من أسماء الله الحسنى
أحمد محمد
الله سبحانه هو «المصور»، خلقه كيف شاء ومتى أراد، الذي صور جميع الموجودات، ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة، يتميز بها على اختلافها وكثرتها.
وقد ورد الاسم في القرآن الكريم في قوله تعالى: «هو الله الخالق البارئ المصور له الأَسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزِيز الحكيم» الحشر 24، وجاء في لسان العرب أن المصور هو الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأَعطى كل شيء منها صورة خاصة يتميز بها على كثرتها.
صور الخلق
ويقول العلماء، إن المصور في أسماء الله الحسنى هو مبدع صور المخلوقات ومزينها بحكمته ومعطى كل مخلوق صورته على ما اقتضت مشيئته، وهو الذي صور الناس في الأرحام أطوارا ونوعهم أشكالا كما قال تعالى:«ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين» «الأعراف11».
والقصد أن المصور سبحانه خص الإنسان بهيئة متميزة، ومن خلالها يدرك بالبصر والبصيرة، وأسجد له بعد تصويره الملائكة، كما أنه جل وعلا قد جعل لكل فرد داخل النوع الواحد صورة تميزه عن غيره من أفراد نوعه، فإذا نظرت إلى أحد من الناس فإنك تعرفه بمجرد النظر إلي وجهه، وهذه من معجزات التصوير الإلهي، فرغم أن تركيب الوجه لا يختلف من إنسان إلى آخر، إذ يتكون من العينين والأنف والأذنين والفم، إلا أنه تبارك وتعالى يصور من هذه التركيبة عدداً لا نهاية له من الوجوه.
ومن نعم الله عز وجل على الإنسان أنه اختصه بحسن الصورة وجعله أجمل المخلوقات شكلاً، فجعله منتصب القامة سوى الأعضاء، وذكر الله التصوير في الكلام عن الإنسان في ست آيات فقط في مقابل العدد الكبير من الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان وغيره من المخلوقات، قال سبحانه: “هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء” “آل عمران:6”.
التعارف
واسم الله المصور يدل على ذات الله وعلى صفة التصوير، قال تعالى: “الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين” “غافر:64”، واسم الله المصور يدل باللزوم على ما تدل عليه جميع أسماء الله الحسنى من صفات الكمال.
والله المصور الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها والصورة هي الشكل والهيئة أو الذات المتميزة بالصفات، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة.
فقد صور الله عز وجل الأشياء أي جعل لكل منها شكلاً معلوماً، وإذا تأمل-E4ا الكون المحيط بنا نجد أن المولى عز وجل جعل لكل نوع من المخلوقات شكلاً يميزه عن غيره من الأنواع، فالإنسان يختلف عن الجمل ويختلف عن الأسد وهكذا.
وقال الأمام الغزالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى: قد يظن البعض أن الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، وليست كذلك، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولا، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله تعالى خالق من حيث أنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب.
حكمة
ومن معاني اسم “المصور” أن الله يبدع صور المخلوقات، ويزينها بحكمته، ويعطي كل مخلوق صورته، فكل واحد له صورة.
وحول المعنى، قال جرير: المصور خلقه كيف شاء وكيف يشاء، وقال الزجاج: المصور هو مفعل من الصورة وهو تعالى مصور كل صورة، وقال الخطابي: المصور هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها، والتصور التخطيط والتشكيل، وخلق الله تعالى الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلق جعله علقة ثم مضغة ثم جعلها صورة وهو التشكيل الذي به يكون ذا صورة وهيئة يعرف ويتميز بها عن غيره بسماتها.
والمصور هو مبدع صور المخلوقات، ومزينها بحكمته، ومعطى كل مخلوق صورته على ما اقتضت حكمته الأزلية، وكذلك صور الله الناس في الأرحام أطواراً، وكما يظهر حسن التصوير في البدن تظهر حقيقة الحسن أتم وأكمل في الأخلاق.
ساحة النقاش