authentication required

أوضح علماء الأزهر أن الإسلام شرع الحدود بهدف صيانة المجتمع الإسلامي عن الفساد، حتى تنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه الله، مشيرين إلى أن إقامة الحدود في الإسلام وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، فالهدف الأعلى الذي يسعى ديننا إلى تحقيقه بكل وسيلة ألا تُرتكب الجرائم مطلقاً سواء شرع بشأنها حد أم لا حتى يصلح حال المجتمع.

أحمد مراد - قلص الإسلام دائرة تطبيق الحدود قدر المستطاع عن طريق درء الحدود بالشبهات مع اشتراطات قاسية للتطبيق، حيث أوضح عدد من العلماء أنه بمجرد وجود أي شبهة في الجريمة يسقط الحد، فضلاً عن تكثير الشروط اللازمة لتطبيق الحد، كما في حد الزنى، فلا يقام الحد إلا بأربعة شهود شهدوا عملية الزنى عينا، وهذا لن يتحقق إلا إذا كان الزانيان مجاهرين ويمارسان الدعارة علانية.

استقرار

 

وحول تطبيق الحدود يقول أحد علماء الأزهر الدكتور منصور مندور: لقد شرع الله تعالى الحدود بهدف صيانة المجتمع الإسلامي عن الفساد، ومحاربة كل ما يلحق الضرر بأفراد المجتمع، وحتى تنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه الله، فلا يطمع في أخذ حق الآخرين، ومتى قضي على الجريمة أو ضاق نطاقها، فإن الأمن يستقر، ويتوافر الرخاء، وتتسع الأرزاق ويصبح المجتمع هادئاً مستقراً لا يعاني قلاقل أو اضطرابات، فضلاً عن كون ذلك كله وقبل كل شيء هو امتثال لأمر الله عز وجل واحتكام إلى شرعه القويم، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حد يُعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً»، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإقامة الحدود، فقال: «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم».

 

وعن الهدف لفت الدكتور منصور مندور إلى أن الإسلام حين وضع الحدود لم يكن يهدف من ورائها إشباع شهوة تعذيب الناس، حيث إن الحدود تُطبق في حدود ضيقة، فيدرأ الحد بأدنى شبهة، ولا يقام إلا إذا وصل إلى الحاكم المسلم، فإن لم يصل، فإن الذي ارتكب الحد له أن يتوب إلى الله تعالى، كما أن الهدف الأساسي من الحدود في الإسلام إنما هو الترهيب وحفظ الأموال والأعراض والأنفس، وهذا لن يتأتى إلا بعقوبات صارمة تزجر أصحاب النزعات الإجرامية، وتطهر المجتمعات من الفساد، وليس شهوة انتقام أو تلذذ في تعذيب المجرمين، كما يتصور البعض، مع العلم أن إقامة الحدود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين، لم يتعد حدود أصابع اليدين.

تفكير محدود

وأشار إلى أن البعض من أعداء الإسلام يحاول أن يصوروا تطبيق الحدود على أنه تعذيب وقسوة وتنكيل، وهم حين يفكرون في ذلك الأمر، يفكرون في منظر تقطيع اليد، أو الجلد أو الرجم لمن أتى حداً من حدود الله، ويتناسون تماما الأضرار التي نجمت عن ارتكابهم سرقة، أموال الناس التي انتهبت، والتي ربما تسببت في فقر أصحابها، أو هتك الأعراض واختلاط الأنساب وفساد المجتمع، متسائلاً أليس من الأنفع للمجتمع أن تقطع يد كل عام، ويشيع الأمن بين الناس، ويطمئن الناس على أموالهم وأعراضهم، بدلاً من إشاعة الخوف في نفوسهم وقلوبهم من أولئك الذين يرتكبون جرماً في حق الناس.

وسيلة

وعن الغاية من الحدود، يقول أستاذ الحديث بجامعة الأزهر الدكتور الخشوعي محمد: إن إقامة الحدود في الإسلام وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، فليس من أهداف الإسلام القريبة أو البعيدة إقامة الحدود على مرتكب الجرائم التي توجبها، ولكن هدف الإسلام الأعلى الذي يسعى إلى تحقيقه بكل وسيلة ألا تُرتكب الجرائم مطلقاً سواء شرع بشأنها حد أم لا حتى يبقى المجتمع طاهراً عفيفاً لا ترى فيه المنكرات ولا تشم لها رائحة، فالوسيلة الأولى والمُعول عليها من وجهة نظر الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع تتمثل في المنهج الإيماني التربوي الأخلاقي السلوكي المتمثل في العقيدة الصحيحة التي تجعل المسلم يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويرجو رحمة الله تعالى ويخشى عقابه، والعبادات التي تجعل العبد موصولاً بالله دائماً وأبداً، فلا يغيب الله تعالى عن باله بحال من الأحوال وهي وسيلة لتقوية الإيمان وزيادة اليقين.

الأمر بالستر

ويشير أستاذ الحديث بجامعة الأزهر إلى أن الإسلام أمر بستر العصاة ورغب في ذلك ووعد على ذلك بالأجر العظيم حتى لا تشيع الفاحشة في المجتمع، فمن أهداف الإسلام العظمى الذي يسعى نحو تحقيقها المحافظة على الجو العام حتى لا ترى المنكرات ولا تشم لها رائحة من أجل المحافظة على المجتمع كله، خاصة أصحاب النفوس الضعيفة الذين لا قدرة لهم على التحكم في أنفسهم، فهم مع الناس إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساء الناس أساؤوا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بستر العصاة لأنفسهم ويأمر بستر العصاة ويأمر بالتوبة، وأن لا يفضح العصاة أنفسهم ولا يقروا عند الرسول صلى الله عليه وسلم بما ارتكبوا حتى لا يقيم عليهم الحد.

وقد عتب النبي صلى الله عليه وسلم على نعيم بن هزال لأنه هو الذي أرشد ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويخبره أنه قد زنى رجاء أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أن نعيماً لم يفعل ذلك وأخبره أنه كان الأولى والأحسن - لنعيم وماعز ولغيرهما ممن يقع فيما يوجب الحد - أن يستر نعيم ماعزاً ويرشده إلى التوبة، والستر على نفسه، ولا يأتي معترفاً على نفسه بالزنى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقام عليه الحد وحتى لا تُشم للجريمة رائحة.

عام المجاعة

ويوضح وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية الأسبق فضيلة الشيخ منصور الرفاعي عبيد، أن الإسلام قلص دائرة تطبيق الحدود قدر المستطاع عن طريق درء الحدود بالشبهات، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، فمجرد وجود أي شبهة في الجريمة يسقط الحد، ويفتح باب التعزير أو السجن، وغيرها من العقوبات، فلو فرضنا أن السارق سرق لأنه كان جائعاً، فإن الحد يسقط الحد، وهو ما فعله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عندما أسقط حد السرقة عام المجاعة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,196,112