أنا مسلم أعمل في السعودية ، متزوج ، عمري الآن (30) عاما ، كنت من المحافظين على الصلاة ، وتكاسلت عنها من عدة سنوات ، أصلي الجُمع ورمضان ، وأيام أصلي كاملا ، وأتكاسل ، أنا خائف جدا ، أحب أن أعرف ما توبتي ، وكيف أُصَبِّرُ نفسي على الصلاة ، وأنا والله أحب الصلاة ، وكنت أرتاح راحة عظيمة خاصة في صلاة الفجر .

الحمد لله
لا نكتمك القول – أخانا السائل – أننا نحتار في مثل هذا السؤال ، لا ؛ لأن موضوعه جديد أو غريب ، ولكن لأننا نقرأ في جُمَلِهِ وكلماته مِن صادق الأماني ما نرجو أن يتبعها صادقُ العزيمة والإرادة .
ولعلك تدرك أن كلماتٍ قليلةً منا لا تملك أن تغير حالك الذي تشكو إلى الحال التي تتطلع إليه ، ولكنا نرجو أن تراجع أسباب الإرادة والعزيمة في نفسك ، لتنظر إن كنت – ما زلت – تملك القرار أم أنك لست كذلك .
ونصدقك القول والنصيحة – أخانا الكريم – ولو أقسمنا لبررنا بالقسم ، أن الأمر أخطر وأكبر من أن تسعه كلمات سؤالك ، أو عبارات جوابنا ، أو نصيحة ناصح ، ولا موعظة واعظ ، فهو يتعلق بالحقيقة التي يغفل الإنسان عنها ، حقيقة ما وراء هذا الوجود المشاهد ، وحقيقة الجنة والنار التي أعدت لأهل الدنيا ، تنزلهم فيها أعمالهم ، وتتحكم فيها أعمارهم ، وكل إنسان مَجزِيٌّ بعمله ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر .
أي شيء ينتظر المتكاسل عن الصلاة ؟! 
هل ينتظر تلك " اللحظة الفاصلة " التي يظن أنها تهدى إليه كرامة ربانية خالصة ؟
أو ينتظر الموت الذي له مع بني آدم في كل يوم ميعاد ؟
المكارم والمعالي لا تأتي بالتسويف ولا بالتأجيل ، وإذا كانت خمس صلوات لا تستغرق من يوم المرء وليلته أكثر من ساعة تُعجِز شابا مسلما ، وتكون له سبب همٍّ وغمٍّ وضيق ، فكيف هي الحياة إذن بعد ذلك ؟! وأي نصح ووعظ يمكن أن يجدي فيه ؟!!
لو تأمل أحدنا بالطفل الصغير الذي يصر على الحبو الشديد كي يصل إلى حاجته التي يريد ، أو تأمل أحدنا في إصرار جميع الدواب التي خلقها الله تعالى على تحصيل معاشها رغم كل المصاعب والأخطار .
بل لو تأمل أحدنا أحوال كثير من الكفار ، كيف يحرصون على إقامة دينهم ودنياهم ، ويبذلون في سبيل ذلك الكثير من التضحيات ، وهم على باطلهم وضلالهم .
لو تأملنا في ذلك جميعا ، ثم قارنَّا ما نستخلصه بصلوات خمس لا يملك بعض شبابنا أن يؤديها في أوقاتها ، لكان لذلك التأمل أثر كبير في قلوبنا التي علاها الصدأ والرين .
ولا نرى الخطوة الأولى في سبيل تجاوز هذا الواقع الأليم إلا المبادرة – وعلى الفور – لأداء الصلاة الحاضرة ، والاستعانة بالله عز وجل ، وصدق اللجوء إليه أن يثبتنا جميعا على طاعته ، وننصحك هنا – إذا أردت العون على المحافظة على الصلوات – أن تحرص على أداء الصلاة في أول وقتها ، فالإنسان الذي يقدم الأهم في وقته ينجزه وينجح فيه ، فإن أخره بدأت تعرض له العوائق والشواغل ، حتى لا يكاد يشعر بأهمية العمل الذي هو أولى الأولويات .
تذكَّر أخانا الكريم أن الله تعالى أنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى ، وسلب هذه النعم عن بشر كثير ، أفلا يستحق ربك منك الحمد والشكر ؟! 
هل صغرت في عينك نعمة الهداية إلى الإسلام ، لنلقى الله عز وجل يوم القيامة مسلمين موحدين فننجو من النار يوما من الدهر ؟!
ولو استمرت النفس في طغيانها وشقاقها ، فلتأخذها إلى المقابر ، لتتأمل حالها بعد بضع سنين ، حبيسة تلك الحفرة الضيقة ، رهينة ما كسبت في دنياها ، وقدمت لأخراها ، فلا نظنها ستشك حينئذ أن الصلاة ستكون نورا ونجاة وبرهانا في الدنيا والآخرة .
يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ . لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر/18-21.
وما دامت نفسك تغلبك ، وما دمت تضل ـ وحدك ـ في الطريق ، فاصحب معك في سفرك إلى ربك رفيقا ، هاديا للطريق ، أمينا : 
قال الله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) الكهف /28 .

قال الشيخ السعدي – رحمه الله - : " ففيها الأمر بصحبة الأخيار ، ومجاهدة النفس على صحبتهم ، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد ، ما لا يحصى .
( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) أي : لا تجاوزهم بصرك ، وترفع عنهم نظرك ، ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، فإن هذا ضار غير نافع ، وقاطع عن المصالح الدينية ، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا ، فتصير الأفكار والهواجس فيها ، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة ، فإن زينة الدنيا تروق للناظر ، وتسحر العقل ، فيغفل القلب عن ذكر الله ، ويقبل على اللذات والشهوات ، فيضيع وقته ، وينفرط أمره ، فيخسر الخسارة الأبدية ، والندامة السرمدية ، ولهذا قال : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) غفل عن الله ، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره ، ( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) أي : صار تبعا لهواه ، حيث ما اشتهت نفسه فعله ، وسعى في إدراكه ، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه ، فهو قد اتخذ إلهه هواه ، كما قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ) الآية ، ( وَكَانَ أَمْرُهُ ) أي : مصالح دينه ودنياه ، ( فُرُطًا ) أي : ضائعة معطلة ، فهذا قد نهى الله عن طاعته ، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به ، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به . 
ودلت الآية : على أن الذي ينبغي أن يطاع ، ويكون إماما للناس ، من امتلأ قلبه بمحبة الله ، وفاض ذلك على لسانه ، فلهج بذكر الله ، واتبع مراضي ربه ، فقدمها على هواه ، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته ، وصلحت أحواله ، واستقامت أفعاله ، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه ، فحقيق بذلك ، أن يتبع ويجعل إماما ، والصبر المذكور في هذه الآية ، هو الصبر على طاعة الله ، الذي هو أعلى أنواع الصبر ، وبتمامه تتم باقي الأقسام .
وفي الآية : استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار ؛ لأن الله مدحهم بفعله ، وكل فعل مدح الله فاعله ، دل ذلك على أن الله يحبه ، وإذا كان يحبه ، فإنه يأمر به ، ويرغب فيه " انتهى .
" تفسير السعدي " (475) . 
ونرجو أن يحرص السائل الكريم على مراجعة الأجوبة السابقة المتعلقة بهذا الموضوع ، والتي هي تحت الأرقام الآتية : (83997) ، (98682) ، (99139) .
والله أعلم .

المصدر: الإسلام سؤال وجواب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,581