لم أجد قط الوقت الكافي لكتابة هذه الدراسة المدققة، والتي أتوقع لها أن تستغرق عدة مجلدات، سوف تتقاتل عليها جامعات هارفارد وأكسفورد وكامبريدج. لست أول من لاحظ هذا الشيء، فقد سمعته من أشخاص آخرين، وهناك فيلم رسوم متحركة لديزني يعالج هذه النقطة، وبرغم هذا لا أعتقد أن هناك من تناول الموضوع بجدية وشكل أكاديمي.

الموضوع هو أن للسيارات شخصية واضحة..

عندما أمشي في الشارع فإنني أنظر لوجوه سائقي السيارات أحيانًا.. أرى الوجوه الغاضبة أو اللامبالية، لكن سرعان ما أكف عن ذلك وأنظر لمقدمات السيارات نفسها. هنا أجد نفسي في عالم آخر.

 

هناك سيارات ظريفة ضاحكة.. لا تنكر هذا.. ترى العينين اللعوبين والأسنان. بعضها له ضحكة سمجة جدًا وبعضها يتظرف.. لكن هناك ضحكات محببة.

 

هناك سيارات متعالية وسمجة.. سيارات لا تبالي بالناس بتاتًا وتنظر لهم في تعال سخيف.. هناك سيارات لها هيئة حكومية صارمة تثير الذعر. أما سيارات الشرطة فهي لا تتغير أبدًا.. كانت مباحث أمن الدولة في مصر قد ابتاعت مجموعة من سيارات البيجو البيضاء، ومن الغريب أن هذه السيارات اكتسبت ذات طابع المخبرين برغم أنها مدنية تمامًا.. كأنها مخبر شرطة متنكر لا يستطيع أن يخدع أحداً. ما زال يبدو شرسًا منتفخ العضلات سريع الغضب.

هناك هذه السيارة السوداء المتعالية تلبس زجاجًا أسود على عينيها، وتثير الرهبة في القلوب لذا يفسحون لها الطريق. عندما ينزل الزجاج الكهربائي تدرك أنها تشبه صاحبها جدًا، وهو غالبًا يدخن السيجار ويلبس نظارة سوداء بدوره. وعلى الأرجح لا يقود بنفسه إنما هو مسترخ في المقعد الخلفي.

وماذا عن حافلات المدارس المنهكة الجادة التي يسيل منها السولار والعرق؟.. وماذا عن الشاحنات الثقيلة التي لا تمزح ؟.. تشعر أن الشاحنة ذات لحية نامية لم تحلقها منذ يومين، ورائحتها دخان، ومصابة بالربو إذ تجاهد لتشق طريقها في الطريق السريع.. وهي لا تفهم مزاح الشباب ولا تبتلعه لذا تصرخ منذرة بسرينتها العالية التي تجمد الدم في عروقك. أفسحوا الطريق فلا وقت لدي لميوعة المراهقين هذه..

السيارات الرخيصة لها نظرة مداهنة ودودة كأنها ترجوك أن تتقبلها..

بينما أمضي بسيارتي في الطريق أرى في المرآة تلك السيارة المشاكسة.. سيارة رياضية يقودها شاب أخرق. لذا تتصرف السيارة بعصبية وعدم مسؤولية وتتجه من اليمين إلى اليسار والعكس بسرعة جنونية لتربك الجميع. آلة التنبيه لا تكف عن الصراخ.. كأن هدف السيارة هو تحطيم أعصابك أو دفعك للاصطدام.. أنت لا ترى الفتى.. ترى السيارة المستهترة المزعجة. تمر من جوارك وهي تغني بصوت عال أغاني شبابية مزعجة. الفتى المسترخي ينظر لك من تحت جفنيه في سخرية لزجة، لكنك لا تراها ولا تلاحظه لأنك تنظر للسيارة لا له.

نفس الشيء على الطرق السريعة حيث السيارة نافدة الصبر التي التهمت الكثير من الفلفل الأحمر. تميل يمينًا ثم يسارًا ولا تكف عن إطلاق الصرخات لحظة.. وتمر بين السيارات كإبرة الخياطة.

صحيح أنك بعد عدة كيلومترات قد تقابل جثة هذه السيارة على جانب الطريق.. جثة فعلاً خرجت أحشاؤها وانقلب داخلها إلى الخارج. تشيح بعينيك وتستعيذ بالله لكنك في جزء من نفسك سعيد لأنها تلقت جزاءها..

هناك سيارات شريرة فعلاً.. تراها عندما تعبر الطريق ليلاً فتندفع نحوك بسرعة وحقد وكشافاتها تعميك.. بصعوبة تثب إلى الرصيف المقابل قبل أن تتحول لفتات..

أما السيارات العوراء فتثير الشفقة جدًا.. قد ترى سيارة عوراء أو تهشمت أسنانها.. أي أنها فقدت كشافًا أو أن الشبكة مهشمة، لكنها لا تطلب منك صدقة أو مالاً وهكذا تفضل انت أن تبقى صامتًا.

هناك سيارات صمود باسلة تخدم أسرة فتظل وفية تنقل أطفالها وحاجياتها أعوامًا بدون شكوى أو احتجاج.. مع الوقت تصير لهذه السيارات نظرة وديعة حنون.. تشيخ السيارة لكنها تحاول أن تتماسك وتؤدي واجبها. إلى أن تسقط نهائيًا...

إن شخصيات السيارات عالم شديد التعقيد، وربما هو أكثر تعقيدًا من شخصيات البشر، لكني بالفعل لا أجد الوقت الكافي لعمل دراسة بهذا الحجم وهذه الأهمية.

د. أحمد خالد توفيق

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 24 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,992