الإمام الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، صاحب التصانيف المفيدة والكتب والمؤلفات الشهيرة، أشهرها حلية الأولياء ومعجم فضائل الصحابة، كان عَلماً في فن الحديث، ولكنه كان أشعرياً في الاعتقــاد، وكان على مذهب الإمام الــشافعي.
تقول د. رجاء حزين، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: هو أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران أبو نُعيم الأصبهاني سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء ولد سنة 336 هجرية، وكان أبوه من علماء المحدثين والرحالة وقد أراد الأب لابنه أن يجيزه كبار العلماء في مختلف الأقطار الإسلامية فأجازه من الشام خيثمة بن سليمان بن حيدرة، ومن نيسابور أبو العباس الأصم، ومن واسط عبدالله بن عمر بن شوذب، ومن بغداد أبو سهل بن زياد القطان وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي، ومن الدينور أبو بكر بن السني وآخرون.
وتلقى الأصبهاني العلم عن كبار العلماء والفقهاء في عصره ومنهم أبومحمد عبدالله بن جعفر بن أحمد بن فارس، والقاضي أبوأحمد العسال وأحمد بن بندار الشعار وأحمد بن معبد السمسار وأحمد بن محمد القصار وعبدالله بن الحسن بن بندار المديني وأحمد بن إبراهيم بن يوسف التيمي والحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المطوعي وأبوإسحاق بن حمزة وأبوالقاسم الطبراني وعبدالله بن محمد بن إبراهيم العقيلي وأبومسلم عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن سياه ومحمد بن معمر بن ناصح الذهلي والحافظ بن عمر الجعابي وأبوالشيخ بن حيان.
مؤلفاته
وترك الإمام الأصبهاني مؤلفات وكتباً عديدة في شتى فروع المعارف والعلوم الإسلامية، ولكن أبرزها وأهمها كتابه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، وفيه جمع الأصبهاني أسماء جماعة من الأولياء وبعض أحاديثهم وكلامهم، وهم من أعلام المتصوفة وأئمتهم، وترتيب طبقاتهم من النساك وهو كتاب في التراجم، وموسوعة في تاريخ النساك والزهاد، ويشتمل على أكثر من 800 ترجمة، ويتضمن أسماء جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن الأئمة الأعلام المحققين والمتصوفة والنساك في عصره، مع بعض أحاديثهم وكلامهم.
ويأتي كتابه «فضائل الصحابة» من حيث الأهمية في المرتبة الثانية من قائمة أبرز مؤلفات الأصبهاني، وفي مقدمة هذا الكتاب يبين الأصبهاني: سبب تأليفه للكتاب فقال: «الوقوف على معرفة صفوة الصحابة والمشهورين ممن حوت أسماؤهم وأذكارهم دواوين الرواة والمحدثين، ومواليدهم، ووفاتهم وتاريخ الحفاظ المتقنين، ممن ثبتت له عن رسول الله رواية، أو صحت له صحبة وولاية». ثم ابتدأ بذكر مناقبهم رضوان الله عليهم، وقد قدم العشرة المبشرين بالجنة، ثم أتبعهم بمن وافق اسمه اسم الرسول، ثم رتب الباقين على حروف المعجم. ثم تأتي بعد ذلك باقي مؤلفات الأصبهاني مثل كتاب المسـتخرج على البخاري، وكتاب دلائل النبـوّة، وكتاب تاريخ أصفهان، ومعجم فضائل الصحابة، وصفة الجنة، وعلوم الحديث، كما عمل معجماً عن شيوخه.
حافظ بارز
وقد أثنى العلماء والمؤرخون على الأصبهاني ثناء عظيماً لأنه كان حافظاً مبرزاً، عالي الإسناد تفرد في الدنيا بشيء كثير من المحامد، فقال عنه أبومحمد السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين هما أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدُويي. وقال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه وكان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده فكان كل يوم يقرأ واحد منهم ما يريده إلى قُريب الظهر فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء وكان لا يضجر ولم يكن له غذاء سوى التصنيف والتسميع والأذكار. وقال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى منه إسناداً ولا أحفظ منه. وكانوا يقولون: لما صنف كتاب «الحلية» حمل الكتاب إلى نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعمئة دينار. وقال ابن المفضل الحافظ: جمع شيخنا أبو طاهر السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه وهم نحو الثمانين. وقال: لم يصنف مثل كتابه «حلية الأولياء».
وبعد رحلة عطاء طويلة توفي أبو نعيم الأصبهاني في الثامن والعشرين من شهر المحرم من عام 430 هجرية، عن عمر يناهز السادسة والسبعين.
ساحة النقاش