لقد حققت تقنيات المعلومات والاتصالات، خلال سنوات قليلة، قفزات كبيرة وتطوّرات هائلة -لم يكن يتوقعها أحد-، وهي كما يبدو لم تتوقف أو تتباطأ، بل إنها آخذة في التسارع والانتشار تاركة بصماتها العميقة في مختلف جوانب حياتنا الاجتماعية والعلمية والثقافية، وامتدت لتصبح ضرورة من ضرورات حياتنا اليومية، لقد انتشر الحاسوب في المنازل والمكاتب والمحال التجارية، وبلغ الانتشار في بعض المجتمعات إلى نحو 80% من المنازل الموجودة فيه، وهكذا لم يتخلّف مجتمعٌ من المجتمعات عن جني ثمار هذه التقنيات المدهشة والتي رفعت راية تكنولوجيا المعلومات بعد تراجع حضارة الورق التي سادت المجتمع الإنساني منذ اختراع غوتبرغ للآلة الطابعة عام 1440.
تعدُّ الشابكة (الإنترنت)، من أبرز ثمار التطور الهائل في تقنيات المعلومات والاتصالات، لقد زاد عدد المستثمرين فيها عن مليار إنسان، فهي حقا المملكة التي لا تغرب عنها الشمس، وقد فرضت الشابكة هذه تحدياً أساسياً لا يمكن إغفاله، فليس لنا من خيار إلا أن نجد مكانا فيها، وهكذا، وخلال سنوات قليلة نسبيا، أضحت هذه الشابكة من أهم مصادر المعلومات التي يلجأ إليها المجتمع في حياته العلمية والمهنية والثقافية والإعلامية، وازدادت أهميتها، لاسيما بعد أن ضمت آلاف المجلات والصحف، ومواقع الجامعات والكليات والمراكز، وكذلك المؤسسات الحكومية، والجمعيات الأهلية بأطيافها الإنسانية والثقافية والاجتماعية والصحية والدينية، وغيرها كثير وكثير. وخلال سنوات قليلة تجاوزت الصفحات التي تضمها شبكة الإنترنت المليارات وهي في ازدياد واتساع كبيرين جعل مهمة الباحث عن معلومات محددة كمن يبحث عن إبرة صغيرة جداً في أعماق بحر كبير جدا، وأمام تضاعف حجم المعلومات، ودون رقيب أو حسيب، وجد المستخدم نفسه يواجه تحديات جمة، وصعوبات كبيرة في بحثه العلمي، وعمله المهني، والإعلامي، الذي لا يمكن التعامل معه، إلا باكتساب معارف ومهارات التعامل مع البرامج الحاسوبية، والشابكة، التي تمكنه من الاطلاع المستمر على أحدث المعلومات وأكثرها مصداقية وملائمة لحاجاته، بالإضافة إلى إتقان طرق الوصول إليها، وحفظها، واسترجاعها، وحمايتها، وطباعتها، وإتقان طرق عرضها وتناقلها.
نعم لقد ظلت هذه التطبيقات الرقمية -وإلى وقت قريب- تثير الدهشة في معظم الأحيان، أما الآن فهي آخذة في النمو والانتشار، بشكل يجعلها -بعد سنوات قليلة- شائعة وضرورية، لكل الجمعيات الأهلية والإنسانية في مجالات لا حصر لها تمتد من العمل الإداري، والإعلامي، ومختلف السجلات الإلكترونية، إلى النشر الإلكتروني والتعلم والتدريب والتواصل مع جمهورها، والجهات المختلفة من خلال البريد الإلكتروني ومجموعات النقاش وغيرها.
لقد دفعت هذه المعطيات العاملين في الجمعيات الأهلية والإنسانية إلى اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لاستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات، في استثمار تطبيقاتها المتصاعدة.
لقد واكب بعض العاملين هذا الدور المنشود، وأخذ يستخدم هذه التقنيات، والبرامج الحاسوبية ويتدرب عليها ويتقنها، بينما لم يستجب البعض الآخر، وظل مترددا متشككاً، تارة، ومتجاهلا لذلك تارة أخرى، وهذا أمر طبيعي، ينبغي تفهمه، فالبعض يتخوف من التغيير السريع، وقد يجده محفوفاً بالمخاطر، لاسيما إذا ما تطلب الكثير من الوقت والجهد، وقد يشعر البعض بعدم الاقتناع بجدوى التغيير المطلوب، فلا يضعه ضمن الأوليات، وقد يتثاقل البعض الآخر بسبب ابتعاده عن مناخ التعلم والتدرب لفترة طويلة، كذلك قد يظن البعض أن عمله وممارسته قد بلغا من النجاح درجة لا يجد معها الحاجة إلى هذا التغيير.
ومن العوامل المهمة الأخرى، والتي يمكن ذكرها في هذه العجالة عدم إلمام البعض باللغة الإنجليزية، التي أضحت الأكثر استخداما في تطبيقات تقنيات المعلومات والاتصالات، وبسبب الضعف الشديد في الإنتاج المعرفي العربي الرقمي، إضافة إلى الحضور العربي الخجول على صفحات الشابكة.
ولازلت أذكر مؤتمر الكويت الدولي الأول حول "دور ذوي الاحتياجات الخاصة في بناء مجتمع المعلومات" خلال الفترة 1 – 3 مايو 2006 ، والذي سلط الضوء على حاجات وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في العصر الرقمي، وسبل تعزيز نفاذهم وجمعياتهم إلى المعلومات، ويشكل هذا المؤتمر خطوة إيجابية ينبغي أن تتبعها خطوات تنفيذية تشمل جمعياتنا الأهلية عامة والإنسانية خاصة.
وفي هذه العجالة، لا بد من التأكيد على أهمية بناء وتطوير قدرات الجمعيات الأهلية والإنسانية، في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإسهام الجهات الحكومية والدولية في تحقيق ذلك، من أجل الاستفادة الكاملة من مجتمع المعلومات، ومواكبة العصر الرقمي.
د.غسان شحرور "بالتعاون مع اليرموك للإعلام الخاص في الهيئة الفلسطينية للمعوقين"
البريد الإلكتروني - الدكتور غسان شحرور
ساحة النقاش