شبكات الكمبيوتر الاحترافية باتت مطلباً رئيساً على مستويي الأفراد وقطاع الأعمال
يحيى أبوسالم
لم تعد شبكات الكمبيوتر الاحترافية حكراً على المكاتب والشركات وقطاع الأعمال فقط، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى المنازل، لتصبح جزءاً أساسياً منها، لا يمكن قبول فكرة عدم توافرها لدى كثير من الأشخاص، ولم تعد مثل هذه الشبكات الرقمية خياراً يمكن التخلي عنه بسهولة في معظم الشركات الحديثة صغيرها وكبيرها، وأصبحت تمديداتها جزءاً لا يتجزأ من تمديدات الكهرباء وخطوط الهاتف الرئيسة لأي مبنى جديد يشيد، وعلى المستويات كافة، وحتى المباني القديمة، فتمديد شبكة كمبيوتر خاصة بداخلها، بات اليوم بحاجة إلى فنيين مؤهلين ومهندسين أكاديميين ذوي شهادات جامعة تؤهلهم لتصميم هذه الشبكات بجودة احترافية عالية، تأتي بنتائج إيجابية لمستخدميها.
انعكس التطور التكنولوجي الهائل والسريع، الذي نعيش أيامه حالياً، على طبيعة وظروف الأعمال على اختلاف أنواعها ومستوياتها، وهي النتيجة الحتمية التي ألقت بظلالها على متطلبات الشركات والمكاتب الخاصة وحاجاتها، التي باتت اليوم كثيرة ومتنوعة، ولا تقبل سوى بالأفضل والاحترافي في كل ما يتعلق بشبكات الكمبيوتر الرقمية الحديثة. فأصبحت الحاجة إلى أمن وأمان الشبكات الداخلية، هاجساً يطارد مستخدميها كافة، وعلى المستويين الشخصي ومستوى قطاع الأعمال، وأصبحت الرغبة في الحصول على أفضل أداء وسرعة في نقل البيانات لهذه الشبكات مطلباً رئيساً لا يقبل بأقل منه الكثير من المستخدمين، وباتت تقنيات وتكنولوجيا هذه الشبكات والقطع الفنية والتقنية المستخدمة بها تنافس بأسعارها وابتكاراتها، التقنيات الأخرى المختلفة كافة.
استهلاك الخدمات
حول التغيرات التي من المتوقع أن تطرأ على قطاع الخدمات في المستقبل القريب، فيما يتعلق بتصميم وبناء وإدارة وصيانة البنى التحتية القائمة على الشبكات، يقول زياد سلامة، مدير إدارة الخدمات لدى شركة سيسكو في الشرق الأوسـط، وتركيا، وباكستان وأفغانستان، إن المؤسسات والشركات حول العالم تخضع إلى ضغوطات ناتجة عن ارتفاع مستوى تطلعات العملاء، وتزايد التنافسية، وانخفاض الميزانيات التشغيلية، والحاجة المستمرة للأشخاص المؤهلين لصيانة الشبكات الآخذة بالتطور وتعزيز الخدمات. وتتفاقم هذه القضايا بفعل الزيادة الهائلة في بيانات الاتصالات المتنقلة وحركة استخدام الفيديو عبر بروتوكول الإنترنت (IP)، ما يتسبب بأزمات لاستيعاب حركة البيانات، ومشاكل في الأداء، بل والتعطل في بعض الأحيان. ونظراً لهذه التغيرات الجذرية، يمر سوق الخدمات الشبكية الاحترافية بمرحلة إعادة تنظيم واسعة، من المتوقع أن تؤثر على طريقة شراء الخدمات من قبل المؤسسات.
