مما لا شك فيه أن الماء هو العامل المحدد للانتاج الزراعي، فطبقاً لكمية المياه المتاحة يتحدد مقدار المساحة التي يمكن زراعتها أو استصلاحها، كما يتحدد نمط الانتاج الزراعي كماً و نوعاً. و لما كانت مواردنا من مياه النيل محدودة، و لا تكفي لتحقيق الخطة الطموحة للتوسع الزراعي الأفقي و الرأسي، فان الحاجة الى تنظيم استغلال الموارد المائية الحالية و المتاحة من الصرف الزراعي و الصحي يعتبر أمراً ملحاً و ضرورياً لهذه المرحلة.
و مياه الصرف (أو المياه العادمة ان صح التعبير) هي تلك المياه التي سبق استخدامها أو الناتجة عن التجمعات السكانية أو الصناعية و التي تحتوي على مواد ذائبة و عالقة. و تتكون هذه المياه من 99.9% مياه و 0.1% فقط فضلات. و تشير التقارير الى أن أول استخدام لمياه الصرف الصحي يعود الى ما قبل ألفي عام باليونان، و مع ذلك كانت الممارسة شائعة في الصين منذ عدة قرون، و بدأت في أوروبا و ألمانيا في القرن السادس عشر، و في انجلترا في القرن التاسع عشر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فان أول استخدام يعود الى سبعينيات القرن التاسع عشر. و في مصر كان أول استخدام لمياه الصرف عام 1915 بمنطقة الجبل الأصفر باستخدام مياه الصرف المعالجة أولياً، و لكن مع الزيادة المطردة في كمية مياه الصرف الناتجة أضطر لاستخدام المياه الخام بدون معالجة في الزراعة و شملت أشجار الموالح و الجوافة و البكان و النخيل. و بطبيعة الحال زادت الانتاجية في بداية الأمر، لكن بعد فترة تدهورت الأرض لما تحتويه المياه الخام من دهون و شحوم أدى تراكمها الى انسداد المسام و قلة النفاذية بالتربة، بالإضافة الى تلوث المحاصيل النامية بالعناصر الثقيلة و بعض الطفيليات المرضية و المعدية.
و من المؤسف ان الكميات الهائلة من مياه الصرف الصحي، التي قد تصل الى حوالي 6 ملايين م3 يومياً بالقاهرة الكبرى، يستخدم منه جزء بسيط جداً في أغراض الزراعة، بينما الجزء الاكبر يصب في المجاري المائية أو المناطق البور، الأمر الذي كانت له انعكاساته السلبية على الأحياء المائية بتلك المجاري و تحويل بعض الأراضي الى أراضي هامشية. لذا قامت الدولة مؤخراً- منذ عام 1992- بالمعالجة الأولية لمياه المجاري بأبي رواش، و تنقية ثانوية بمحطة زنين، إضافة الى المعالجة الأولية و الثانوية لمياه المجاري بمحطة البركة بالجبل الأصفر اعتباراً من عام 1997 مما يتيح الفرصة لاعادة استخدام هذه المياه بشكل آخر.
و لقد أوضحت الدراسات أن استخدام مياه الصرف الصحي في الأراضي الرملية أدى الى تحسين خواصها الطبيعية و الكيميائية و زيادة محتواها من العناصر الكبرى (النيتروجين و الفوسفور – لكن زيادة البوتاسيوم كانت بسيطة)، في حين زادت العناصر الصغرى (كالزنك و النحاس و الحديد و المنجنيز) في الأرض زيادة واضحة، بينما زادت العناصر الثقيلة (مثل الكادميوم و النيكل و الكوبلت و الكروميوم) زيادة طفيفة. و هذا راجع بطبيعة الحال الى أن هذه العناصر توجد في مياه الصرف في صورة أكسيدات أو هيدروكسيدات و يتم ترسيبها اثناء عمليات المعالجة، و لذلك تصبح جزءاً من المواد الصلبة (الحمأة: sludge)، بالاضافة الى أن الخطر الناتج عن العناصر الثقيلة يظهر بوضوح عند انخفاض رقم حموضة التربة (pH). و هذا غير شائع في معظم الأراضي المصرية و التي يزيد فيها رقم الحموضة غالباً عن (7). كما أوضحت الدراسات أن الري بمياه الصرف الصحي أحدثت زيادة في محتوى أوراق الموالح من العناصر النادرة (الحديد و الزنك و النحاس و المنجنيز)، بينما كان محتواها من العناصر الثقيلة طفيفاً جداً. إلا أن هذه النتائج تحتاج الى مزيد من الدراسات للتأكيد و لمتابعة تراكم العناصر المذكورة في التربة و النبات.