موقع الأستاذ عبد الفتاح أمير عباس أبو زيد

موقع لغوي أدبي تربوي قبمي

أنوار آية : من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه

كتب: د. علي بن عمر بادحدح10 يوليو, 2012 - 20 شعبان 1433هـ

 

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..

يتجدد لقاؤنا مع أنوار آية، والآية هي قوله سبحانه وتعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

وهي آية عظيمة من آيات القرآن الكريم، تكمن أهميتها في كونها متصلة بسلوك المسلم المباشر في هذه الحياة، ومن جهة أخرى لاتصالها بالعدالة والحكمة الربانية التي تتجلى في معانيها.

فالله سبحانه وتعالى يحدد في هذه الآية المسؤولية الفردية التي ترجع للإنسان نفسه، واختياره الحر الذي ليس فيه إكراه، والذي في الوقت نفسه لا يخرج عن دائرة عظيمة واسعة هي دائرة علم الله الواسع ومشيئته النافذة التي لا نستطيع نحن أن نحتج بها؛ لأننا لا نعلمها ولا نعرفها حتى نجعلها حجة لنا.

بعض الناس يحتجون احتجاجاً خاطئاً فيقول أحدهم -وقد انحرف في سلوكه وارتكب المعاصي والآثام-: هكذا كتب الله عليَّ، وإذا سألته هل علمت ما كتب الله عليك؟ وهل اطلعت على المكتوب لك في صفحات الغيب؟ ولا أحد يدعي ذلك! فكيف تقول ذلك رجماً بالغيب؟ وإن جئنا إليك في جانب آخر فقلنا لك: لم لا تقول ذلك في دراستك فتهمل في الدراسة، وتقول كتب الله لي النجاح، أو كتب الله لي الرسوب.

 فإن قيل لك ذلك قلت: لا. لابد أن أبذل الجهد وبعد ذلك تظهر النتائج، فلِمَ يكون ذلك في شأن أمور الحياة الدنيا والعمل، ولا يكون في أمور الحياة الأخرى والطاعة.

الله جل وعلا في هذه الآية يقول: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} والمقصود هنا: جمع الهدايتين.

فالهداية هدايتان:

هداية معرفة وبيان، وهداية توفيق والهام.

فمعرفتك أن في هذا خيراً هذه هداية لكن لا تنفعك هذه الهداية إن لم تأخذ بالحق وتعمل به، فالناس كثيرٌ منهم يعرف الحلال والحرام، لكنه لا يعمل بالحلال، ولا ينتهي عن الحرام، فالهداية المقصودة هنا من عرف ولزم ما عرفه من الحق عملاً بالواجب وتركاً للمحرم.

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي من عرف الحق واتبعه بالتزام القرآن واقتفاء آثار الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك فائدته لنفسه؛ لأن الله جل وعلا لا تنفعه طاعة الطائعين، كما لا تضره معصية العاصين، والطاعة أيضاً لا تخرج عن دائرتك إلى غيرك، فإن صليت وزكيت وحججت وصمت فلن أستفيد أنا من هذا، إنما المستفيد منه أنت في دنياك وفي أخراك بإذن الله عز وجل.

وفي مقابل ذلك {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} والمقصود هنا بالضلال هو ترك مقتضى الهداية، إما بالجهل بها وإما بالنكوص عنها، إما بعدم طلب العلم لمعرفة الواجب من المحرم ومعرفة ضرورات هذا الدين، والمعلوم من الدين بالضرورة، ومعرفة ما يجب عليه معرفته عند إرادة العمل، فمن أراد الحج يجب عليه معرفة أحكامه عند إرادته للحج، ومن أراد أن يكتسب بالتجارة لزمه أن يعرف أحكام هذه التجارة، ومن أراد أن يعمل بالزراعة لزمه أن يعرف أحكامها، فمن ترك ذلك وأعرض عنه فهو ضال بعدم المعرفة عن قصد، وإما أن يعرف فيترك مقتضى هذه المعرفة ويضل عنها بمعنى أنه كأنه لم يعرفها بالكلية؛ لأن المخالفة لها تقتضي ذلك.

{وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي على نفسه فكذلك العاقبة واللائمة لا تقع إلا عليه، وهذا نهج قرآني تكرر في الآيات القرآنية كثيرا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104] {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108] الآيات في هذا كثيرة وهي مطابقة كذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه بياناً لمعاني القرآن: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) كل الناس يغدو في هذه الحياة، وينطلق فيها يقول الأقوال ويعمل الأعمال ويتعامل مع الناس، فإما أن يعتق نفسه أي: من عذاب الله بما يلتزم من تنفيذ الأوامر وترك النواهي، وإما أن يوبقها بأن يهلكها لما يقع فيه من مخالفة أمر الله عز وجل ارتكاباً للمحرمات أو تركاً للواجبات أو عدواناً على حقوق الناس، وهذا أمرٌ مهم سنكمله في بقية الآية ثم نعود إلى بعض المعاني؛ لأن الآية قررت هذا الجانب الثاني بتقرير آخر إضافي، وما هو؟ نحن هنا نقول: {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يعني إذا اكتسب -والعياذ بالله- إثما أو ارتكب جرماً فإنه لن يضر إلا نفسه، ومع ذلك جاء قوله عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهذه الآية تأكيد لهذا الشق الثاني فإنها تتكلم عن الوزر والإثم وعن الشق الذي قال: {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لِمَ جاء هذا التوكيد؟ قال بعض أهل التفسير: "لئلا يلتمس أحد لنفسه عذراً بمن سلف" لأن الكافرين قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] والآخر يقول لك: كل الناس يعملون هذا، هل أنا وحدي من بينهم؟ فنقول إن من ضل فضلاله عليه، وبالتأكيد ليس لك عذر ولا حجة ولا مبرر فإن الله قرر في هذا الموضع قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

ووزر يأزر وزراً أي أثم، وهو أيضاً في معنى الحِمل الثقيل لا يحمل أحد وزر أحد يعني إثمه، وهذا المعنى تكرر في القرآن كثيراً؛ لأن الناس تسول لهم أنفسهم ويزين لهم شيطانهم تبرير آثامهم، وهذا واقع في حياتنا اليوم كثيراً، من يأكلون الربا في تعاملهم مع البنوك يقولون: ماذا نصنع كل الناس يفعلون ذلك؟ وهذا أمر لم يعد هناك قدرة على تركه ويصبح يسوغ لنفسه ذلك، والسؤال هل ستحاسب أنت مع الناس جميعاً، أم ستحاسب وحدك؟ لن يكون عذرك عند الله عز وجل مقبولاً أن تقول إذا أكلت الحرام إن الناس أكلوه فأكلت معهم، كلا. لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساؤوا فاجتنبوا إساءتهم)، وهذا المعنى أيضاً تكرر كثيراً في القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134]، كل سيحاسب وحده، وهو ما يسمى بالمسؤولية الفردية.

ويرد هنا سؤال: أين نذهب ببعض الآيات والأحاديث التي في دلالتها أن هناك حملاً قد يحمله الإنسان من غير إثمه ووزره؟، كقوله عز وجل: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)، وقوله سبحانه وتعالى في آيات أخرى بهذا المعنى أيضاً، هذا المعنى هو معنى حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من سَنّ في الإسلام سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، هل هناك تعارض؟ الجواب: لا، لأن الأمر واضح في هذا الفعل الذي يلحق بالإنسان به أجرٌ من غير أجره، أو وزر من غيره، إنما هو من عمله نفسه؛ لأن من علّم الناس هو أخذ أجر العلم، لكن التعليم الذي علّمه للناس فنشأ عنه عمله، وأيضاً من فروع عمله فهو لا يؤجر على عملهم وإنما يؤجر على عمله بتعليمهم، إن كان قدوة لهم كما ورد في الحديث الذي قلناه في شأن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام للتبرع للفقراء فجاء رجل من الأنصار بكرة من ذهب كادت كفّه أن تعجز عنها، بل قد عجزت، فتتابع الناس فاجتمع كومان من ثياب وطعام، فكان تقدمه بهذا التبرع سبباً في حث الناس، فحين يؤجر لا يؤجر على ما صنعوه هم بأنفسهم وبأموالهم، وإنما يؤجر على ما نشأ من فعله من تحريكهم وتسابقهم إلى فعل الخير، وذلك كذلك في أمر الإضلال والإفساد فالذي يكشف للناس العورات في وسائل الإعلام، ويقرب الشهوات ويثير الغرائز، فهذا عمل يتعدى حينئذ من العمل الذي قام به إلى أثر نشأ فيمن رأى هذا العمل، فتولد عنده انحراف أو قصد إلى فعل السوء أو وقوع في المنكر هو يتحمله ويكسب إثمه وهذا يتحمل قدر الإثم الذي كان فعله المباشر.

