رانيا ياسين

كثر الحديث في الفترة السابقة عن عدم اهتمام بعض الفنانين بالعمل الاجتماعي والإنساني، نتيجة لضعف ثقافة العمل التطوعي عموماً سواء عند بعض الفنانين أو غيرهم، في حين أوضح فنانون رداً على ذلك أن أعمالهم الإنسانية تكون في الخفاء لأن لها رسالة إنسانية، فهي ليست عملاً فنياً يحتاج نجاحه للإعلان عنه في وسائل الإعلام. وأوضحوا أن ثقافة التطوع جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع، وأنهم لا يقلون جهداً عن الفنانين الغربيين الذين يمارسون العمل الخيري والتطوعي في بلادهم، ويمتد نشاطهم إلى قارات العالم كافة.

عبر تاريخ الفن كانت هُناك نماذج للعمل التطوعي الخيري، ولكنها كانت فردية ولا تتسم بالاستمرار، وكثيراً ما يبرر الفنانون ذلك بأن العمل الخيري لا ينبغي أن تسلط عليه الأضواء ويجب أن يكون في الخفاء.

ولعلَّ أبرز نماذج العمل الخيري لرواد الفن «قطار الرحمة» الفكرة التي تبناها عدد من كبار الفنانين في مصر في بدايات القرن الماضي أمثال زوزو ماضي، وأنور وجدي، وتحية كاريوكا، وليلى مراد، حيث كانوا يسافرون عبر ربوع الوطن ليجمعوا التبرعات الخيرية للمساهمة في مشروعات اجتماعية وإنسانية، كما اقترح العديد من الفنانين على زملائهم فكرة بيع أغراضهم الثمينة في مزاد خيري يعود نفعه على الجمعيات الخيرية.

 

مشاركة

 

كما أحيت كوكب الشرق أم كلثوم، العديد من الحفلات في مصر والدول العربية والأجنبية لدعم المجهود الحربي المصري بعد عام 1967، وأوضح عدد كبير من نجوم الفن أهمية المشاركة في الأعمال الخيرية في المجتمع للمساهمة في حلول العديد من المشكلات، حيث قالت الفنانة آثار الحكيم إن المشاركة في العمل الخيري فرض على جميع المواطنين في المجتمع بلا استثناء، مشيرة إلا أنه رغم تقصير الكثيرين من أفراد المجتمع في هذا الشأن، فإنها رأت أن أضعف الإيمان أن يُشارك أي فرد في الأعمال الخيرية النبيلة بالجهد والوقت إن لم يستطع المشاركة بالمال، مشددة على ضرورة الحرص على التواصل الإنساني وخاصة مع الحالات الإنسانية.

وترى آثار أنه يصعب عقد مقارنة أو الحكم بشأن تراجع دور الفنانين مقارنة بنجوم الفن في مختلف دول العالم، فيما يتعلق بتأثيرهم وإسهاماتهم المختلفة في الأعمال الإنسانية أو الخيرية المختلفة من منطلق حرص البعض على إخفاء ذلك.

وقالت إن تاريخ الفن المصري حافل بالنجوم الذين كانت لهم إسهامات بارزة في هذا الصدد، ومن بينهم أم كلثوم ونادية لطفي، مشيرة إلى ارتفاع أعداد الجمعيات الخيرية في الآونة الأخيرة وهو الأمر الذي تعده مؤشراً طيباً، كما أبدت إعجابها بالنجمة العالمية أنجلينا جولي في هذا الصدد، مشيرة إلى تنوع نشاطها الخيري المتواصل ومنه تبني الأطفال رغم أنها لم تحرم من الأمومة.

إسهامات

وأوضحت أنه ينبغي للفنَّان من الحين للآخر أن يبرز إسهاماته كي يكون قدوة لزملائه، مشيرة إلى أنها شاركت مؤخراً في إحياء ذكرى العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود، لافتة إلى أنها ناقشت مع ابنته كيفية دعم فكرة الاستفادة من مؤلفاته ورحلته الثرية من الشك إلى اليقين، واقتراح تنظيم ندوة شهرية لمناقشة مؤلفاته ليستفيد الجمهور من خلاصة أفكاره.

وبين محمود ياسين أن الفنَّان المصري يتميز عن الأجنبي بالكثير، بل ويتفوق عليه في الدور الاجتماعي، لأن الفنان الأجنبي عندما يقدم أي عمل اجتماعي يقوم بتسليط الضوء على ما يقدمه لكي يتعرف عليه العالم، أما الفنان المصري فيقوم بعمل الخير وينتظر الثواب من الله فقط.

وقال إن هناك عدداً كبيراً من الفنانين المصريين قدموا خدمات اجتماعية لبلادهم من دون أن ينتظروا أي مقابل مادي، وأكبر مثال على ذلك عندما قدم عدد من الفنانين أمثال فاروق الفيشاوي وممدوح عبدالعليم ويُسرا وحسين فهمي وشهيرة، بالإضافة إلى مشاركتي لهم «مسرحية بداية ونهاية» للكاتب الكبير نجيب محفوظ التي تم عرضها على المسرح العائم لمدة 40 يوماً بلا أجر، وقبل بدء العرض أدينا بروفات استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر من أجل إخراج عمل متميز وقوي يرضي الجمهور ويحقق متعته، فهل ما قمنا به في هذه الفترة لا يعتبر عملاً اجتماعياً؟.

