كتب: محمد أحمد الراشد24 يناير, 2013 - 12 ربيع الأول 1434هـ
والحقيقة: إن واجب (ما بعد الثورة) لا يقتصر على التنمية فقط، وبناء البلد وفق خطط صحيحة، وإصلاح النظام، والارتقاء بالاقتصاد، والقضاء على البطالة، بل يلزم بموازاة ذلك نوع إصلاح للنفوس، نفوس الشعب، وإعادة تربيته أخلاقيا وفق موازين الإيمان والمعروف وقواعد الشرع.
وتلك هي منهجية الدعوة الإسلامية أصلا، بأن نعظ الناس أن يؤدوا الصلاة لرب العالمين خمس مرات في اليوم كما افترضها عليهم، وأن يلزموا الجماعة في المساجد، والعيش مع القرآن تلاوة وفهماً، وتحقيق معنى التوحيد المحض والبراءة من كل أنواع الشرك بالله، ونبذ البدع، والالتزام بأحكام الشرع في الحلال والحرام، وتزيين التوبة إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والإخبات وكثرة السجود، والإفصاح بالشكر لله وحمده وطلب مغفرته، والرضا عنه، والتخلق بالتواضع والحلم والرفق وحسن الظن بالمسلمين والتعاون وصلة الرحم والتصدق وإغاثة الملهوف، وترك الحسد والغيبة والنميمة والتخذيل، واحترام الكبير والفقيه، والعطف على اليتيم والأرملة، وتفضيل ما عند الله وثواب الآخرة، والزهد في الدنيا وبهرجها، وإيقاظ نوايا الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فكل ذلك من المنهجية التربوية التي اعتمدتها الدعوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة وألزمت أعضاءها بذلك، ثم يجب أن تأمر الناس بمثل هذه التربية وتعظهم بها وتصبغ إعلامها بهذا السمت الوعظي التربوي، لأن الحياة الحاضرة مادية وفي إيمان الناس ضعف.
ويلحق بذلك: تربية الناس على أخلاق الثقة بالنفس، والطموح، والعمل الإيجابي، والنشاط التعاوني، وتحقيق المهارات، وجمع الخبرات والعلوم، والتزام النهج الإداري الإبداعي، والحرص على السيرة الحضارية، لأن الطغاة أضعفوا هذه الأخلاق والطباع في الناس، وشغلوهم بقيل وقال، وبالاختلاف، والحزبية الضيقة، والعصبيات، والعنف.
ويلحق بها أيضا: فطم الموظفين عن رخاوة الأداء، وكثرة الغياب، والرشوة، فإن الفساد الإداري في طبقة أعوان الطاغية وأبنائه ما كان لولا أن فساداً يقابله في صغار الموظفين طغى وانتشر.
فالثورة على الفساد يجب أن تكون عامة وتطال كل مسيء، وذلك أمر صعب ويحتاج وقتا ونزاهة في الطبقة العليا الجديدة التي كلفتها الثورة بالوزارات والإدارات الكبرى، ولكن لا يبلغ الأمر الاستحالة، والظروف النفسية بعد الثورة تساعد على فرض خطط حازمة.
وكل هذه النواحي التربوية واضحة جداً في منهجية الدعوة، وأثبتت فيها نجاحاً وأنتجت نماذج خُلُقية رفيعة المستوى، مما يوجب جعلها بنوداً في نظرية التغيير، وتعميم التجربة الدعوية لتكون تجربة حكومية شعبية، واستخدام نقباء الدعوة وأساتذة التربية فيها أمناء عليها في الجهاز الحكومي والإعلامي.
وعلى الشعب أن يشكر للدعوة سمتها الأخلاقي هذا، ويرضى بالخضوع لعلاجها الإيماني باختيار وعن قناعة، من دون التفات لوساوس بقايا الشيوعيين والملاحدة الذين رأيتهم يسخرون من قول مرشد الدعوة بضرورة إصلاح الفرد، ويكتبون عن حقيقة هذا الإصلاح، وهل هو مثل صيانة المكائن عند السمكري، وذلك لأنهم يعلمون أن خطتهم الأخلاقية كانت شريكة في المسؤولية عن النتيجة السلبية التي ظهرت في صور عديدة، ومنها صورة الفساد الإداري الذي ثار الناس عليه، بينما يشكل النجاح الأخلاقي الدعوي تهديداً للفكر العلماني كله.
إن تقريراً واحداً لهيئة الرقابة والنزاهة عن غياب مليار دولار في أروقة أعوان محمود عباس مثلاً، والتنمية الصغيرة التي جعلت قليل غزة كثيراً ببركة من الله: هي برهان على صحة ما نقول من بين مئات البراهين.
* نقلا عن كتاب: تنظير التغيير ، ص 72-74
ساحة النقاش