الطابعات ثلاثية الأبعاد الجديدة تعتبر ثورة في عالم صناعة الأطراف الصناعية
يحيى أبوسالم
مَنْ منّا لم ترَ عيناه معاناة بعض الأشخاص الذين فقدوا طرفاً من أطرافهم، لسببٍ أو آخر، والذين أصبحوا بعدها منضمين إلى أصحاب ذوي الإعاقات، والذين لا يتمكن بعضهم من ممارسة حياتهم بصورتها الطبيعية بدون مساعدة خارجية ممن حولهم. وهؤلاء الأشخاص يعانون أكثر من مرة، فالأولى هي نظرة البعض إليهم، والثانية تكمن في رغبتهم تعويض ما خسروه من أعضاء، بأعضاء صناعية، قد تساعدهم نوعاً ما من الناحية العملية، ولكنها تخدش إنسانيتهم ونفسياتهم إذا ما أظهروها للعلن بسبب شكلها المنفر، غير أن ظهور الطابعات ثلاثية الأبعاد فتحت باب أمل لهم إذ ستمكنهم من الحصول على أطراف مطابقة للمبتورة تعيد لهم ثقتهم بأنفسهم.
مازال العديد من الأشخاص مبتوري بعض الأعضاء، يعانون معاناة كبيرة عندما يرغبون في البحث عن بديل لهذا الطرف المبتور، بطرف آخر صناعي. والمشكلة أن غالبية الأطراف الصناعية الموجودة في الأسواق حالياً، وخصوصاً أسواق المناطق العربية، تأتي بتصميم ذي مقاييس عامة، ليست مخصصة لكل حالة على حدة، وقد لا تناسب في الكثير من الأحيان مقاسات أصحاب الإعاقة تماماً. وحتى لو كانت هذه الأعضاء ذات قياسات جيدة تناسب كل حالة بذاتها، كالذي تقوم به بعض الشركات، والتي قد لا تسبب مشاكل إضافية تتعلق بعدم الراحة أو عدم توافق العضو الصناعي مع جسد المريض، فالمشكلة الأخرى والتي قد تؤثر على نفسيات المبتور أحد أعضائهم، تكمن في شكل العضو الصناعي الجديد، والذي في الغالب يأتي بشكل يرفض إظهاره غالبية المرضى، وذلك لشذوذه الواضح إما من ناحية اللون الذي لا يتناسب مع بشرة المريض، أو حتى في الشكل الخارجي الذي يوحي بعدم حيويته وآدميته، ويدل ويشير وبشكل مباشر إلى أنه طرف صناعي.
أمل جديد
قامت بعض الشركات العالمية مؤخراً بالإعلان عن طرحها لطابعات قادرة على إظهار وطباعة مواد مجسمة ثلاثية الأبعاد كبديل عن الصور والأوراق ثنائية البعد، في الطابعات التقليدية. وتستخدم الطابعات ثلاثية البعد البيانات الرقمية لأي نموذج يراد إظهاره بشكل مجسم، وتستخدمها لعمل عدد معين من المقاطع العريضة ومن ثم تقوم بطباعة كل مقطع على طبقة معينة، ومع توالي هذه العملية ينشأ الجسم بطريقة ثلاثية البعد.
ويرى العلماء والمختصون في الأطراف الصناعية أن من شأن هذه الطفرة التقنية في عالم الطباعة وبفضل هذه الطابعات ثلاثية الأبعاد والتكنولوجيا الجديدة المستخدمة بها، أن يتم الاستفادة منها وبشكل كبير في خدمة صناعة الأطراف الصناعية، ما سيمكن الخبراء من إنتاج هذه الأطراف بطرق أكثر احترافية، فيما يتعلق بالأحجام والمقاييس ومناسبتها بشكل دقيق وحذر لكل حالة مرضية، بالإضافة إلى أنهم سيتمكنون وبفضل هذه الطابعات الجديدة من عمل الأطراف الصناعية التي تناسب شكل ولون بشرة وجسد المريض، والتي تصل بحيويتها وقربها إلى الحقيقة مراحل كثيرة لم تصل إليها الأطراف الصناعية الحالية.
حيث تنتج الطابعات ثلاثية البعد نماذج وأشكال تشبه إلى حد كبير النماذج الأولية «Prototypes»، والتي تنتجها مصانع السيارات أو الطائرات الحربية للنماذج الجديدة من نسخها. حيث تقوم فكرة الطابعات ثلاثية الأبعاد على تجميع العديد من المواد المختلفة ذات الخصائص الفيزيائية والميكانيكية والحيوية المختلفة في عملية بناء واحدة، ينتج عنها هيكل وجسم ثلاثي البعد حسب المخرجات التي تم تزويد الطابعة بها.
ومثل هذه الطابعات الذي يتحكم بها روبوتات ضخمة بالإضافة إلى كمبيوترات ذكية، تمكن مستخدميها من رسم الصورة التي يرغبون في إظهارها على كمبيوتر الطابعة، ومن ثم تزويد الطابعة ليس بالأحبار كما في الطابعات التقليدية، إنما بالمواد البلاستيكية أو حتى الغبار المعدني، أو أي مواد أخرى يرغب الشخص بها، وحسب إمكانيات الطابعة، لتقوم هذه الأخيرة بكافة العمليات اللازمة لإظهار الصورة التي اختارها الشخص في الكمبيوتر بشكل ثلاثي البعد. وبهذا يصبح الأطباء والمتخصصون في صناعة الأطراف الصناعية قادرين في المستقبل القريب على تصنيع أرجل أو أيدي صناعية تشبه تماماً أرجل وأيدي المرضي السليمة، بمجرد تزويد الطابعات ثلاثية البعد بصور الطرف الحقيقي المراد تصنيع شبيه له، وتزويد الطابعة بالمواد الصناعية اللازمة، لتقوم الطابعة آلياً بصناعة الطرف الصناعي القريب جداً في شكله الحقيقي، والمناسب لمقاس المريض بشكل تام.
