حسن سلمان
أفقياً بدا الانقسام في صفوف المعارضات السورية ذات الاوصال المتعددة والاتجاهات المتشعبة، بين داخلي منها يسعى الى ايجاد مخرج بالحوار ودمل جرح الوطن النازف، وخارجي تتناتشه دول تسعى الى تحقيق مكاسب على حساب سوريا وشعبها ولو على أكوام الردم والنار والدخان وأشلاء الجثث..
وبين هذه وتلك انشطر الموقف وانقسم الرأي وبانت الاهداف وباتت الغايات مكشوفة للوصول الى حكم مغدق بالوعود ولو على الاطلال، عامان مرا لم تستطع خلالهما الدول الراعية الوفاء بوعدها فتبددت الآمال وتبخرت الوعود وتلاشت الاحلام امام صلابة سوريا وصمود جيشها وقيادتها وشعبها في وجه الامواج الكونية العاتية.. ولم يعد من سبيل الا الجنوح للحل السلمي.
وفي هذا الاطار، كشفت مصادر عسكرية وسياسية لموقع “العهد” الاخباري عن ارتياح تبديه سوريا للأجواء الايجابية التي تسود في الافق على المستوى السياسي، مشيرة الى ان الأمور تتجه نحو طريق الزامي رسمته الدولة السورية للخروج من الازمة بعيداً عن شروط الخارج واملاءاته، ويأتي ذلك بعد الانجازات النوعية التي حققها الجيش في ضرب المجموعات المسلحة والقضاء على أعداد كبيرة في صفوفهم وتحديداً في حمص وحلب وريف دمشق إضافة الى أماكن تواجدهم.
وتشير المصادر الى ان القيادة السورية تعتمد سياسة جديدة في التعاطي مع المرحلة الراهنة وما تمر به البلاد على صعيد الحراك الخارجي عنوانها “استراتيجية النفس الطويل” وهي سياسة تنطلق من قناعة راسخة أن الاستحقاقات القادمة وفي اولوياتها موضوع الحوار وما سيتبعه من نقاشات واتصالات ولقاءات من شأنها ان تشهد عمليات مد وجزر وتباين في المواقف بين الدولة السورية وتلك الداعمة للمعارضات، عدا عن موضوع تشكيل الحكومة الجديدة الذي ترى القيادةُ السورية انه يحتاج الى دقة متناهية في التعاطي بعدما لمست ملامح “شروط خارجية” تلوح في الافق من خلال ابراز شخصيات معارِضة تحتاج الى أدنى مقومات الكفاءة والخبرة في ادارة المؤسسات في وقت تتطلب المرحلة “الرجل المناسب في المكان المناسب” للنهوض بالبلد ونفض غبار الازمة، ومن هنا جاء كلام الرئيس السوري بشار الاسد عن أن شكل النظام السياسي وطبيعة الحكومة والانتخابات هي شأن سوري، مؤكداً أنه لا يناقش هذه المسائل الداخلية مع أي أحد غير سوري قاطعاً الطريق على اللاهثين لايجاد موطئ قدم للتدخل في شأن البلاد ورسم معالم الدولة وفق رغباتهم ومصالحهم، وفي الاطار نفسه لمحّ الرئيس السوري الى أن المؤسسة العسكرية “خط أحمر عريض” ممنوع الاقتراب منه والتدخل بشأنه، لأن عقيدة الجيش لا يمكن ان تتبدل وفق تبدل الحكومات والانتخابات والاستحقاقات انما هو صاحب القرار في الدفاع عن الوطن والمؤسسات والكيان وفوق أي اعتبارات سياسية.
