أحمد مراد
دعا الإسلام الحنيف المسلمين إلى التسامح والتعايش المشترك معاً، أو مع غيرهم من أهل الأديان السماوية الأخرى، وجاءت أكثر من آية قرآنية ترفض التشدد والتعصب للجنس أو الدين أو الرأي.ورغم ذلك تعاني بعض المجتمعات العربية والإسلامية موجات التشدد والتعصب، وهو ما يرفضه الإسلام الذي دعا المجتمع إلى أن يكون متسامحاً مع نفسه ومع الآخرين، وأن يتعايش المسلمون مع بعضهم بعضاً ومع غيرهم، في حوار هادف يحقق المصلحة العامة، ويجمع الكلمة على المبادئ والقيم الهادفة.
(القاهرة) - حول رفض الإسلام للتعصب، أوضح الدكتور محمد أبو ليلة الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإسلام يرفض التعصب سواء للجنس أو الدين أو للرأي، ويدعو إلى التعارف بين جميع أفراد المجتمع، والتعايش المشترك، وتبادل المنافع والمصالح، والأخذ والعطاء والتأثير والتأثر بالآخر، كما دعا المجتمع المسلم إلى أن يكون متسامحاً مع نفسه ومع الآخرين، وأن يتعايش المسلمون مع بعضهم ومع غير المسلمين.
التعايش
ولفت إلى الإسلام دعا المسلم لكيلا يعيش وحده في هذه الحياة، إنما يعيش معه أناس آخرون وأمم مختلفة المذاهب والعقائد، وقد ورد في القرآن الكريم درس في مجال العلاقة بالأديان، وهو ما ورد عند حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب سواء الذين يؤمنون بالتوراة التي أنزلت على موسى، أو الإنجيل الذي أنزل على عيسى، أو الصحف التي أنزلت على إبراهيم، أو الزبور الذي نزل على داود، وفي هذا يقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»الحج 17
وأشار الدكتور أبوليلة إلى أن الإسلام لا يرفض الاختلاف، إنما يرفض التصارع والتنازع، فالإسلام يرى أن الاختلاف كامن في طبيعة الحياة، لأن الله خلق الكون وما فيه ومن فيه على أساس من الاختلاف الواضح في التنوع والتعدد، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة التي لا تبديل لها في قول الله تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”.
السماحة
وعن تسامح الشريعة الإسلامية، تقول الدكتورة مهجة غالب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: الإسلام دين التسامح والسلام، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بعثت بالحنيفية السمحة”، وللتسامح قيمة كبرى في الإسلام، فهو نابع من السماحة بكل ما تعنيه من حرية ومساواة في غير تفوق جنسي أو تمييز عنصري أو استبداد بالرأي، وقد حثنا ديننا الحنيف على الاعتقاد بجميع الأديان السماوية.
فقال الله تعالى: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المومنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله”، ولا يقصد بالتسامح هنا السلبية أو ترك الحقوق وإنما هو الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق العالمية للشخص وبالحريات الأساسية للآخرين، وهو وحده الكفيل بتحقيق العيش المشترك بين شعوب مختلفة ومتنوعة، وفي هذا يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “: الدين المعاملة”.
كما روي عن عبادة بن الصامت أنه قال “: يا نبي الله أي العمل أفضل، قال: الإيمان بالله والتصديق به والجهاد في سبيله ، قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله، قال: السماحة و الصبر”.
التعصب
وتضيف: منهج الإسلام يقوم على اليسر ورفع الحرج والبعد عن التعسير، والتشدد والتعصب للرأي، والتشدد لو كان مقصوراً على ثوابت الدين وأحكامه الأساسية، وقضايا المجتمع الرئيسية في الحرية والعدالة والشورى، وفي التنمية والتحرر، لكان أمراً محموداً ومطلوباً، أما أن يكون التشدد في الفرعيات والخلافات والتوسع في الحظر والتحريم وشغل الناس بأمور جانبية وإثارة المعارك حول الخلافات العقيمة كفرض النقاب، وتقصير الثياب، وحرمة الغناء والصور، وعمل المرأة في المجتمع ووضعها الاجتماعي، والاختلاط، فهذا غير مقبول في الإسلام، لأنه يصرف الجهود في قضايا فرعية، بدلاً عن توجيهها لبناء المجتمع القوي المنتج. كما أن التشدد لو كان مقصوراً على أهله من دون أن يتجاوز ذلك إلى فرضه على الآخرين ما كان الأمر مثاراً للاعتراض، بل قد يُحمل في بعض الحالات على باب الورع، وأما أن يستخدم أهل التشدد سلطتهم ونفوذهم لفرض رأيهم من دون اعتبار للآخرين، بل يتجاوزون إلى التشكيك في عقائد المخالفين لهم والتفتيش في ضمائرهم، فهذا خروج عن المنهج الحق.
ترابط
أما فضيلة الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، فبين أن التاريخ يشهد بالنزعة الإنسانية للإسلام، وبالتسامح الذي ربط علاقات المسلمين بباقي أهل الديانات الأخرى، حيث دعا القرآن الكريم إلى مجادلة كل هؤلاء بالتي هي أحسن ومحاولة إقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة يقول الله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين”، وبهذا المنهج الرباني قام الإسلام على مبدأ عدم الإكراه، قال تعالى “لا إكراه في الدين”، وهذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطبق ما رسمه الله تعالى للدعاة حين دخل بيت المقدس فأعطى الأمان لسكانها من النصارى حينما قال “لا تُسكن مساكنهم ولا تُهدم ولا يُنقص من أموالهم شيء ولا يكرهون على دينهم”.
درس عملي
ويقول: لقد شهد كثير من غير المسلمين بتسامح الإسلام، فقال توماس أرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”: “لقد عامل المسلمون الظافرون العرب غير المسلمين بتسامح عظيم مند القرن الأول للهجرة، واستمر هدا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل غير المسلمة التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة وحرية، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح”، وهذا درس عملي لما ينبغي أن يكون عليه التسامح الديني الذي يجب أن ينبع من النهج الذي سلكه السلف الصالح، وينطلق من موقف القوة والاعتزاز لا من موقف الضعف والاستسلام، كما أن كلمة الإسلام بمعناها القرآني تؤكد العلاقة بين الإسلام والأديان الكتابية، فالإسلام في لغة القرآن ليس اسما لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي جاء به الأنبياء والرسل وآمن به أتباعهم، فالدين منذ القدم هو الإسلام.
ويضيف فضيلة الشيخ قطب: حرص الرسول عليه الصلاة والسلام حرصاً شديداً على تحقيق العدالة للمسلمين ولغير المسلمين، وعدالة الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين مبنية على أساس من حرية العقيدة، والاعتراف بالتعددية الدينية، وقبول غير المسلمين في المجتمع المسلم، ومد مبدأ الأخوة ليشمل المسلمين وغير المسلمين من منطلق الأخوة البشرية.
ساحة النقاش