أحمد محمد - «التوّاب» اسم من أسماء الله الحسنى، ويعني المبالغة في التوبة على العباد، يسـوق لهم تعالى دوما من الأدوية والعلاجات ما يكون سبباً في رجوعهم إليه وزيادة قربهم منه، ليظفروا بالسعادة، وينالوا ما أعد لهم من النعيم والخيرات.
واسم الله «التواب» ورد ذكره في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، منها قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)، «البقرة، الآية 37»، وقوله: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)، «البقرة، الآية 128»، وقوله: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)، «البقرة، الآية 160»، وقوله: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم)، «التوبة، الآية 104»، وقوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)، «النــصر، الآية 3».
قبول التوبة
ويقول أهل العلم إن «التواب» سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده، سمي تواباً لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال، فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إلى الله إلا فتح له التواب أبواب رحمته وفرح بتوبة عبده وعودته ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها، فمن حديث أَبي موسى رضى الله عنه مرفوعاً: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليـل حتى تطلع الشمس من مغربها»، وعن ابن عمر رضى الله عنـه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
وحتى لو اتبع الإنسان هواه أو استجاب لشيطانه وتمادى في جرمه وعصيانه فقتل مائة نفس وارتكب كل إثم وأراد التوبة والغفران تاب عليه التواب وبدل له عدد ما فات من السيئات بنفس أعدادها حسنات، قال تعالى: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)، «الفرقان، الآية 71».
المغفرة
ومعنى التواب، أي الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً تاب الله عليه فهو التائب عليهم، بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم عليه، والتائب عليهم بعد توبتهم قبولاً لها وعفواً عن خطاياهم. هذا فضلاً عن فرح التواب بتوبة عبده وعودته إلى ربه، فمن حديث أَبِي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها»، فتلك عظمة التوبة التي دل عليها اسمه التواب، إن المذنب مخطيء في جنب الله وعظم الذنب يقاس بعظم من أخطأت في حقه، وهو المولى جل في علاه، فلو قبل توبة المذنب فإن مجرد القبول كرم بالغ، ومنة من الله على عبده، فما بالنا وهو يقبل توبة المذنب بعفو جديد وفرح شديد ويجعل في مقابل الذنوب بالتوبة أجرا كبيرا.
قال الإمام ابن جرير الطبري: إن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه من عباده المذنبين من ذنوبه، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه.
ويذكر ابن القيم أن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة.
العفو
وقال الإمام الغزالي: إن التواب هو الذي ييسر أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته ويسوق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم.
وقال الخطابي: التواب هو الذي يتوب علي عباده فيقبل توبتهم كلما تكررت التوبة تكرر القبول، فهو التائب علي التائبين أولا بتوفيقهم إلى التوبة والإقبال بقلوبهم إليه، وهو التائب عليهم بعد توبتهم قبولا لها وعفوا عن خطاياهم.
ساحة النقاش