كتب: د. علي بن عمر بادحدح29 ابريل, 2013 - 19 جمادى الثانية 1434هـ
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا دائماً على التقى والهدى والخير والرشاد وأن يعلمنا جل وعلا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً يثقل به موازيننا يوم القيامة، وأن نلقاه وهو راض عنا سبحانه وتعالى.
حديثنا عن حياء المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونبدأ بالحديث عن الحياء وتعريفه ومعرفة دلالته ومعناه.
الحياء في اللغة:
مصدر من حيي وهو مأخوذ من هذه المادة التي قال أهل اللغة أنها ضد الوقاحة، وقال بعضهم: في معنى الحياء من حيث اللغة: هو الانزواء والاقتصار والترك؛ لأن غاية الحياء ونهايته أنه يمنع صاحبه ويجعله يترك بعض ما لا يليق أو ما لا يشرع من الأمور والأفعال.
ويطلق الحيا على المطر لأنه سبب للحياة، فلما كان الحياء هو الخلق الذي يمنع الإنسان من مقارفة المنكرات والدنايا، ويبعثه إلى الخير والإحسان وخصال البر كان في ذلك حياة قلبه وروحه ونفسه فمن هنا سمي الحياء كأنه هو من معنى الحياة.
وقال ابن منظور: إن الحياء فيه معنى الحشمة؛ لأنه تحفظ مما لا ينبغي أو مما لا يحسن، وكما قال في ذلك جرير بيته الشهير:
لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
الحياء في الاصطلاح:
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: بأنه تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به.
ومعنى ذلك: هو عبارة عن تأثر نفسي يظهر في غالب الأحوال على الإنسان في وجهه في غض بصره، وانخفاض رأسه، في صورة تعبر عن خوفه مما يعاب به أو يذم عليه من قول أو فعل، أو ربما من أمر لا يحب هو أن ينظر إليه، أو يشارك فيه أو يصغي ويستمع إليه، فنجده حينما يسمع كلاماً غير مرغوب فيه، أو يرى فعلاً غير مرغوب فيه يحصل عنده هذا التغير النفسي، ويظهر ذلك على وجهه وعلى بعض جوارحه بصورة أو بأخرى.
وقال الجرجاني في كتابه التعريفات: الحياء هو انقباض النفس من شيء وتركه حذرا من اللوم به أو فيه، وهو بنفس المعنى السابق.
ووسع بعض العلماء التعريف ليشمل الجانبين الإيجابي والسلبي في معنى الحياء، كما أن الحياء يقبض الإنسان أو يمنعه أن يقع فيما يذم عليه ويعاب به فكذلك هو في حقيقة الأمر يدفعه ويحثه على أن يأتي ما يحسن به وما يمدح عليه وما يثاب عليه عند الله سبحانه وتعالى، ومن هنا قال بعض أهل العلم: الحياء خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيح.
وبالتالي يصبح حينئذ شاملا الجانبين معا، وإن كان أكثر القول من حيث التعريف في جانب ترك القبيح وهو الألصق بالحياء والأظهر فيه، وكما قلنا هذا من تعريفات العلماء.
الحياء فضائله ودوافعه وآثاره:
كلنا يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيحين من رواية أبي هريرة: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان).
واللافت للنظر هنا تخصيصه للحياء من بين كثير من الخصال الأخرى فالنبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنها كثير، وذكر أعلاها وهو الشهادة، وذكر أدناها مما هو عمل عارض من الأعمال المادية المحسوسة وهو إماطة الأذى عن الطريق، لكنه خص الحياء بذكره، وأنه شعبة من شعب الإيمان.
قال العلماء في تخصيص الحياء: وللتنصيص على أنه شعبة من شعب الإيمان معان، واحد منها هو المشهور الذي تداوله العلماء وهو أنه لما كان الحياء مانعا من فعل القبائح والمنكرات، فينقطع المستحيي بحيائه عن المعاصي ويحجزه هذا الحياء عنها، فهو حينئذ يؤدي ذات الدور الذي يؤديه الإيمان في منع الإنسان من ارتكاب المحرمات، ولذا كان شعبة من شعب الإيمان أي جزءا من أجزائه؛ لأن الإيمان ينقسم أيضا إلى قسمين: ائتمار بالأمر وانتهاء عن النهي، والحياء على أقل تقدير هو ترك المنهيات، فكأنه كذلك كان شطرا أو جزءا من الإيمان.