فالله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحداً، فمن تسبب فعله في إضلال غيره فإنه يلحقه إثم يخصه من أثر فعله المباشر، كمن يعلم الناس السحر أو يعلمهم قول الباطل أو يعلمهم فعل المحرم، وهذا -وللأسف- ينتشر بين الناس كثيراً في هذه الأوقات، نقول إن هذا يلحقه الإثم من واقع فعله وليس من واقع ما قد يكون متعلقاً بفعل غيره، يعني أنه لا يحتج فيقول لماذا آخذ إثماً من الآخرين، نقول لا هذا إثمك أنت لأنك الذي أعنتهم أو يسّرت لهم، أو دعوتهم، أو حرضتهم، أو أثرت في نفوسهم بهذا الفعل، وإلا لأصبحت كثير من أسباب الجنايات مرفوعة؛ لأن هناك من يقومون بالتحريض، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة؛ كُتِب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة الله)  قال: هو هناك، أو قال: اقتله، أو هيأ سبباً من الأسباب.

ولذلك تأخذ حكماً أو تأخذ إثماً يتعلق بها بحسب ما يكون: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل : 25] فهؤلاء الذين يدعون إلى الباطل وليس يفعلون الباطل فقط، ويلحق بهم من يفعل الباطل على هيئة تدعو إلى مقارنته ومشابهته، لو أن إنساناً أجارنا الله وإياكم شرب الخمر في بيته مختفياً عن الناس هل يلحق شاربي الخمر الآخرين؟ هل يلحقه إثم من شرب؟  الجواب: لا.، لكن إن خرج على أعين الناس وشرب فتجرأ الآخرون وشربوا أليس في هذا الفعل المعلن أثر أضاف إليهم فعلاً؟ وهكذا الذي يفعل الفعل الخاطئ على وسائل الإعلام فإنها دعوة صريحة، ولذا ورد في صحيح البخاري عن: (الرجل الذي يعذب يوم القيامة بكلاليب توضع في شدقه فيشق إلى آخر فمه ثم يعود كما كان)، قيل: "من هذا يا رسول الله؟" قال: (الرجل يتكلم بالكذبة تبلغ الآفاق)، يعني هو لم يكذب عليَّ وعليك، وإنما كذب كذبة في وسائل الإعلام فعلمها كل الناس وصدّقوها، وربما عملوا بموجبها، وربما حصلت بها نكبات وكوارث فحينئذ تكون دائرة المسؤولية أوسع.

ولذا في عصرنا هذا فإن قوله جل وعلا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} حقيقة مضطردة، ولكن الذي يقدّم هذا الوزر في ثوب يزيّنه ويحسّنه ويسوّغه ويذهب عنه أثر الحرمة، فإن الإثم -لاشك- يلحقه

وأضرب لكم مثالاً في مشهد يجمع شاباً وفتاة متبرجة في سن الشباب تمسك بيده ويمسك بيدها فيأتي من يقول كيف تكونان على هذا الوضع؟ وهناك حديث يقول: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) فتجيب في الحوار قائلة: إن الرسول قال: (كان الشيطان ثالثهما)، ولكنه لم يقل إنه سيغلبهما، فإنهما يغلبانه بطهارة قلوبهما وقوة عزائمهما وغير ذلك، إن مثل هذا القول بالنسبة للشاب والشابة غير الواعين مؤثر ومقنع، فسأخلو بأي فتاة ما دمت قادراً على أن أغلب الشيطان، وسبحان الله لا أدري من أين جاء هذا الفهم إلا أن يكون هو فهم الشيطان نفسه قد ألقاه إلى هؤلاء فصاروا شياطيناً ينقلونه إلى الناس -والعياذ بالله-!.