وتبعاً لتوقعات مؤسسة IDC المتعلقة بخدمات الدمج والاستشارات الخاصة بالشبكات للفترة ما بين 2011 و2015، يوضح سلامة أن سوق خدمات الدمج والاستشارات الشبكية وصل إلى 22 مليار دولار في 2011، ومن المتوقع أن يحقق معدل نمو سنوي مركّب يبلغ 9,6% خلال الفترة التي تشملها التوقعات (2011 - 2015) ليصل إلى 31,2 مليار دولار بحلول 2015، منها نسبة 60 بالمائة تقريباً تضم أنشطة خدمات الدمج، وهي ما تشكل الخدمات اليدوية مثل: التطبيق والتحول إلى التقنيات الجديدة وتطبيق أنظمة الأمن الإلكتروني والاختبار والمعالجة وخدمات تهيئة الأنظمة. ومن المتوقع أن تشهد الفترة ما بين 2011 و2015 تحولاً من أنشطة الدمج اليدوية إلى خدمات أكثر استراتيجية واستناداً إلى الاستشارات، وذلك نتيجة استخدام ميزات التشغيل الآلي والتقنيات الذكية التي تكتسبها الأجهزة والشبكات.
وتشتمل عملية التحول هذه على إزالة العمليات والمواقع البعيدة التي “تستلزم عدداً كبيراً من الأشخاص” من نموذج تقديم الخدمات واستبدال هذه العناصر ببرمجيات. وإن تحقيق التحول من الخدمات البسيطة القائمة على الاستجابة للمتطلبات إلى الخدمات الاستباقية الشاملة القائمة على التوقع يتم من خلال الاستفادة من موارد المزودين الفكرية وتعزيز أواصر العلاقات مع العملاء عبر الشركاء، الأمر الذي يسمح بإعادة توزيع الموارد النادرة على التزامات أعلى قيمة.
وينبغي على المدراء التنفيذيين تفهم أن هذه الموجة الجديدة من الخدمات التي تستفيد من ذكاء الشبكات ستُحدث تأثيراً جوهرياً على الأعمال وتفاعلها مع المزودين. وهذا يعني أنه سيتعين على المؤسسات اتباع منهجية الاستثمار في المعدات والخدمات ضمن ظروف مختلفة والنظر في التأثير التجاري الشامل لتجربة الخدمات.
ويقوم الشركاء بدور مهم في منظومة تقديم الخدمات الجديدة، ولهذا يحتاجون حالياً إلى العمل بشكل وثيق مع مزودي المعدات من أجل الاستفادة من مواردهم الفكرية وتقديم خدماتهم وفقاً لذلك. ومن خلال الانتقال إلى نموذج يستفيد من التكنولوجيا الذكية الموجودة في الشبكات، يمكن للشركاء من المؤسسات الاستثمار في زيادة العائدات بدلاً من التركيز على تخفيض التكاليف عبر زيادة الضغط على الشبكات القديمة.
الخدمات الشبكية الاحترافية
فيما يتعلق بسوق الخدمات الشبكية، فيرى سلامة أنه يمكن تصنيفه إلى ثلاث مجموعات، تشمل:
◆ خدمات الدمج والاستشارات المتعلقة بالشبكات: وتشتمل على أنشطة ومهارات ترتبط بتخطيط وبناء الشبكات لمزودي الخدمات، إضافة إلى المؤسسات.
◆ الخدمات المُدارة: وهي مجموعة من الخدمات والحلول التي يوفرها طرف ثالث على مدى سنوات متعددة، مقابل تكلفة متفق عليها ووفق مستويات الخدمة المتفق عليها.
◆ خدمات الصيانة: كان هذا السوق فيما مضى يعتبر قليل الأهمية الاستراتيجية، ونتيجة لذلك لم يكن عنصراً رئيسياً ضمن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات وقضايا الأعمال عموماً.
ومن وجهة نظر المزودين، كان يتسم بأنه يستلزم عدداً كبيراً من الأشخاص، ما أدى إلى انخفاض هوامش الربح منه نسبياً. وفي الواقع، هذا هو السوق الذي يشهد التحول الجذري الأكبر، مدفوعاً بتطور الأعمال والوضع العام للتكنولوجيا.
