الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
لقد أكرم الله الأمة الإسلامية بالقرآن الكريم، ليكون دستوراً لها وهداية للخلق ونوراً يُسْتضاء به، والقرآن الكريم كتاب ختم الله به الكتب وأنزله على نبي خَتَم به الأنبياء، وهو كلام رب العالمين، وهو الوحي الإلهي والنور المبين، والمصدر الأول للتشريع الإسلامي الحكيم، والمعجزة الناطقة الخالدة إلى يوم الدين.
إن معجزات وبينات رسالة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، كثيرة ومتنوعة ودائمة، لأنه خاتم الرسل والأنبياء، ومن بينات رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ما ظهر من إعجاز جديد للكتاب الذي جاء به من عند الله، وذلك الإعجاز هو السبق العلمي للقرآن الكريم الذي ذكر حقائق في الكون لم تكن البشرية تعلم عنها شيئاً، وبعد مرور عدة قرون، وتقدم أجهزة الكشف العلمي، وقف العلماء على طرف من هذه الحقائق التي كان القرآن الكريم قد ذكرها قبل قرون، فكان ذلك شاهداً بأن هذا القرآن الكريم قد أنزله الله الذي يعلم السرّ في السماوات والأرض، كما يشهد بقدرة الله العظيمة.
الموقف من العلم
إنَّ الذي يقرأ كتاب الله الكريم بتمعنٍ، في محاولة للإلمام بطبيعة موقفه من «العلم»، يجد نفسه أمام حشدٍ من الآيات البينات التي تحث على العلم وتذكر فضل العلماء.
ولقد تنبه الباحثون في العلوم القرآنية لذلك التحدي الصريح الذي وجهه القرآن الكريم إلى الناس كافة منذ خمسة عشر قرناً من الزمان «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»، «سورة البقرة، آية 23 - 24.
هكذا يتحدانا القرآن الكريم أن نُقَلِّد ولو سورة، ثم يقول لنا يقيناً أننا لن نفعل، وهو بذلك يورد خبراً صادقت عليه الأيام والسنون، فلم يحفظ لنا التاريخ على هذا المدى البعيد تقليداً واحداً للقرآن رغم كثرة حساده وأعدائه، وما زال التحدي قائماً، وما زال القرآن يفضي بأسراره ويكشف لنا مكنوناته فيزداد إعجازاً، (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، «سورة فصلت، آية 53»، فالقرآن كتاب حافل بالنبوءات. ومن هذه النبوءات ما تحقق في وقته. ومنها ما هو في انتظار ميعاده.
حقائق
وسنذكر لك أخي القارئ بعض الحقائق العلمية المكتشفة، ومنها:
◆ وحدة الكون: لقد أشار دستورنا العظيم (القرآن الكريم) إلى أن الأرض انفصلت عن بقية الأجرام السماوية بعد أن كانت الأرض جزءاً منها لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، «سورة الأنبياء، آية 30».
يقول الأستاذ (عفيف طبارة): «هذه معجزة من معجزات القرآن يؤيدها العلم الحديث الذي قرر أن الكون كان شيئاً واحداً متصلاً من غاز ثم انقسم إلى سدائم (جمع سديم وهي السحابة، وتطلق في الاصطلاح الفلكي على مجموعة هائلة من النجوم)، وعالمنا الشمسي كان نتيجة تلك الانقسامات...».
◆ نقص الأوكسجين في الأماكن المرتفعة: منذ اكتشاف الطيران ظهرت للعلماء ظاهرة طبيعية، وهي نقص الأوكسجين في طبقات الجو العليا، فكلما حلّق الإنسان وارتفع فإنه يشعر بضيق الصدر وصعوبة التنفس، هذه الظاهرة العلمية أشار إليها القرآن الكريم قبل اختراع الطيران بقرون طويلة، كما في قوله عز وجل: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيقاً حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)، «سورة الأنعام، آية 125»، فهذه الظاهرة تظهر معجزة القرآن الكريم، فما أروع هذا القرآن وما أسماه؟!
◆ اختلاف بصمات الأصابع: يقول الله تعالى: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة، أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)، «سورة القيامة الآيات 1 -4 »، فهذه إشارة قرآنية إلى وجود اختلاف كبير في خلايا البنان (الإصبع)، حيث إن لكل إنسان بصمة لا تتشابه مع إنسان آخر في العالم.
هذه الحقيقة لم تعرف إلاّ في سنة 1884م عندما اسْتُعْمِلَتْ في إنجلترا رسمياً طريقة للتعرف على الشخص بواسطة بصمات الأصابع، وأصبحت هذه الطريقة متبعة في جميع البلاد، لأن الأصابع لها مميزات خاصة، إذ أنها لا تتشابه ولا تتقارب وهنا المعجزة الإلهية.
◆ تقسيم الذرة: ظل الاعتقاد السائد حتى القرن السابع عشر أن الذرة هي أصغر جزء يمكن أن يوجد في عنصر من العناصر، وأنها غير قابلة للتجزئة، ولكن العلماء في الآونة الأخيرة وُفِّقُوا إلى تجزئتها وتقسيمها، ووجدوا أنها تحتوي على الدقائق الآتية: البروتون، النيترون، الإلكترون، وهذا ما أورده القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَمَا يَعْزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ»، «سورة يونس، آية 61».
فكلمة «أصغر» من الذرة في الآية القرآنية تصريح جليّ بإمكان تجزئتها، وفي قوله (ولا في السماء)، بيان بأن خواص الذرات في الأرض هي نفس خواص الذرات الموجودة في الشمس والنجوم والكواكب، فهل درس محمد - عليه الصلاة والسلام - خواص الذرة وإمكانية تجزئتها والوقوف على خواصها في الأرض والسماء؟ إنها لدليل قوي على أن القرآن وحي إلهي.
◆ تلقيح النباتات بالرياح: أشار القرآن الكريم بأنه يمكن حصول تلقيح للأشجار والأزهار بواسطة الرياح، التي تنقل أعضاء التذكير إلى الشجرة المؤنثة فتحدث الثمرة، كما في قوله عز وجل: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ» ، «سورة الحجر، آية 22»، فهذا مبدأ أثبته العلم الحديث، كما هو مقرر في علم النبات، وهذا سبْقٌ للقرآن الكريم في الحقائق العلمية الثابتة مما يدلّ على صدق النبوة.
◆ الزوجية في كل شيء: يقول الله تعالى: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، «سورة الذاريات، آية 49»، هذه الآية الكريمة تبين بأن اسم الزوجية يطلق على كل شيء ولا يقتصر على النوعين (الإنسان والحيوان)، كما كان الناس يعتقدون، فقد جاء العلم الحديث وأثبت بأن الزوجية توجد في الإنسان والحيوان، وكذلك في النبات والجماد، وقد سبق القرآن الكريم العلم في ذلك حيث يقول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)، «سورة الشعراء، آية 7»، الإشارة هنا للنبات، ويقول أيضاً: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ومن الأنعام أَزْوَاجًا)، «سورة الشورى، آية 11»، والإشارة هنا للإنسان والحيوان.
الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك
ساحة النقاش