لا أحد يستطيع فك تلك «الشيفرة» التي تميز وتحكم طبيعة العلاقة الخاصة بين الأم وابنتها. يتفق علماء النفس على أن هناك «كيمياء» خاصة بينهما، وهذه العلاقة تحظى بأهمية استثنائية.

هناك من يرى أن طبيعة هذه العلاقة طرأ عليها كثير من التغير في العقود الثلاثة الأخيرة، في ظل التطور الهائل لوسائل الاتصال، وتراجع دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، ووجود مصادر أخرى أكثر تأثيراً للحصول على المعلومة قد تستقيها البنت من محيطها أو صديقاتها اللاتي تفضلهن أحياناً على الأم، وخاصة في مرحلة المراهقة.

يوضح الخبير التربوي روحي عبدات، حقيقة تلك العلاقة، ويقول:«إن مرحلة المراهقة هي مرحلة تفحص لكل الأفكار والقيم والمعتقدات التي تتبناها الفتاة، حيث تبدأ شخصية الفتاة بـ»التقولب» نحو نمط معين تختاره، وبالتالي التعارض في وجهات النظر والأفكار بينها وبين أمها في أمور تتعلق باللباس والموضة والمعتقدات نحو الآخرين والاختلاف في بعض السلوكيات، فالإنسان هو وليد عصره والمرحلة العمرية التي هو فيها والتي تختلف عن المراحل الزمنية السابقة، الأمر الذي يخلق نوعاً من الاختلاف والتعارض في وجهات النظر بين البنت وأمها. إن عملية التعلم هي عملية متبادلة بين الصغير والكبير، ففي السابق كان الأطفال مجرد متلقين لما يقوله الكبار ويفرضونه عليهم بشكل آلي، أما اليوم فأصبح الصغار مصدراً من مصادر الحصول على المعلومة، لذلك لا بأس إذا نزلت الأم لمستوى ابنتها وعملت على مجاراتها في بعض تصرفاتها التي تنسجم مع التغيرات الحاصلة، ولكن دون المساس بالقيم المجتمعية، وبوجود الإشراف والمتابعة المستمرة من الأم التي تحمي الفتاة من الانجراف وراء التقليد الأعمى للغير والأفكار الدخيلة.

 

يضيف عبدات:«قد تكون غيرة الأم من ابنتها هي أحد أشكال هذا الاختلاف في المفاهيم بين الأجيال، فالأم قد تحاول تقليد ابنتها في اللباس أو بعض السلوكيات أو المقتنيات التي لم تكن موجودة في عصرها، أو كمحاولة منها للتصابي ومواجهة عامل الزمن الذي أخذ يجرفها بعيداً عن الجمال ومتطلبات العصر، أو خوفاً من أن تتهم بأنها تقليدية ولا تجاري روح الشباب. وتعتبر غيرة الأم من ابنتها طبيعية في مرحلة الصبا التي تمر بها البنت، إذا لم تتخط مستواها الطبيعي وتتحول إلى صراع، فالأم ترغب بأن تكون صغيرة وأن تستعيد شبابها وتحظى بوسائل الترفيه التي لم تكن موجودة في عصرها، وهذا يتطلب من الفتاة تفهم هذه الاحتياجات واحترام والدتها، وقد تكون محاولة بناء علاقة من الصداقة والصراحة بين الطرفين حلاً أمثل لتذويب هذه الاختلافات في وجهات النظر، إلا أن عنصر الاختلاف في الذوق والسلوك هو أمر مطلوب عند الطرفين ليعيش كل طرف المرحلة العمرية التي هو فيها بشكل مناسب، دون مبالغة أو إسفاف، كمحاولة الأم التصابي المبالغ فيه الذي لا ينسجم مع عمرها ومع العادات المتبعة».

 

ويكمل عبدات:«إن الاختلاف الذي لا يؤدي إلى الصراع هو أمر صحي ومطلوب، لأن الفتاة لا بد أن تكون لها وجهة نظرها الخاصة وقدرتها على الاختيار واتخاذ القرار، والسماح لشخصيتها بالنمو والاستقلال، إلا أن هذا الاستقلال لا يعني إطلاقاً التخلي عن الأسرة وقيمها، إنما هو استقلال في وجهة النظر واتخاذ القرار في الأمور الشخصية، دون المساس بالقيم المجتمعية ونظام الأسرة الذي يحكم الجميع.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 40 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,555