السؤال:
أنا أخ بين ثلاثة إخوة وأخت آخرين ، ومنذ أن عرفنا أنفسنا وأبي وأمي لا يكفّان عن الشجار لدرجة أن أمي طردت أبي من البيت مؤخراً ومنعتنا من الالتقاء به أو الحديث معه ، وتسعى لأن تنهي هذه العلاقة بالطلاق ، ولا أظن هذا الحل هو الخيار الصحيح ؛ لأننا ستة في هذه العائلة وليس لنا من عائل إلا هو، فنرجو منكم المساعدة النصح، وجزاكم الله خيراً.
الجواب :
الحمد لله
لا شك أن من البلاء والمحنة حصول الشجار والاختلاف بين الأبوين ، وهو موقف يحتاج من أولادهما تمام الحكمة والتعقل في معالجته ، وخاصة إذا كان دائم الوقوع والحصول .
ويمكننا أن نجمل نصيحتنا بهذا الشأن فيما يلي :
1- : لا بد من اجتماعك وإخوتك لتدارس هذا الأمر بنوع من الحكمة والتريث وتدبير الأمر على أساس المصلحة العامة المرجوة .
2- معرفة حق الوالدين ومنزلة برهما في الإسلام لا بد أن يكون من أولويات هذا الاجتماع.
3- بعد دراسة القضية عن طريق النظر في الأحداث والملابسات والأسباب العامة والخاصة التي تتسبب في هذا البلاء يمكننا أن نصل إلى مختصر للقضية يظهر لنا به مَن مِن الوالدين هو المخطئ أو الأكثر خطأ .
4- عند تبين أيهما المخطئ أو الأكثر خطأ لا بد من القيام بنصحه وتذكيره بمنتهى الأدب والاحترام والإجلال .
5- أن يكون أسلوب النصح لا يحمل التعنيف أو التبكيت أو مجرد بيان مواضع الخطأ والزلل ، وإنما يكون عن طريق لفت النظر إلى المصلحة العامة والعمل على تحقيقها في جو من الحياة الأسرية السعيدة .
6- أن لا يظهر لأحدهما جنوح الأولاد أكثر إلى صاحبه وميلهم إليه أكثر منه ، ويكون الحديث معهما بالوجه الباسم واللين في القول ، والخلق الحسن .
7- أن تحاولوا إبراز مساوئ هذا الخصام والخلاف على الأسرة كلها وعلى مستقبل الأولاد وما يعقب ذلك من هيمنة الحزن والهم والضيق على كل أفراد الأسرة .
8- التحدث إلى الأب عن حق الزوجة ووصية النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج بحسن العشرة وتقوى الله ، وما حض عليه وندب إليه من العفو والمسامحة والإحسان .
9- التحدث إلى الأم بعظيم حق الزوج على زوجته ، وأنه جنتها ونارها ، وأنه يجب عليها الطاعة الكاملة له في المعروف ، وأن سخطه قد يترتب عليه الضرر العظيم .
10- تذكير الأم بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه أحمد (21874) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2706) وتخويفها بالله ، بأسلوب الحريص المشفق .
11- تذكير الأم بالله فيما تصنعه بزوجها من طرده من المنزل ، وبيان أن ذلك لا يحل لها فعله بأي حال ، وأنه قد يوجب سخط الله وغضبه ، وذلك لعظيم حرمة الزوج وعظيم حقه على زوجته ، ويكفي في ذلك قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) . رواه أبو داود (2140) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
12- تذكير الأبوين بهذا الحديث الذي رواه مسلم (2813) من طريق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ . قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ : فَيَلْتَزِمُهُ – يعني : يعانقه - .
فمِن أحب الأشياء إلى الشيطان التفريق بين الزوجين ؛ لأن به يحصل شتات الأسرة والتنازع بين العائلتين والخصام والهجر ، وما يترتب على ذلك من الشجار والتنازع في المحاكم وخراب البيوت ، وهو ما يسعى إليه الشيطان بكل جهد .
13- لا بأس بالكذب على الأبوين في سبيل الإصلاح ولم الشمل ودرء الفساد والفتنة .
14- إننا نعلم صعوبة أن يقوم الأبناء بهذه المهمة مع أبويهم ، بمفردهم ، لا سيما إذا الأولاد في سن صغيرة لا تسمح لهم بمثل ذلك عادة ، ولهذا كان من المناسب أن يساعدكم في هذا الدور من تثقون بأمانته ونصحه من الأقارب، أو المعارف، ولهذا شرع الله عز وجل توسيط حكَمين صالحين ، عاقلين ، من أهل والدك ، ومن أهل والدتك ، ليحكما بينهما فيما فيه يختلفون ، ويُرجى أن يصلح الله بين والديك إن أحسنت اختيار الحكَّام ، قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) النساء/ 35 .
15- لابد من الاستعانة بالله ، بكثرة الدعاء ، وحسن الظن بالله ، وحسن التوكل عليه ، وطلب العون منه في صرف الشيطان وكيده عن الأبوين ، وعن البيت كله .
وعسى الله أن يصرف عنهما الشيطان ، ويجمع الشمل على خير ، إنه سميع قريب .
وبعد ، فإذا تعذر الإصلاح بين الوالدين ، بعد بذل ما في الوسع ، فالكي آخر الدواء ، وإذا قدر أن شملهما لم يلتئم ، وأن العشرة بينهما تعذرت ، فلعل في فراقهما خيرا لكل الأطراف ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130
راجع للاستزادة والفائدة جواب السؤال رقم : (46910) ، (133983) .
والله تعالى أعلم .
ساحة النقاش