاجه غير هذا، وغير هذه القوة، وغير هذه القدرة، وغير هذه الكيفية، ثمة أمور مختلفة.
ولذلك لا بد أن نعلق الأمور بالله سبحانه وتعالى، وهذا كما هو مضروب في أمثلة كثيرة، قال الله سبحانه وتعالى هنا: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} أي لها، لكن نحن إذا اتخذناه {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وهذا استدعاء للتدبر والعقل والإدراك، فإن القرآن كتاب حجّة، وكتاب دليل وبرهان، وكذلك كتاب اتعاظ واعتبار، فإن هذا المعنى أيضاً يدل على هذا الاعتبار.
ثم أيها الإخوة نحن لا نريد الوقوف عند المعاني ولا التمتع بمعرفة بعض وجوه البلاغة وروعتها، نحن نريد ما هو أعظم من ذلك، وهو الاتعاظ والاعتبار والعمل والامتثال، لذلك نحن -في حياتنا اليوم طغت علينا الماديات- حتى تعلقت القلوب بها أكثر مما ينبغي، وصار تعلقها وصدق توكلها وعظمة إنابتها لله عز وجل أضعف مما ينبغي، ولذلك انظر إلى بعض الأحوال عندما يمرض الناس قل من يستشفي بالقرآن، ولا نقول :لا تذهب للطبيب، لكن قلّ من يذهب إلى الطبيب وهو يدعو الله ويعتقد أن شفاءه من الله، بل الناس يستخدمون عبارة: إذا ذهبت إلى طبيب ولم يكتب الله الشفاء على يديه، يقولون: اذهب إلى فلان هذا الطبيب مباشرة، سوف يحل لك المشكلة ويشفيك أحياناً نعبّر حتى بالعبارات، بينما في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] ونحن نعرف هذا المعنى لكن الواقع أحياناً ينتابنا فيه أمور، ومثل أيضاً الكرب، وخاصة الكرب المالية والمادية، يُذل الناس بها أعناقهم وقد يبيعون مبدأهم وقد يدنسون أخلاقهم لأجل أن يفكّوا كربهم أو أزمتهم أو غير ذلك بينما صدق التوكل على الله، والأخذ بالأسباب يجنبهم هذه المنزلقات كلها.
وكلما مرّ بنا ما نحتاج فيه إلى الالتجاء نتذكر هذه الآية وأمثالها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اعتمادنا وتوكلنا عليه، وإنابتنا إليه، وخوفنا منه، ورجاءنا فيه، وأن يعلق قلوبنا بطاعته ومرضاته، ونسأله سبحانه وتعالى أن يغنينا بفضله عمن أغناه عنا، وأن يجعلنا أفقر الفقراء إليه، وأن يجعلنا أعظم المستغنين به، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ساحة النقاش