ومن مكانة الحياء ما أورده النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه وجعله خصيصة من خصائص الإسلام والإيمان، مدح بها النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأمة كما ورد في حديثه عليه الصلاة والسلام: (لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء) رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه وهو بجملة طرقه ورواياته حسن.
لكل دين خلق يعني: يشتهر به أو يظهر فيه، أو يكون بارزا ظاهرا في أتباعه، قال وخلق الإسلام الحياء: فجعل لهذا الحياء تلك المكانة العظيمة.
ومن تلك المكانة ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في بيان مآثر ومحاسن الحياء، عندما مر النبي عليه الصلاة والسلام برجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء: يعني يقول له اترك الحياء حتى تستطيع أن تستفيد أو تعمل أو كذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير) وفي بعض الروايات: (الحياء كله خير).
وفي حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر) رواه الحاكم في مستدركه.
وهذا يبين مدى تعلق وارتباط الحياء بالإيمان، وكونه جزءا لا يتجزأ منه، بل هو شُعبة عظيمة من شُعبه.
ومن هنا نقف أيضا مع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يعطينا مكانة وأهمية للحياء لكن من جهة أخرى وهي جهة الذم لترك الحياء، وبيان أن تركه من أعظم ما يقع به المؤمن فيما لا يليق به ولا يحسن به من الأفعال والأقوال والأحوال، وقد جعله النبي عليه الصلاة والسلام -أي هذا الترك للحياء- أمرا مضطردا في سائر الرسالات والنبوات كما قال في حديثه الصحيح عليه الصلاة والسلام: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
والحديث في معناه الحقيقي ليس أمرا، ولكنه إخبار وأمر على سبيل التوبيخ والتقريع يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا لم تستح) أي إذا لم يكن الحياء خصلة من خصالك، ولم يكن صفة من صفاتك فافعل ما شئت؛ لأنه ليس هناك ما يمنعك من تلك القبائح، وكأن المعنى: من تجرد من الحياء فإنه سيقع فيما يذم عليه من القول والفعل، وكأن قوله: فاصنع ما شئت أي كأنه يقول: إنه سيقع منه مثل ذلك الذنب.
الحياء وهبي أم كسبي:
وهنا نقف مع مسألة أخرى تتعلق بالحياء: هل هو صفة كسبية أم وهبية؟ هل هو شيء يكتسبه الإنسان ويتعلمه ويتدرب عليه، أم هو هبة من الله سبحانه وتعالى؟
الحياء نوعان: منه غريزي ومنه ما هو مكتسب.
فالحياء الغريزي: في فطرة الإنسان قدر من الحياء مشترك، على سبيل المثال: حياء الإنسان بفطرته إذا كانت سوية قبل أن تنحرف أو قبل أن تقتل وتغتال، تجد الإنسان يستر عورته، فطرة يستحيي من إظهار العورة حتى ولو لم يكن هناك حكم أو تشريع أو دين، فطرة الإنسان تجعله يأخذ بذلك، ولذلك نستحضر مرة أخرى حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
لنرى أن ما عليه كثير من الأمم الكافرة في بلاد الغرب من التفسخ والعري دليل على أن مسخ الحياء هو مسخ الفطرة ومسخ الخلق، بل ويعد مسخا للعقل الراشد والتفكير السديد.
وبعض الناس في طبعه حياء غالب، يعني ليس هذا الحياء الفطري الذي يشترك فيه الناس، تجد بعض الناس من طبعه أن حياءه يمنعه من كثرة الكلام في المجالس، وأن حياءه يغلب عليه فدائما فيه سمت من السكون والهدوء وهذه صفة وجبلة يختارها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء، وقد ورد في حديث الأشج رواية أخرى وهي بسند صحيح من رواية ابن عباس قال: (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء).