أجور باهظة

وأوضح أن فكرة الدور الاجتماعي للفنان تختلف من الفنان المصري إلى الفنان العالمي، فهم في الخارج يحصلون على أجور بملايين الدولارات، وهي أجور كبيرة جدا بالمقارنة بالأجور التي نحصل عليها، وفكرة المقارنة تظلم الفنان المصري الذي يسعى جاهداً لخدمة مجتمعه في أي وقت وأي مكان.

وحول أهمية المشاركة في الأعمال التطوعية، أوضحت الفنانة حنان مطاوع ضرورة المشاركة في العمل الخيري، لأنه واجب على كل مواطن في المجتمع، وأن الفنان تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في هذا الصدد باعتباره قدوة للآخرين في المجتمع، ومن ثم ينبغي أن تكون له إسهاماته في هذا الصدد لحل العديد من المشكلات التي يعانيها أفراد المجتمع.

دور اجتماعي

أما سامح الصريطي، وكيل نقابة المهن التمثيلية، فأكد أن الفنانين المصريين لا يتأخرون عن تلبية أي نداء لخدمة المجتمع والدليل على ذلك وجودهم في الاحتفال بيوم اليتيم كل عام، وزياراتهم المتكررة لمستشفى سرطان الأطفال، وهُناك نوع آخر من الفنانين يقوم بعمل الخدمات الاجتماعية في الخفاء، لأن الثواب والأجر لكي تحصل عليهما من الله ينبغي أن يكون عملك واجتهادك في السر، لذلك فنحن لا نستطيع أن نقول إن الفنان المصري لا يقوم بأي دور اجتماعي يفيد به من حوله.

وقال نقيب الموسيقيين إيمان البحر درويش: منذ فترة طويلة والفنان المصري يحاول أن يكون له دور اجتماعي يخدم به بلده، وأنا مثلاً بعد قيام ثورة 25 يناير طلبت تنظيم حفلات أطلقت عليها حفلات «رد الجميل» ودعوت لها عدداً كبيراً من الفنانين والهدف من هذه الحفلات هو تخصيص إيرادها لخدمة المجتمع، فالفنان المصري لن يتأخر عن خدمة بلده مصر التي أعطته النجومية.

ولفت إلى أنه قام من قبل بتقديم عدد كبير من الحفلات في الولايات المتحدة، من أجل جمع تبرعات لغزة ووصلت قيمة الأموال التي حصلت عليها غزة من هذه الحفلات إلى مليون و200 ألف دولار، وأكد درويش أن الفنَّان المصري معروف بشخصيته المتميزة التي تفرض عليه أن يشارك في أي عمل خيري.

ويشير إلى أن هناك عدداً كبيراً من الفنانين يقومون بالعديد من الأعمال الخيرية، ولكن في الخفاء لأن هذا الموضوع يكون بين الإنسان وبين الله فقط، ولا يسمح لأي شخص مهما كان أن يتدخل فيه، وهناك أيضاً نوع آخر من الفنانين يقوم بعمل الخير، ولكنه في نفس الوقت يسلط الضوء على ما يقوم به لاكتساب نوع من التعاطف من جانب الجماهير.

مقارنة

وترى رانيا محمود ياسين أن مقارنة الإسهامات التي يقوم بها الفنانون المصريون في العمل الخيري مع الأجانب غير منصفة، وخاصة في ظل الفارق الشاسع في الأجور التي يتقاضاها المصريون والأجور التي يتقاضاها الأجانب وفي ظل الركود في قطاع الفن حالياً.

وقالت «إنها ترى أن أعمال الخير يتقرب من خلالها الإنسان إلى خالقه، ومن ثم فإنها ترفض الإفصاح عن تلك الأعمال عبر وسائل الإعلام المختلفة، باستثناء أعمال الخير الضخمة التي يتطلب تنفيذها تكاليف باهظة مثل إنشاء مستشفيات أو إقامة صرح كبير يستفيد منه قطاع كبير من المواطنين مثل مستشفى سرطان الأطفال وغيرها من المشروعات.

وأعربت عن اعتقادها بتراجع كل ما هو جميل وليس فقط أعمال الخير في مصر، وخاصة في الآونة الأخيرة في ظل حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع حالياً.

إضاءة

ذكرت الفنانة فردوس عبدالحميد أن أعمال الخير التي يشارك فيها الإنسان بصفة عامة، والفنانون ورموز المجتمع بصفة خاصة أمر ضروري للمساهمة في حل العديد من المشكلات، التي يعانيها المجتمع، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك الأساس في إنهاء أزمات المجتمع، مشيرة إلى أن لكل مواطن الحق في أن يتمتع بثروات وخيرات بلاده وبحياة كريمة تكفلها له الدولة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 12 يناير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,578