منذ أن بدأت أول شرارة في جسد الشاب المهمش محمد البوعزيز في ديسمبر عام 2010, اشتعلت معها نيران الأسئلة عند الجيل الشاب, شيء غامض بدأ مع تلك الشرارة, أحداث غريبة توالت, ومصطلحات جديدة عادت للساحة بدأنا نسمع حرية, شعب, انتخابات, نظام, صياغة دستور, بل حتى مصطلحات كان مجرد نطقها يعد جريمة مثل جهاد وشهداء !! قال بعضهم أن (الرجل المريض) تحرك أخيرا, وأن الأمة الإسلامية ستعود للصدارة, لكن تلك الأصوات غابت حينما اشتعلت النيران في تونس وتبعها اشتعال الأسئلة! سبحان الله.. تونس!! نعم تونس, تونس العربية, تونس المسلمة, تونس التي ظن بن علي أنه نجح في سلخها عن هويتها, عن عقيدتها, عن لغتها, عن تاريخها! نعم تونس. أتتنا الأخبار حينها (تونس تشتعل), فظننا أن قطرة واحدة من الطاغية (بن علي) كافية لإطفاء كل النيران, لكن بعد كر وفر, خرج ذلك الشاب وحيدا خارقا حظر التجول وهو يصرخ باللهجة التونسية التي نسيناها: (بن علي هرب.. بن علي هرب.. يا توانسه ما عادتش خوف.. يا توانسه ما عادتش خوف ) هل هرب بن علي؟! كان سؤالا تفر منه الإجابة, كيف يهرب الطاغية؟! كيف يهرب المستبد؟! كيف يهرب رجل بحجم بن علي؟! لكنها كانت لحظة إعلان الحقيقة الظاهرة (بن علي هرب), والحقيقة الخفية (ما عادتش خوف). لم ينتهي الأمر انتقل فيروس الثورة إلى بعض الدول, أعلنها الشباب بداية (ماعادتش خوف), ثم صدح الجميع (الشعب يريد)!! الشعب .. أصبح يريد!! ليبيا, مصر, اليمن, سوريا............... نسينا قطرة بن علي.. ولاح لنا منظر القذافي وهو فزع, القذافي الذي اخترع الكتاب الأخضر!! وبدل في القرآن وغير!! يقع في يد من رفعوا لواء الجهاد!! نسينا قطرة بن علي.. ورأينا فرعون مصر في قفص, نعم الفرعون تبدل قصره إلى قفص!! وبات متهما أيضا!! نسينا قطرة بن علي.. ولاح لنا منظر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وهو يصارع آثار الحريق الذي نال منه, كان يحرقهم.. كيف احترق؟!! اختلت الموازين, وارتبك المحللين, وتوجهت الكاميرات في العالم إلى العرب, العرب الذي شبهتهم هوليود بالبهائم التي تقودها شهواتها, ويحرك شعوبعم كأس وغانية, أصبحوا بين ليلة وضحاها يرددون: (الشعب يريد اسقاط النظام). بل خرجت بعض المظاهرات في الدول الأوربية تردد نفس الجملة بنفس اللغة! يالله.. من كان يصدق أن يتحرك (الرجل المريض) الذي ظنوه ميتا؟! من كان يصدق أن جيلا غيب لعشرات السنين, يطلب (الشهادة), ويتحول الشاب المنحل إلى مجاهد بطل! وقبل أن يفهم الكبار, تساءل الصغار: أين كنا؟ ما الذي أتى بنا إلى هنا؟ من المسؤول عن هذا؟ ما عاد الكبر في العمر, بل أصبح يقاس بالهمم, فاستحال الصغار كبارا, وتراجع الكبار إلى أدنى الصغر! ثم تحولت الأسئلة إلى ثأر, ثأرا لهوية تاهت وسط التجاذبات, ثأر لأزمان من الذل, ثار لعمر غيب في الوهم, فتقدم الشباب ليسطروا التاريخ تاركين ذل أجدادهم خلفهم, واستمرت رحى المعركة. خيل إلي أن عام 2012 م كان استراحة محارب, لكن عادت الأسئلة لاشتعالها في آخره! فرأينا الكويت, ورأينا الأردن, ولا ندري من سيلحق بهم؟! أصبح التفكير في المستقبل مفزعا, أصبحنا نميل إلى إغماض أعيننا والهرب بعيدا. الفهم في لجة هذه التناقضات يعيدنا إلى أحاديث الفتن, إلى السنن الكونية, إلى آيات تحكي لنا واقعا مشابها, إلى محاسبة أنفسنا, إلى أرض صلبه نشبث بها قبل أن تقتلعنا العاصفة. فيظهر أننا على موعد مع عام جديد من الأحداث فالبوصلة تضطرب, والثورات تعيد كتاب الله دستورا للحكم, والتاريخ يكتب من جديد, والأحداث تتوالى, يحتار فيها الحليم, ويرتبك السياسي, وتضطرب التحليلات, وتسقط حكومات, وتبقى الأسئلة .. تشتعل.
|
ساحة النقاش