والحياء المكتسب: يعنى أن أسبابا ودوافع وتربية يمكن أن تغرس الحياء عند الإنسان وتزيده وتنميه، نحن نربي أبناءنا فنقول لهم دائما: استحيوا ممن هو أكبر منكم، استحيوا أن تفعلوا شيئا يراكم فيه الناس أو كذا أو كذا، استحيوا من ربكم أن تفعلوا كذا وكذا، والإسلام والتربية الإيمانية وآيات القرآن وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام هي مدرسة تربوية تغذي في النفس وتغرس فيها الحياء حتى يترقى ويسمو ويعلو ويصبح من بعد ذلك صفة وجبلة وخلقا؛ لأنه شعبة من الإيمان، فلذلك ينبغي أن ننتبه لهذا، فبعض الناس يقول هذه صفة من الله عز وجل، ولم يمنحني إياها الله سبحانه وتعالى، ونقول: لا. هي صفة تكتسب كذلك من وجه آخر.
قال الجنيد: الحياء يتولد من رؤية الآلاء ومعرفة التقصير، وهذا جزء من كيفية توليد الحياء وكيفية تربيته.
رؤية آلاء الله ونعمه، وتقصير العبد وتفريطه، فحينئذ يستحيي من ربه أن ينعم عليه، وأن يغذيه، وأن يوفر له رزقه ثم هو لا يكون على مراد الله عز وجل ولا يلتزم أمره ولا يجتنب نهيه.
أنواع الحياء:
لابن القيم في مثل هذه المعاني نفس قل أن يجاريه فيه العلماء، فذكر أنواعا عشرة من أنواع الحياء، كل منها يلفت نظرنا إلى جانب مهم نحتاج إلى مراجعة النفس فيه، ذكر من هذه الأنواع:
الأول: حياء الجناية
أي الحياء الذي سببه وقوع الإنسان في الجناية أو الذنب، فهو حينئذ يستحيي، وضرب لذلك مثالا: لما وقع آدم عليه السلام في معصية الله بأكل الشجرة كان يريد أن يستتر.. أن يبتعد.. أن يفر، لماذا؟ حياء مما وقع فيه من معصية الله سبحانه وتعالى.
الثاني: حياء التقصير
لم يرتكب المرء جناية، لكنه يرى أنه لم يقم بالواجب على الوجه المطلوب، لم يستنفد جهده وطاقته، لم يستخدم كل جوارحه وكل نعم الله في مزيد من طاعته والإقبال عليه، وهذا مثاله مثال حياء الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20). ثم في يوم القيامة يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وهذا من أعظم أنواع الحياء.
الثالث: حياء الإجلال
أو حياء المعرفة، وهذا يكون بحسب معرفة الإنسان بعظمة الله سبحانه وتعالى يكون حياؤه حياء إجلال وهيبة ومعرفة، ومثله ما يكون بين الناس أنت تتعامل مع أي إنسان بمعاملة عادية، فإذا قيل لك إن هذا فلان العالم أو فلان المجاهد أو فلان، صار إجلاله في نفسك يدفعك إلى أن توقره وتستحي في معاملته، فتعطيه ما يليق به، ولا تأتي معه ببعض الأمور التي كان يمكن أن تفعلها كأن تناديه باسمه، لكن إذا عرفت أنه عالم قلت له كذا وكذا، إذا عرفت أنه إنسان له الوجاهة والفضل والخير لم يكن منك تساهل في معاملته، بل تترك هذا وتمتنع منه حياء منه لسبب معرفتك لمقامه وجلال قدره.