وفي ظل استمرار تزايد عدد وأنواع الأجهزة التي تتطلب الاتصال بشبكات المؤسسات، يزداد الأمر تعقيداً على صعيد مواكبة متطلبات المستخدمين المختلفة ونماذج حركة الاستخدام المتنوعة. ومع استمرار نمو كمية البيانات المتنقلة عبر الشبكات، فإن القدرة على استيعاب المعلومات دائمة التزايد تمثل تحدياً كبيراً للعملاء من المؤسسات. وبفضل تزايد التقنيات الذكية المدمجة في الأجهزة والشبكات والعمليات والتطبيقات الموجودة في الشبكات، يمكن لشركات تزويد الخدمات جمع كميات مستمرة من البيانات المفيدة حول حالة ونشاط الأجهزة والشبكات. وقد عكف مزودو الشبكات على بلورة التقنيات الذكية على مدى سنوات ليتمكنوا الآن من الاستفادة من المعلومات في مساعدة مديري تقنية المعلومات وشركائهم على التخطيط بفعالية، إلى جانب الاستفادة من الاستثمار في الشبكات على نحو أكثر استراتيجية.
تغيرات متعددة
يؤكد سلامة أن المؤسسات ستشهد تغيرات عدة تشمل الابتعاد عن أنشطة الخدمات التي تستلزم الكثير من الأشخاص والوقت، بما يسمح لأقسام تقنية المعلومات وشركات تزويد الخدمات بالاستفادة من الموارد على نحو أكثر استراتيجية. وبالتالي، يمكن لموظفي تقنية المعلومات والاتصالات التركيز على أحد أهم دوافع نمو الأعمال على مدى السنوات الخمس القادمة. وسيعمل التحول الحاصل في الموارد إلى إعادة توزيع فريق العمل التقني من المهام اليدوية التقليدية إلى أنشطة أكثر اعتماداً على تقديم الاستشارات، ما سيدفع الكثير من شركات تزويد الخدمات إلى إعادة تدريب موظفيهم بما يؤهلهم للقيام بمهامهم الجديدة.
وبالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك توجه نحو خدمات استباقية ذكية، فالمؤشرات كافة تدل على أهمية الشبكة ضمن المؤسسة، إذ إن المؤسسات ستتطلب المزيد من مزوديها. وفي هذه الحالة، نرى أن النموذج الحالي (القائم على بيع المنتج والخدمات المتعلقة به) يتحول إلى نمط جديد، حيث يصبح المزودون أكثر انخراطاً في معالجة مشاكل الأعمال.
وأخيراً، سيقوم الشركاء بدور أكثر أهمية في منظومة الخدمات الجديدة، إذ يمكنهم التركيز على خدمات شبكية احترافية وذات هامش ربح أكبر. وهذا يعني أنه سيتعين على الشركاء أن يعملوا بشكل وثيق أكثر مع المزودين الرئيسين، لتصبح منهجية الحلول هي السائدة. وفي هذه الحال، تكون توجهات التحول هذه في مشهد الخدمات قد بدأت بشركات تزويد الخدمات، حيث تختبر طريقة توظيفهم لخبراء المبيعات والكوادر الفنية لمواكبة الاحتياجات المتنامية لقاعدة عملائهم.
تعزيز التنافسية
تشهد الخدمات الاحترافية المتعلقة بالشبكات تحولاً جذرياً مدفوعاً بتطور ظروف الأعمال والتكنولوجيا. وسيكون لتطور صناعة الخدمات تأثير هائل على طريقة شراء المنتجات والخدمات في المستقبل. وسيَحدِث تحولاً جذرياً من نموذج الاستهلاك التقليدي المتمثل في تقديم “المنتج مع الخدمة” إلى نموذج جديد يتمثل في تقديم “المنتج ضمن حزمة متكاملة مع الخدمة”. ومن خلال الانتقال إلى نموذج يستفيد من الهيكليات والتقنيات الذكية المدمجة في الشبكة، يمكن للمؤسسات التركيز على زيادة العائدات. ونتيجة لذلك، سيتعين على المؤسسات وشركائهم إعادة النظر في طريقة شرائهم لمعدات الشبكات في المستقبل، فلا تقتصر اعتباراتهم على مجرد شراء مجموعة من الأجهزة التي تنفذ مهام معينة، بل يكون لديهم رؤية أكثر شمولية للشبكات بما يتيح لهم استخدام شبكاتهم كأصول أعمال مبتكرة تعزز أفضليتهم التنافسية.
ساحة النقاش