فهناك فرق بين وقوع الإثم وبين تسويغه وتبريره وتحليله، وللأسف إن الذي يُقدّم كثيراً عبر وسائل الإعلام ليس هو الفعل المحرم بل هم يقومون بفعله ويدور الحوار بعد ذلك من يقول إن هذا حرام؟ من يقول إن هذا فيه شرف؟ وإن هذا فيه أجر؟ أو فيه مهنة؟ أو فيه تقدم؟ أو فيه كذا... فهو إظهار للباطل والمحرم بصورة تنفي عنه الحرمة، بل وقد يكسى كساءً يدل على أنه مرغوب فيه ومدعو إليه على غرار ما جاء في حديث حذيفة ويروى مرفوعاً وموقوفاً :(حتى يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وقد التبس الأمر على الناس، بينما في وقت قريب ماضٍ لم يكن هذا مما يلتبس على الناس.

ومثل ذلك أيضاً في الإحسان يقع كما قلنا، (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها)، إن شفعت شفاعة حسنة لا تبطل حقاً لأحد، ولا تقدم أحد على غيره ممن هو حقه أن يُقدّم عليه ثم انتفع بهذه الشفاعة تؤجر أنت لا على ما أعطي هو من مال أو أعطي من معونة أو أعطي من غرضه الذي أراده إنما على سعيك معه، ومثل هذا هو الذي يحفّز الناس لفعل الخير كما يمنعهم من فعل الشر.

وفي ختام الآية قال الحق جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وهذه هي العدالة الربانية معها رحمة الله عز وجل، فالله أرحم بعباده من أن يعذبهم دون أن ينصفهم من وجود ما يقتضي طاعتهم من المعرفة بالحق بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإقامة الحجج وفسح العمر وإعطاء الملكات والقدرات والعقل والرؤيا والحواس المختلفة إضافة إلى الترغيب في العمل الصالح والتحذير من العمل الفاسد، كل ذلك مما اقتضته عدالة الله ورحمته سبحانه وتعالى.

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} أي ما كان الله عز وجل ويستحيل عليه سبحانه وتعالى وقد جعل ذلك على نفسه أن يقيم على الناس عذاباً دنيوياً أو أخروياً إلا باستحقاق يستحقونه بإقامة الحجة عليهم.

وهنا {نَبْعَثَ رَسُولًا} المقصود به إقامة الحجة بكل لون من الألوان وهذا اللون هو اللون الرئيس؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل حجته على خلقه هم رسله ورسائله التي بلّغها عن طريق رسله، {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فالله من رحمته أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع وجعل العبر وبسط السنن، وبذلك قامت الحجة على الخلق فلا عذر لأحد، والقرآن أكد هذا المعنى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134]، وهنا {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وهذا كله بيان لهذه العناية الربانية التي تقدّم الهداية إلى الحق والتحذير من الباطل، ثم حينئذ يكون للإنسان اختياره، وهذا الاختيار هو الذي يحاسب عليه.

وهذا أيضاً أمره ظاهر وبين: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 47] فالآيات كلها تتضافر معانيها.

وخلاصة الآية أن الإنسان مسؤول بين يدي الله عز وجل عن فعله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، وألا عذر له في ارتكاب الإثم بحجج واهية مع قصده وعلمه، وأن الله عز وجل في ذلك كله قد أقام العدل وقد عمم الرحمة بالخلق سبحانه وتعالى.

فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المهتدين، وأن يجنبنا سبيل الظالمين والضالين، وأن يجعلنا ممن يرحمهم الله عز وجل فيمنع عنهم العذاب ويكرمهم بالثواب، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

amer123123

اللهم احفظ المسلمين من شر وسوء المنافقين والخونة والعملاء والكافرين يارب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة amer123123

ساحة النقاش

عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد

amer123123
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

14,636,868