الرابع: حياء الكرم
وهذا المقصود به أن الإنسان يُكْرِم، ثم يرى أنه يستحيي من الذي أكرمه، وهذا أمر عجيب وهو من فعل النبي عليه الصلاةوالسلام، لكن لا نذكر المثل من حياته لأننا سنرجئه في موطنه، لكن مما يذكرونه عن الكرماء منهم المهلب بن أبي صفرة وكان من أشهر الكرماء، كان في سفر فلقيته امرأة عجوز فتعرضت له بحاجة، فأعطاها ألف دينار، فقالوا له: هذا كثير قال: أنا المهلب ابن أبي صفرة، قالوا: فإنها لا تعرفك، قال: ولكني أعرف نفسي، يعني يستحي أن يعطي ما لا يليق به، ونحن الآن قد نفهم الكرم بطرق أخرى، ومجرد أدنى شيء من الإحسان نعده كرما؛ لأن الكرم الحقيقي قل وصار نادرا في الناس، كما قال الشاعر:
لعمر أبيك ما عرف المعلى كريما وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت وأصحر نبتها رعي الهشيم
الأصل أنه ليس بكريم، لكن لما ندر الكرماء صار هذا كريما كما يكون أحيانا إذا لم يكن هناك مطر ترعى البهائم الهشيم وهو الحشيش الجاف الذي ليس فيه الرواء.
الخامس: حياء الحشمة
والحياء الذي يكون فيه خصوصية متعلقة بالعلاقة بينك وبين من تستحيي منه كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن المذي وصفته وحكمه استحيا منه فجعل غيره يسأل، لماذا؟ لمكان ابنة النبي عليه الصلاة والسلام من علي؛ لأنه متزوج من ابنته فاستحيى حشمة ومراعاة لهذه الخصوصية في العلاقة، ربما مع غيره لا تكون هذه الخصوصية، فلذلك الحياء أمر دقيق يدل على شفافية النفس وعلى سمو في التعامل والخلق، يراعي المراتب المختلفة، هذه علاقة خصوصية وذلك له مقام وخصال وله مكانة ونحو ذلك.
السادس: حياء الاستحقار واستصغار النفس
قال ابن القيم: كحياء العبد من الله عز وجل حين يسأله حوائجه، هو يسأل لكنه يستحي من الله كما ورد في قصة أيوب عليه السلام لما أصابه المرض وأقعده، بعض الناس قالوا: لم لا تسأل الله وتدعوه؟ قال: إني أستحيي من ربي، وقد أصحّ بدني وأكثر نعمي ألا أصبر.
إنه شعور بأن فضل الله عز وجل غامر مع تقصير العبد، ثم هو بعد ذلك يسأل، لا شك أن الإنسان إذا جاء إلى إنسان قد أحسن إليه، ثم هو مرة أخرى يريد أن يسأله ويطلب منه، لاشك أنه يكون في نفسه شيء من الاستحياء.
السابع: حياء المحبة
وهذا يكون بين الناس الذين تحبهم وبينك وبينهم صلة ومودة، عندما ترى الإنسان الذي تحبه وقد بعُد العهد به تشعر بتغير نفسي واختلاف في الحال من أثر هذا الحياء ممن يحبه هذا الإنسان.
الثامن: حياء العبودية
وهو الحياء الذي تمتزج فيه المحبة والخوف في عبادة الإنسان لله سبحانه وتعالى.
التاسع : حياء الشرف والعزة
وهذا حياء يدل على إباء النفس، وعلى قوتها، وهو حياء النفوس العظيمة أن تصدر منها أمور لا تليق بقدرها، ولا بمقامها كما أثر عن بعض السلف أن رجلاً جاءه فقال: لي إليك حويجة، تصغير حاجة يعني شيء بسيط قال: فالتمس لها رجيلاً، لا تأتني إذا أردت شيئاً صغيراً، يعني الشرف والعزة تمنع الإنسان أن يقبل بأمور أو يدخل في أمور أقل من مقداره.
العاشر: حياء المرء من نفسه
وهذا أيضاً من حياء النفوس الشريفة العزيزة من أن ترضى لنفسها نقصاً أو تقنع بالدون، بل هي دائماً تطلب المزيد فهذا ليس له صلة بالآخرين كالأنواع السابقة، وإنما مع نفسه يستحيي من الله سبحانه وتعالى ويستحيي من نفسه إلى غير ذلك.
