كثافة نشاط الدماغ خلال اليفاعة تتكلل باكتمال النضج الإدراكي
قال علماء من جامعة كاليفورنيا في دراسة نُشرت لهم في العدد الأخير من «الدورية الأميركية لعلم النفس: الطب التنظيمي والتكاملي والمقارَن» إنهم رصدوا عبر موجات تيار كهربائي خلال تخطيط نشاط الدماغ أصواتاً لنضج متنامي الوتيرة أصدرتها أدمغة يافعين عند إجرائهم بحوثاً عليهم في أثناء نومهم. وأشاروا إلى أن هذا يحدث بشكل مكثف خلال المرحلة العمرية الممتدة من 12 سنة إلى 16,5 سنة. فبعد سنوات من التقلب، وخلال مرحلة النوم العميق التي يُصطلح عليها بـ»دلتا» أو مرحلة الموجة البطيئة، والتي يكون دماغ الطفل فيها يمر بأبرز مرحلة راحة لترميم الخلايا، تُصبح الشرارات الكهربية التي يُصدرها الدماغ منتظمة عملياً. ما يقلل درجة التقلب في إشارات تخطيط موجات الدماغ خلال مرحلة النوم العميق «دلتا». ويتزامن هذا مع ما يصفه علماء الأعصاب بالتغيرات المعمارية البارزة في الدماغ، والتي تُعبد الطريق نحو بلوغ النضج الإدراكي واكتماله.
وخلال مرحلة الرضاعة والطفولة، يكون الأطفال في طور إيجاد معنى لكل شيء يحيط بعالمهم، وتكون خلايا أدمغتهم تتشابك مع بعضها وتبحث عن الروابط المنطقية فيما بينها، فتُكون بذلك شبكات عالية الكثافة من العصبونات (أعصاب دقيقة) المتداخلة. لكنه وبمجرد أن يتقدم الطفل في العمر ويبلغ مرحلة المراهقة، تبدأ بعض العصبونات في تغيير نشاطها بشكل مكثف، فتتلاشى فعالية الشبكات الدقيقة والرفيعة، بينما تسود الشبكات الأقوى والأكثر ثورية وفائدة.
ويعتقد هؤلاء العلماء أن تباطؤ تقلبات نشاط عصبونات الدماغ خلال مرحلة دلتا من نوم اليافعين قد تكون دليلاً على مرور الدماغ بمرحلة تشذيب وصقل لعصبونات شبكة المهارات الإدراكية إيذاناً بقرب اكتمال نضجها.
ونظراً لأن الأمراض العقلية والذهنية من قبيل الفصام تبدأ في التجذر بالدماغ منذ مرحلة المراهقة، فإن الباحثين يرون أن البنية المتغيرة لنشاطات الدماغ خلال النوم قد تفتح الباب للإجابة عن سلسلة من الأسئلة ذات الصلة بكيفية تشذيب العصبونات وصقلها وفلترتها وعزلها عن الشوائب الفاترة والواهنة من أجل تلافي الإصابة بأمراض عقلية وذهنية في مراحل لاحقة من العمر، وذلك وفق نهج شبيه بمبدأ «البقاء للأقوى».
شملت الدراسة 98 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و18 سنة، ودامت مدة سبع سنوات عكف الباحثون طوالها على مراقبة تغيرات نشاط عصبونات الدماغ خلال النوم باستخدام أجهزة تخطيط نشاط الدماغ. وستُتاح بيانات هذه الدراسة ونتائجها لجميع الباحثين من أجل الاستفادة، منها وتسخيرها لكشف علاجات الأمراض العقلية والذهنية وبعض الاضطرابات الإدراكية كالتوحد.
ويأمل العلماء بأن تؤدي مثل هذه البحوث إلى التوصل إلى علاجات لبعض الأمراض الذهنية، كالفصام الذي لا يزال أحد أكثر الأمراض النفسية شيوعاً، إذ تصل نسبة المرضى المصابين به إلى نحو 1% من البشر. وهو مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل. ويُعرف بكونه مجموعة من الاستجابات الذهنية التي تتميز باضطراب أساسي في العلاقات الواقعية وتكوين المفهوم، واضطرابات وجدانية وسلوكية وعقلية بدرجات متفاوتة. كما تتميز بميل قوي للبعد عن الواقع وعدم التناغم الانفعالي، والاضطرابات في مجرى التفكير والسلوك الارتدادي.
ساحة النقاش