رأي الخبراء
تكمن المشكلة في الأطراف الصناعية الحالية، هو افتقارها للواقعية وابتعادها الكبير عن الحقيقية، عدا على أنها توحي وبشكل كبير بأنها قطعة خارجية لا تتصل بجسم المريض لا من قريب ولا من بعيد، بدايةً بالشكل واللون الخارجي، وانتهاء بحجمها وقياسها الذي لا يتناسب في الكثير من الأحيان بحجم وقياس جسد المريض الذي سيركب له هذا العضو الصناعي.
ويرى المتخصص في صناعة الأطراف الصناعية سكوت سوميت «كنت أندهش عندما أرى الأطراف الصناعية وكأنها منحوتات، لقد تم تصميمها من طرف مهندسين فقط لتأدية وظيفة ما، لكن تم إهمال الجانب الإنساني فيها. لذلك فكرت في التصميم الذي من الممكن أن يلعب دوراً مهماً ويغيِّر الكثير من الأشياء، وأردت تصميم هذه الأطراف بطريقة تجعل الذي يعتمد عليها تكون لديه رغبة في إظهارها لجميع الأشخاص».
ويركز سوميث على عنصر الإظهار، الذي نادراً ما يقوم به الأشخاص مبتوري أحد الأطراف، والذين يستخدمون الأطراف الصناعية التقليدية المتوفرة حالياً. حيث يحاول غالبية هؤلاء إخفاء هذه الأطراف، إما لبشاعة شكلها، أو لبعدها الكبير عن الحقيقية والواقعية. وهو عكس الأمر الذي يعكف عليه سوميث اليوم وبفضل الطابعات ثلاثية البعد، حيث يرغب بإنتاج أرجل وأيد صناعية تحاكي الأطراف الحقيقية للمريض، وتشبهها إلى حد كبير، يجعل من الصعب التفرقة فيما بين الحقيقي والصناعي.
طريقة العمل
الفكرة في تصنيع الأطراف الصناعية مثل الأيدي والأرجل، تختلف عند سوميث عن غيره من المصممين والمختصين في صناعة الأطراف الصناعية، ففي حين يقوم مصممو هذه الأطراف، بصناعتها بغرض مساعدة ودعم جسد المريض بصورة عملية بحتة، وبصرف النظر عن الشكل واللون والمواد المصنعة منها الرجل أو اليد الصناعية، يقوم سوميث في بداية تصنيعه لرجل صناعية جديدة، بفحص الساق لكي يقوم بتصميم نموذج يماثلها إلى حد كبير جداً سواء من حيث الشكل أو اللون.
وبعدها يختار سوميث كافة المواد التي ستغطي الرجل الصناعية بدقة وعناية فائقتين، سواء كانت من البلاستيك أو المطاط أو الجلد وغير ذلك. ويبدأ بعمل التصميم الخاص بالعضو الصناعي، وعندما يصبح التصميم جاهزاً بشكل نهائي، في الشكل والصورة، يقوم سوميث بطباعة هذا التصميم باستعمال طابعة ثلاثية الأبعاد، قادرة على إظهار التصميم الثنائي البعد الذي قام سوميث بعمله إلى شكل حقيقي ثلاثي البعد.
ويؤكد سوميث أن الاكتشاف التكنولوجي التقني الجديد فيما يخص الطابعات الرقمية القادرة على إظهار الصورة بطريقة ثلاثية الأبعاد، يعد ثروة طبية كبيرة في عالم الأطراف الصناعية، وستفتح الباب في المستقبل القريب على مصراعيه أمام هذه الصناعة الطبية، التي ما زالت ورغم التطور التكنولوجي والتقني بها من حيث التصنيع والشكل الخارجي، متأخرة من حيث مخاطبتها للناحية النفسية لمستخدميها، والتي تأتي في الغالب على هيئة منحوتات خالية من الروح والحس البشري.
استخدامات واسعة
تمتاز الطابعات ثلاثية الأبعاد، ليس بقدرتها على طباعة الأشياء الصغيرة كالأطراف الصناعية مثلاً، بل هنالك أنواع منها قادرة على طباعة مجسمات لمراكب أو سيارات بأحجامها الحقيقية، فيصبح هذا المنحوت الثلاثي البعد، كما وأنه نسخة أشبه بالحقيقية، يمتاز بالشكل الخارجي للنسخة الأصلية إن وجدت، ويجاريها بالألوان والمواد التي تصنع منها. ورغم عدم توافرها بكثرة لحداثة الاختراع، ورغم توافر النسخ الاحترافية منها والخاصة بالمصانع والشركات الكبرى، إلا أن بعض الشركات الصغيرة، قامت بإنتاج طابعات ثلاثية البعد للاستخدام المنزلي، ومن المؤكد أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد نمو هذه الطابعات وانتشارها بسرعة.
ساحة النقاش