الحياء وصلته بالتعليم والتذكير:
هل يعني الحياء أن نمتنع عن أمور قد يُستحَى منها، ولكنها تعرض في مقام التعليم فهل يكون الحياء مانعاً من التعلم والتعليم؟ الجواب: لا.
فينبغي أن نعرف أن الحياء يحمد في ميدانه ومجاله، وقد يكون مذموماً ولا يسمى حياء في ذلك الوقت بل قد يسمى جبنا أو يسمى بصفات أخرى: تقصير أو تفريط أو نحو ذلك، الشاهد في هذا قصة المرأة، جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غُسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأت الماء. فغطّت أم سلمة -تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال: نعم، تربت يمينك! فبمَ يُشبهها ولدها؟.
هنا ذكر العلماء ثناء على هذه المرأة أنه لم يمنعها الحياء، وكانت عائشة تقول: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن، فلا شك قد تستحي، لكن لا يمنع الحياء عن السؤال، وبعض الناس يستحيي من السؤال ويقع في خطأ وفي إثم، ويعمل العبادة على غير وجهها أو كذا، والسبب هو أنه يستحي أن يسأل وليس لمثل هذه الأمور، لكنه أحياناً يستحيي أن يسأل فيقال عنه: كيف لا يعرف هذا؟ وهذا أيضاً من الاستكبار وليس من الحياء، يعني كأنما في نفسه كبر أن يقول: أنا جاهل فعلموني.
الحياء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهذا مما عظمت به البلية وكثر في أحوال الناس وواقعهم، يرى الناس صاحب المنكر فيستحيون أن ينكروا عليه، يقولون: ماذا نقول له؟ وربما لا يكون الأمر مناسباً، وليس القضية أنهم خائفون، فلو قلنا: إنهم يخافون حصول الضرر فهذا له وجه شرعي أن الإنسان إذا خاف على نفسه ضرراً محققاً ربما يترك الأمر باليد إلى اللسان وربما يترك اللسان إلى القلب، لكنهم يستحيون لكونه رجل صاحب وجاهة وكذا، يقولون: كيف نقول له ذلك؟ ماذا سيقول عنا؟ وهذا لا شك أنه من ضعف الإيمان وليس من الحياء، بل هو نوع من الجبن، أوهي صفة أكثر ذماً من الجبن وهي صفة المداهنة والنفاق.
كيف يتولد الحياء؟:
أشرت من قبل إلى مقالة الجنيد قال: من رؤية الآلاء ومعرفة التقصير.
وهذا بالنسبة لحياء العبد من ربه أمر ظاهر كلما استحضر الإنسان وتذكر نعم الله عز وجل عليه وتقصيره وتفريطه وعدم قيامه بالأمر على موجبه وتركه للنهي في كل موقع شعر بحيائه من ربه سبحانه وتعالى.
وأيضاً مما ذكره الإمام الهروي رحمه الله قال: يتولد الحياء من التعظيم الممتزج بالحب.
أنت إذا عظّمت إنساناً، لكنه تعظيم هيبة وخوف فقط لا تستحيي منه، وإنما تفر منه وتقاطعه، لكن المطلوب مع الله حياء مع تعظيم، تعظيم مع محبة حينئذ يحصل المراد من هذا الحياء، فكلما عظم العبد ربه واستحضر محبته له كان ذلك من أسباب الحياء.
بعض أهل العلم قالوا: يتولد الحياء من علم العبد بنظر الحق إليه، وهذا أيضاً مما ذُكِر عن الجنيد فيما سئل عنه: كيف السبيل إلى غض البصر؟ قال: علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرم عليك.
فهو معنى أيضاً يراعى فيه الحياء، فأعظم أسباب الحياء هو استشعار مراقبة الله عز وجل ونظره وعلمه بالعبد وحاله في كل تقلباته.
فهذه جملة من المسائل المتعلقة بالحياء نقتصر عليها ونكتفي بها ونجعل لحياء النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً مستقلاً بمشيئة الله تعالى.
ساحة النقاش