وفي خط مواز، تقول المصادر إن القيادة السورية ترى أن الحرب على البلاد لن تنتهي بانتهاء الأزمة التي تعصف بالوطن، فالدول التي عجزت عن تفكيك الجيش الوطني وتبديل عقيدته لن تنثني عن مواصلة حربها ولكن بأسلوب ناعم وطرق سياسية ودبلوماسية بعيداً عن دور المؤسسة العسكرية، وذلك بهدف إقصاء دور سوريا عن المنطقة وتحجيم موقعها في محور المقاومة والممانعة وشطبها من المعادلة، وقد تسعى تلك الدول الى الاستعانة بشخصيات معارِضة “تزرعها” داخل الحكومة لتكون حجر عثرة في اتخاذ أي قرار أو موقف تجاه قضايا المنطقة لاسيما المتعلقة بقضية المقاومة، ورجحت المصادر أن تعتمد الدولة اسلوب اللجوء الى الاستفتاء الشعبي لحسم الأمور الخلافية والركون اليها وهو أمر لا يتناقض مع سياسة سوريا الخارجية التي تؤيدها غالبيةُ الشعب وتحديداً ما يتصل منها بدور سوريا المقاومة في المنطقة، مشيرة الى أن اولوية الدولة السورية تتمثل في إعادة الامن والاستقرار الى البلاد وإعادة اعمار ما تهدم وعودة النازحين الى ديارهم وتحريك عجلة الاقتصاد في كافة أنحاء البلاد، وفي السياق، كشفت المصادر عن دعم الجمهورية الاسلامية الايرانية الدولة السورية بالمليارات نقداً وتم توزيعها على المؤسسات لبيع الدولار، حيث ارتفع سعر الليرة خلال فترة وجيزة واستعادت العملة السورية عافيتها الى حد ما، ومن جهة ثانية تُجري سوريا مفاوضات مع الصين حول عملية استخراج الفوسفات من اراضيها التي تعتبر من أغنى بلدان العالم بهذه المادة بعد الاردن مقابل ان تقدم الصين خمسة عشر مليار دولار لسوريا على فترة ثلاثين سنة. ويأتي هذا الحراك الاقتصادي بالتزامن مع عودة الأمن والاستقرار الى طبيعته، حيث تستمر الاجهزة الامنية والعسكرية في مواجهة المجموعات الارهابية المسلحة الخارجة على القانون والحل السلمي كـ”جبهة النصرة” وغيرها التي تشكل خطراً كبيراً على امن البلاد والعباد لاجتثاثها وملاحقة عناصرها وافقادها البيئة الحاضنة في أي شبر من الاراضي السورية.
وتضيف المصادر انه “في ظل التقارب الروسي الاميركي سارعت بعض الدول العربية الى إجراء اتصالات مع القيادة السورية “من تحت الطاولة” وبعيداً عن المداولات والاعلام لرأب الصدع وترميم مواقفها واستعدادها لاعادة البعثات الدبلوماسية الى دمشق بعد عودة الهدوء الى البلاد والدخول على خط الحل السياسي والسلمي وتقريب وجهات النظر بين المعارضة والسلطة، وكان موقف سوريا “التي ترى أن ظلم ذوي القبرى اشد مضاضة” مَرِناً فيما يتعلق بإعادة العلاقات العربية العربية الى طبيعتها لقطع الطريق على العدو الصهيوني واستفادته من تخبط المنطقة والفوضى الخلاقة التي تعم عدداً من الدول ودخوله على خط تسعير الفتن والنزاعات.
وفي مقلب آخر، كشفت المصادر العسكرية والسياسية عن تدخل كل من أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان لفض نزاع دموي وقع في النصف الاول من شهر شباط في منطقة “جرجناز” بالقرب من منطقة أعزاز على الحدود السورية التركية بين مجموعة من “جبهة النصرة” واخرى من جبهة “احرار الشام” راح ضحيته اكثر من تسعين قتيل، واشارت الى أن عمليات الاشتباك بين المجموعات المسلحة تستمر بشكل شبه يومي نتيجة الخيانة وتقاسم الحصص والاموال والاسلحة المستوردة من الخارج ويتمخض عن ذلك سقوط أعداد كبيرة من القتلى، وقد هدد كل من أمير قطر ورئيس الحكومة التركية بوقف الامدادات والتسليح والتمويل في حال استمرار الاشتباكات لكن “جبهة النصرة” التي ترى انها تقف في الصفوف الاولى للمعارضة المسلحة لا تتوانى عن التصدي للسيطرة على الميدان الأمر الذي دفع اعداد كبيرة من المسلحين الى رمي السلاح والانخراط في الحياة المدنية بعد ادراك وجهة الحرب ومسار المؤامرة الرامية الى اخضاع البلاد لحكم تنظيم “القاعدة”.
وتختم المصادر بالقول ان الدولة السورية التي تواكب الحراك الدولي على خط الازمة، تضع في الوقت نفسه كل الاحتمالات في الواجهة وتملك الكثير من الاوراق الرابحة التي من شأنها ان تحقق انتصارات في كافة الاتجاهات.
المصدر: العهد
نشرت فى 5 مارس 2013
بواسطة alsanmeen
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,305,895
ساحة النقاش